حقوق الإنسان في إسرائيل عرض الواقع – 2016

صورة الوضع - 2016

كتابة:

طاقم جمعية حقوق المواطن: المحامي غيل غان-مور، المحامية رغد جرايسي، المحامي أفنير بينتشوك، المحامي عوديد فيلر.

طاقم “بزخوت” – مركز حقوق الإنسان للأشخاص ذوي المحدوديّات: المحام يوتام طولوف، عديت سرغوسطي، المحامي شارون بريمور

تحرير: طال دهان.

مساعدة وملاحظات: المحامية شارون أفراهم-فايس، المحامية ديبي غيلد-حايو، المحامي دان يكير، تليك كرمون، المحامي طالي نير، يارون كلينر.

 

يصدر هذا التقرير بدعمٍ من:نشكر عضوات وأعضاء جمعية حقوق المواطن، المتطوّعين والمتبرّعين لدعم نشاط الجمعية، والذين بفضل التزامهم، قيمهم وكرمهم كان نشاطُنا مُمكنًا.

 

كانون الأوّل 2016

المحتويات

مقدّمة.

تغيير جذريّ في قواعد اللّعبة الدّيمقراطيّة.

حرية التعبير: هجمة سلطوية على وسائل الإعلام

موجة العنف: من المسّ بالحقّ في الحياة وحتّى انتهاك الحقّ في الإجراءات العادلة.

العنصريّة والتّمييز: هل من أمل للنّضال المنظوميّ؟

حقوق الأقليّة العربيّة.

الخطّة الخمسيّة للأقليّة العربيّة – الأمل إلى جانب الخوف من وضعها على الرفّ.

خطر جديد على الحقّ في المسكن.

العرب البدو في النقب: في ظلّ خطر الإخلاء.

الحقّ في الصّحّة.

إضافة مُهمّة لرزمة الخدمات الصّحّيّة.

احتجاج سكّان المناطق البعيدة عن المركز: عدم مساواة في الميزانيّات والخدمات.

تقليص الخدمات الطّبّيّة الخاصّة.

الحقّ في المسكن.

التّجدّد المدنيّ – إنجازات لحقوق المُستأجرين. 

أسعار الشّقق السكنيّة في الذروة 

الحقوق لذوي الإعاقات.

الاعتراف بتقديم الدّعم ساعة اتّخاذ القرارات كبديل للوصاية. 

الإصلاح في مجال الصّحّة النّفسيّة. 

تكبيل المُعالَجين أثناء مكوثهم في أقسام العلاج النّفسيّ. 

حقوق مهاجري العمل: إحضار العمّال من الصّين. 

طالبو اللّجوء واللّاجئون. 

انتهاك حقوق الإنسان في المناطق المحتلة. 

بلا مأوى..

الحقّ في المياه 

الضمّ الزاحف.. 

 

 

مُقدّمة

في كلّ عام، تنشر جمعيّة حقوق المواطن تقريرًا عنوانه “حقوق الإنسان في إسرائيل – عرض الواقع”، وذلك احتفاءً باليوم العالمي لحقوق الإنسان، الموافق 10 كانون الأوّل. في مثل هذا اليوم، في العام 1948، صادقت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة على “الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان”. يعرض التّقرير الوضع الحاليّ ويستعرض آخر وأهمّ المُستجدّات في مجالات مُختارة تتعلّق بحقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي المُحتلّة، خلال السّنة الماضية. نحاول عبر هذا التّقرير أن نُنذر بخصوص أبرز الانتهاكات لحقوق الإنسان، وأن نُشير إلى نزعات تنطوي على تحسّن -في حال وجدت- وأن نُسلّط الضّوء على قضايا حقوق إنسان لا تحظى عمومًا باهتمام الجمهور، وأن نُنوّه بالسّيرورات الأساسيّة في مجال حقوق الإنسان، تلك التي تترك أثرها على جميع بني وبنات البشر الذين يعيشون هنا.

لم يكن العام 2016 عامًا موفقًا بالنّسبة لحقوق الإنسان. إنّ موجة العُنف التي سُميّت “انتفاضة الأفراد”، والتي بدأت في خريف العام 2015، رافقتنا هذه السّنة أيضًا، بزخم متفاوت. لقد أضرّت أحداث العنف هذه بالحقّ الأساسيّ في الحياة والأمن الشّخصيّ، كما وزرعت الخوف في وسط الجمهور، وزعزعت الحياة اليوميّة، وخلّفت وراءها عائلات ثكلى وجماهير مفجوعة. خلال هذه الفترة العصيبة، اتّسمت سياسة السّلطات عمومًا بنزعة إلى اختيار أساليب مُتطرّفة، وإلى انتهاك لا حاجة له لحقوق الإنسان والحرّيّات، وإلى الاستخدام المُفرَز للقوّة.

لقد وجدت حرّيّة التّعبير والحيّز الدّيمقراطيّ في إسرائيل نفسيهما هذه السّنة تحت وابل من الهجمات القاسية. للأسف، فإنّ المسؤولين المُنتخبين -كأعضاء الكنيست والوزراء- لعبوا دورًا مركزيًّا في محاولة لتقليص حرّيّة التّعبير، وبخاصّة حرّيّة الإبداع الفنّيّ، وتقييد وسائل الإعلام الحرّة، وإسكات النّقد، والمسّ بفصل السّلطات، والتّضييق على خطوات كلّ من لا تتماشى مواقفه أو نشاطاته مع الأغلبيّة السّياسيّة. هذه النّزعة هي تتمّة لنزعة السّنوات الأخيرة، وبات الهجوم على حرّيّة التّعبير مصحوبًا بنزع شرعيّة الخصوم السّياسيّين، والأقلّيّات وجمعيّات حقوق الإنسان.

مع ذلك، هُناك فسحة أمل أتاحتها ثلاثة تقارير غير مسبوقة نشرتها الدّولة بخصوص التّمييز في إسرائيل: تقرير بخصوص دمج الأقلّيّة العربيّة اقتصاديًّا، وهو ما أدّى إلى وضع خطّة خماسيّة بهذا الصّدد؛ وتقرير لجنة بلمور بخصوص القضاء على العنصريّة ضدّ القادمين من إثيوبيا؛ وتقرير لجنة بيطون بخصوص تعزيز إرث يهود إسبانيا والشّرق. إنّ نشر هذه التّقارير ينطوي بحدّ ذاته على أهمّيّة بالغة من حيث الاعتراف بوجود تمييز طويل الأمد ضدّ هذه المجموعات. لكنّ الامتحان الحقيقيّ يكمن في تخصيص ميزانيّات لتحقيق التّوصيات المذكورة في التّقارير. حتّى السّاعة، يبدو من الجلسات المنعقدة بخصوص ميزانيّة العامَين 2017-2018 أنّ الحكومة لن تطبّق غالبيّة توصيات هذه التّقارير.

إضافة إلى ذلك، يتناول التّقرير التّالي قضايا إضافيّة برزت في العام 2016: نيّة تشديد فرض القانون والعقوبات بحقّ تجاوزات البناء في البلدات العربيّة، رغم تجاهل الأوضاع التّخطيطيّة في هذه البلدات، وتنصّل نظام التّخطيط من مسؤوليّته تجاه الوضع القائم؛ استمرار سياسات التّخطيط المُميِّزَة في النّقب؛ استمرار الإساءات بحقّ اللّاجئين وطالبي اللّجوء؛ والمسّ بحقوق مهاجري العمل. فوق كلّ ذلك، يجثم ظلّ الاحتلال الثّقيل، الذي يُتابع تغلغله في الضّفّة الغربيّة. في المنطقة ذاتها، وتحت السّلطة ذاتها، يتبلور نظامان قانونيّان مُنفصلان لجمهورَين مُختلفين – جمهور له حقوق، وجمهور آخر يتمّ انتهاك أكثر حقوقه أساسيّة بشكل دائم. وكما يصف الفصل الأخير في التّقرير، تتمّ مأسسة هذا التّمييز أكثر فأكثر مع اقتراب الذكرى الـ 50 لبدء الاحتلال، فيُصبح التّمييز جزءًا لا يتجزّأ من منظومة الحكم الإسرائيليّة.

إلى جانب المسّ بحقوق الإنسان، يُسعدنا أن نُشير إلى بعض النّقاط الإيجابيّة في مجالات الصّحّة، والإسكان وحقوق الأشخاص الذين لديهم إعاقات نفسيّة أو إدراكيّة. لم تنبثق هذه التّغييرات الإيجابيّة من العدم، بل إنّها نتيجة النّشاطات المُكثّقة لمختلف الجمعيّات، والمجموعات والأفراد طوال سنين كثيرة. كلّ إنجاز كهذا هو بمثابة عتبة من التّفاؤل تتيح لنا مُتابعة النّضال من أجل تغيير الواقع وتعزيز حقوق الإنسان في إسرائيل.

لا تحصل هذه التّغييرات بين ليلة وضحاها، بل من خلال العمل الدّؤوب والمُمنهج مُقابل جميع فئات المُجتمع – من الطّبقة السّياسيّة، مرورًا بالبيرقراطيّة الحكوميّة، والمحاكم، ووسائل الإعلام، والشّبكات الاجتماعيّة، وصانعي الرّأي العام، ونظام التّربية والتّعليم. رغم الصّعوبات، فنحن في جمعيّة حقوق المواطن نتعهّد بمُتابعة النّضال الطّويل الأمد على مُختلف الأصعدة، حتّى عندما تواجَه نشاطاتنا بانتقادات وردود فعل عدائيّة، ونتعهّد بعدم التّخلّي عن الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان والمُجتمع في إسرائيل.

تغيير جذريّ في قواعد اللّعبة الدّيمقراطيّة

إنّ النّزعة المُقلقة المُتمثّلة في التغييرات الجذريّة التي طرأت على القواعد الأكثر أساسًا للنّظام الدّيمقراطيّ، والتي اتّسمت بها السّنوات الأخيرة، استمرّت في العام الجاري أيضًا، لتصل إلى حضيض جديد. فقد استمرّت الأغلبيّة السّياسيّة في إلحاق الأذى بالحقوق الأساسيّة، واستمرّت في تحدّي القواعد الأكثر أساسًا للدّيمقراطيّة -مثل احترام السّلطات المختلفة أو الحفاظ على حقوق الأقليّات- لا بل ووصلت حدّ دفعها نحو الحافّة. للأسف، بات مجلس النّوّاب، والذي يُفترض أن يكون رمز الدّيمقراطيّة، الحلبة المركزيّة لإلحاق الأذى بقواعد اللّعبة الدّيمقراطيّة، فرأينا أعضاء كنيست يُروّجون لاقتراحات قوانين كثيرة هدفت إلى إسكات الآراء، وحجب النّقد الجماهيريّ، ونزع الشّرعيّة عن الخصوم السّياسيّين، والأقليّات، وجمعيّات حقوق الإنسان، والتّضييق على تحرّكات كلّ من يُجاهر بآراء أو أفعال لا تقبلها الأغلبيّة السّياسيّة.

من بين أكثر المبادرات المُعادية للدّيمقراطيّة بروزًا للعام 2016، هناك مبادرتان وصلتا حدّ المُصادقة عليهما في جلسة الكنيست، ألا وهما “قانون الإقصاء” و “قانون الجمعيّات”. “قانون الإقصاء” هو قانون يُتيح لأغلبيّة من أعضاء الكنيست أن يُقصوا زملائهم من أحزاب الأقلّيّة لدوافع سياسيّة، وهو قانون يمسّ بأعمدة الأساس للدّيمقراطيّة، ويمسّ بشكل خاصّ بالجمهور العربيّ وبتمثيله في المنظومة السّياسيّة. أمّا “قانون الجمعيّات“، فيهدف إلى إلصاق وصمة عار بأيّ جمعيّة تختلف أجندتها عن أجندة الأغلبيّة السّياسيّة؛ ومع أنّه تمّت المصادقة عليه بصياغة أكثر تلطيفًا، فإنّ مجرّد وجوده في كتاب القوانين يمسّ بشرعيّة الجمعيّات المُرتبطة باليسار السّياسيّ وبجمعيّات حقوق الإنسان وبنشاطات هذه الجهات.

من بين جميع المُقترحات والمبادرات التي قُدِّمت في السّنة الأخيرة، يمكننا إيجاد اقتراح “قانون الولاء في الثّقافة“، والذي هدف إلى إعطاء السّياسيّين سلطة لحجب التّمويل عن مؤسّسات ثقافيّة يعتبرون أنّها تزدري الدّولة ورموزها؛ واقتراحات القانون التي حاولت أن تمسّ بمكانة ودور المحكمة العليا؛ واقتراحات القانون التي تطرّقت إلى المناداة بمقاطعة إسرائيل، وحاولت أن تفرض “ثمنًا باهظًا” عقابًا على تعابير سياسيّة شرعيّة؛ والمبادرات التي هدفت إلى المسّ بوسائل الإعلام الحُرَّة، والتي سوف نطيل الحديث عنها في الفصل التّالي؛ ومحاولات إلغاء الخدمة المدنيّة في جمعيّات حقوق الإنسان، أو منع تلك الأخيرة من الحصول على مزايا ضريبيّة؛ والمُبادرات والقرارات الكثيرة التي اتّخذتها وزيرة الثّقافة، التي تمسّ بحرّيّة التّعبير السّياسي في الفنون، وهي مُبادرات وقرارات استهدفت بشكل أساسيّ الفّنانون العرب والمؤسّسات الثّقافيّة العربيّة.

إنّ نتيجة هذا السّيل من المُبادرات هو مسّ بأساسات النّظام الدّيمقراطيّ في إسرائيل، وهو مسّ متواصل ومتراكم بحرّيّة التّعبير والاحتجاج، وبكرامة الإنسان وبحقّه في المساواة؛ ومسّ بحرّيّة التّجمّع؛ ومسّ بإمكانيّة تحقيق التّعدّديّة وبشرعيّة وجود مواقف، وآراء وأفكار مُتعدّدة. إلى جانب كلّ هذا، بتنا نشهد ازديادًا في الاستبداد والطّغيان تجاه الأقلّيّات الاجتماعيّة والسّياسيّة والقوميّة، وفي المسّ بحقوق الأقلّيّات لكلّ هؤلاء، وخاصّة بحرّيّة التّجمّع لدى الأقلّيّة العربيّة.

حتّى وإن لم تتمّ المصادقة على جميع المُبادرات والاقتراحات في نهاية المطاف، وحتّى إذا صودق على بعضها بصياغة أكثر تلطيفًا، فإنّ الأضرار المُتراكمة النّاتجة جمّة. إنّ إسكات النّقد، والتّحريض على المؤسّسات والجمعيّات والمجموعات الجماهيريّة يؤثّران على الجمهور العامّ ويُوقدان نار الكراهية. يتحوّل المُهاجَمون إلى أعداء، ويتمّ التّنديد بهم والدّوس عليهم. هكذا، فإنّ الأجواء التي كانت سائدة خلال العام الجاري في البرلمان الإسرائيلي وفي الحكومة، وتفوّهات بعض المسؤولين المُنتخبين ضدّ جمعيّات حقوق الإنسان، ساهمت في تشجيع المضايقات والهجمات على هذه الجمعيّات وعلى الفنّانين والشّخصيّات العامّة التي تمّ استهدافها بصفتها عدوّة وخائنة. وفي حين بات حيّز الآراء التي يُمكن اعتبارها شرعيّة يتقلّص، أُضيف إلى لائحة الأعداء حتّى بعض الضبّاط والمسؤولين الرفيعين في الجيش والحكومة.

كلّ ذلك ينخر في الحيّز الدّيمقراطيّ ويؤدّي إلى الرّدع والشّلل والمراقبة الذاتيّة (الردع الذاتيّ) في المجتمع الإسرائيليّ. بما معناه أنّه بدل أن يكون هناك مجتمع يطمح إلى حلّ المشاكل والسّجالات، بات هناك مجتمع يصعب جدًّا فيه الحديث عن هذه الأمور. هذا يمسّ بالدّيمقراطيّة، التي تُعتبر فيها حرّيّة انتقاد السّلطة، ومراقبة نشاطاتها ومساعدة كلّ من يتضرّر جرّاءها قواعد أساسيّة. إنّ محاولة جهات رفيعة في البرلمان وفي الحكومة إسكات النّقد تجاه سياساتها تتعارض هي أيضًا مع المواثيق الدّوليّة التي وقّعت عليها إسرائيل، والتي تضمن حماية حقوق الإنسان وكلّ من يعمل للحفاظ عليها، وتتعارض تمامًا مع القضاء الإسرائيليّ، الذي تتمتّع فيه حرّيّتا التّعبير والاحتجاج بمكانة حقوق أساس دستوريّة.

حرّيّة التّعبير: هجمة حكوميّة على وسائل الإعلام

إنّ وسائل الإعلام هي “كلب الحراسة” بالنّسبة للدّيمقراطيّة، وإنّ وجود وسائل إعلام حُرّة، تُحقّق وتطرح أسئلة صعبة هو شرط أساسيّ لوجود حوار عقلانيّ بخصوص الأسئلة الأهمّ في جدول الأعمال الجماهيريّ. للأسف، برزت في العام الأخير محاولات مُقلِقة قام بها مُنتخبو الجمهور من أجل المسّ بحرّيّة الصّحافة ووسائل الإعلام في إسرائيل.

في العام الماضي، كان هناك تطوّر إيجابيّ. في أعقاب التماس قدّمته جمعيّة حقوق المواطن، تمّ إلغاء قانون انتدابيّ أتاح لموظّفي وزارة الدّاخليّة أن يأمروا بإغلاق عشرات الصّحف. كذلك، أعلن وزير الدّاخليّة عن نيّته إلغاء أمر الصّحافة، والذي يشترط إصدار صحيفة ما باستصدار رخصة أولًّا. لكنّ قادة السّلطة لم يستغنوا عن طموحهم بالتّحكّم بالصّحافة وبتقييد خطواتها. فقد اهتمّ رئيس الحكومة بأن يُبقي السّلطة على وزارة الإعلام بين يديه، وهو يتدّخّل تدخّلًا فاعلًا في خارطة الاتّصالات القطريّة بأكملها. في سلسلة لقاءات عقدها خلال هذا العام مع أهمّ وسائل الإعلام، وبّخ رئيس الحكومة الصّحفيّين لوجود انقطاع بينهم وبين الشّعب ولأنّهم يكثرون من انتقاد خطواته، على حدّ تعبيره.

تفاقمت هذه النّزعة مع الهجمات التي هدفت إلى تلطيخ اسم الصّحافة الاستقصائيّة ونزع الشّرعيّة عنها. من أهمّ وظائف وسائل الإعلام أن تهاجم وتنتقد وتطرح أسئلة صعبة على من اختيروا لقيادة السّلطات. يتذمّر القادة منذ الأزل من قيام الصّحفيّين بأعمالهم، لكنّ هذه السّنة شهدت مستويات قياسيّة من الهجوم الأرعن والكاذب مصدره مكتب رئيس الحكومة، دون أيّ تطرّق إلى الادّعاءات والإثباتات. كان من الواضح أنّ هذه الهجمات تهدف إلى نزع الشّرعيّة، أو زرع الخوف، أو كما فسّرت وزيرة الثّقافة – “تعريف قوانين اللّعبة من جديد“. وكما كان من الممكن أن نتوقّع، فقد لحقت ردود الفعل الهائجة هذه موجة من التّحريض العنيف في الشّبكات الاجتماعيّة. إنّ مثل هذه الهجمات الشّعواء الآتية من رأس الهرم قد تُفسَّر على أنّها تشجيع على ممارسة العنف الجسديّ، لكنّ البرلمان رفض اقتراح قانون حاول معالجة ظاهرة الاعتداء الجسديّ على الصّحفيّين وطواقم البثّ.

في المقابل، فقد تكثّفت جهود رئيس الحكومة ووزراؤها السّاعية إلى التّدخّل في التّعيينات والمضامين. مع مطلع العام، عمل رئيس الحكومة على إحباط تمديد فترة ولاية ضابط إذاعة جيش الدّفاع الإسرائيليّ. وفي مرحلة لاحقة من العام، كانت هُناك حاجة إلى تدخّل المُستشار القضائيّ للحكومة حتّى يعزف وزير الدّاخليّة عن محاولاته للتّدخّل في المضامين التي تبثّها الإذاعة. قادت الحكومة اقتراحات قوانين بهدف تقييد قناة الكنيست، معلّلة ذلك بمنع مضامين “تُحقّر” البرلمان. لقد أدّى النّقد الجماهيري إلى تلطيف هذا المنع، لكن يصعب تصديق أنّها نجحت في تقليص الضّغوطات التي يُمارسها السّياسيّون على مُدير القناة، بحسب أقواله، وذلك بهدف التّدخّل في مضامين القناة و”تحزيبها“.

ولعلّ أبرز مثال على هذه الضّغوطات والتّدخّلات هو حالة مؤسّسة البثّ العام الجديدة، “كان”. كان يُفترض أن تستبدل المؤسّسة سلطة البثّ، وذلك بحسب الإصلاح الذي بادر إليه الوزير غلعاد إردان والذي صادقت عليه الحكومة قبل عامَين. آنذاك، رحّب رئيس الوزراء بالخطوة ووعد بأنّه سوف يُعزّز البثّ العام “الذي نعزو له أهمّيّة بالغة”. لكنّ هذه السّنة، وقبل شهور قليلة من بدء عمل مؤسّسة البثّ، بادر رئيس الائتلاف الحكوميّ، دافيد بيطن، وبدعم من رئيس الحكومة، إلى خطوة تهدف إلى تصفية هذه المؤسّسة، معلّلًا ذلك بادّعاءات كالتّوفير الاقتصاديّ ووجود انحياز سياسيّ في المؤسّسة. وفسّر عضو البرلمان بيطن ذلك قائلًا “إنّ وسائل الإعلام حرّة أكثر ممّا ينبغي”، في حين تساءلت وزيرة الثّقافة ميري ريغيف عن “قيمة المؤسّسة إن كنّا لا نسيطر عليها؟”. هنا، يجدر أن نذكر أنّ وزراء آخرين، ومن بينهم الوزير غلعاد إردان والوزيرة غيلا غامليئيل، احتجّوا بقوّة على تلك الأقوال التي تتعلّق بالسّيطرة على المؤسّسة، ووصفوها بأنّها “تكاد تصل حدّ الفاشيّة، لا الدّيمقراطيّة”.

في مرحلة لاحقة من العام، أعلن رئيس الحكومة أنّه ينوي أن يصفي الشّركة، لكنّه اضطرّ إلى تأجيل الخطوة بهدف إجراء “فحص”، وذلك فقط في أعقاب تحفّظات أبداها وزير الماليّة. ما زال “الفحص” جاريًا، لكنّ مدير الائتلاف قد أعلن سلفًا عن أنّ النّتيجة سوف تكون إغلاق أبواب المؤسّسة. كذلك، تفحص الحكومة إمكانيّة تصفية المؤسّسة إلى جانب تصفية سلطة البثّ، للتّخلّص كلّيًّا من البثّ العام. حتّى في حال استطاع البثّ العام أن يصمد، فإنّ الهجوم الأرعن عليه في الأشهر الأخيرة لن يكفّ عن التّهديد بعدم السّماح له بأن يكون “حرًّا أكثر ممّا ينبغي”.

إنّ تصفية البثّ العام أو إخصاءه هما بمثابة ضربة قاضية لحرّيّة الصّحافة ولحقّ الجمهور في المعرفة. إنّ البثّ التّجاريّ، مهما كان جيّدًا ومهنيًّا، يبقى عرضة لضغوطات الأثرياء وتأثيراتهم. في السّنوات الأخيرة، ازدادت ظاهرة الدّعايات الخفيّة، والأهمّ من ذلك ظهور تلك المضامين التّسويقيّة، التي تظهر في وسائل الإعلام بحلّة تشبه شكلًا وأسلوبًا المضامين العاديّة، إلّا أنّها في الواقع دعايات تدفع لقاءها جهات تجاريّة أو حكوميّة. لقد كانت هذه الظّاهرة واحدًا من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تدهور إسرائيل في مقياس حرّيّة الصّحافة حول العالم، حيث رسبت للمرّة الأولى إلى فئة الدّول التي فيها “صحافة حرّة جزئيًّا“. على ضوء ذلك، تزداد أهمّيّة البثّ العام، الذي يُفترض أن يخدم كافّة الجمهور والمصلحة العامّة، لا أن ينحاز إثر اعتبارات تجاريّة أو سياسيّة.

موجة العنف:
من المسّ بالحقّ في الحياة وحتّى انتهاك الحقّ في الإجراءات العادلة

 

إنّ موجة العنف الذي بدأت مع خريف العام 2015، والتي سُمّيت باسم “انتفاضة الأفراد”، رافقتنا خلال العام الحاليّ أيضًا. لم تكن هذه أوّل موجة، وللأسف لن تكون الموجة الأخيرة. إنّ واقع الاحتلال والقمع والصّراع الطّويل الأمد والمتفاوت القوّة تحوّل أحداث العنف هذه إلى أمور روتينيّة يوميّة. صحيح أنّ حجم العنف تغيّر خلال السّنة الماضية، وصحيح أنّنا شهدنا فترات أقلّ أو أكثر اضطرابًا، لكنّ في كلّ مكان في إسرائيل والضّفّة الغربيّة، شهدنا أحداث عنف قاسية راح ضحيّتها العشرات، إضافة إلى مئات الجرحى. تمسّ هذه الأحداث بحقّ أساسيّ، ألا وهو الحقّ في الحياة وفي الأمن الشّخصيّ، وهي تزرع الخوف في الجمهور وتقوّض روتين الحياة اليوميّة، لتخلّف وراءها عائلات ثكلى وجماهير مُنفطرة قلوبها.

خلال هذه الفترة العصيبة، اتّسمت سياسة السّلطات عمومًا بنزعة إلى اختيار أساليب مُتطرّفة، وإلى انتهاك لا حاجة له لحقوق الإنسان والحرّيّات، وإلى الاستخدام المُفرَز للقوّة. إنّ الجيش والشّرطة، وهما الجهتان المؤتمنتان على أمن الجمهور، يواجهان في مثل هذه الفترات تحدّيات كثيرة، وعليهما أن يُشغّلا الأساليب والقوّة البالغة التي يملكانها بشكل مُتّزنٍ ومسؤول، وأن يمتنعا قدر الإمكان عن المسّ بحقوق الإنسان في تلك الحالات التي يُمكن ويُحبّذ فيها ذلك.

لعلّ أبرز مثال على الانتهاك غير المُجتانس لحقوق الإنسان من قبل الجيش والشّرطة هو ذلك الذي يخصّ أكثر الحقوق أساسًا، ألا وهو الحقّ في الحياة. في الكثير من العمليّات أو حالات الاشتباه بتنفيذ عمليّات، هُناك أدلّة تُشير إلى أنّ رجال الشّرطة، والجنود وحتّى المُواطنين أطلقوا النّار وقتلوا مُنفّذي العمليّات أو أولئك الذين اشتُبِه بأنّهم قد نفّذوا أو قد يُنفّذون عمليّات، دون أن يكون هناك أيّ خطر يتهدّد حياتهم، أو في ظروف كان يُمكن لهم أن يُسيطروا عليها بأساليب أخرى تُحدث ضررًا أقلّ، وبحسب أنظمة إطلاق النّار. لقد أدّت مُحاكمة الجنديّ إليؤور أزاريا، مُطلق النّار في الخليل، إلى إثارة جدل جماهيريّ عاصف وضروريّ.

من الوسائل الأخرى التي ازداد استخدامها كثيرًا هذا العام هي هدم المنازل أو صبّها بالإسمنت كوسيلة لمعاقبة عائلات المُتورّطين في العمليّات. بحسب مُعطيات مركز حماية الفرد، منذ شهر كانون الثّاني 2016 وحتّى مُنتصف شهر تشرين الأوّل، كان هناك 23 منزلًا في الضّفّة الغربيّة والقدس الشّرقيّة تمّ هدمه، أو هدمه جُزئيًّا أو صبّه بالإسمنت. منذ شهر تشرين الأوّل 2015، وحتّى مُنتصف شهر تشرين الأوّل للعام 2016، قام الجيش بأخذ مقاييس نحو مئة منزل إضافيّ، دون أن تُصدر ضدّها أوامر هدم حتّى السّاعة. إنّ هدم المنازل كوسيلة عقاب هو وسيلة تضرّ كثيرًا بأفراد العائلة -وهم مواطنون أبرياء- وبحقّهم في الماوى وفي ظروف المعيشة الأساسيّة. في العام 2005، قرّر الجيش وقرّرت الحكومة أن يكفّا عن استخدامها، بعد أن استنتجت لجنة عسكريّة أنّ لا إثبات على أنّ لهذه الوسيلة فاعليّة في الرّدع، وأنّ أضرار عمليّات الهدم تفوق فوائدها، لأنّ الرّدع -وهو محدود في جميع الحالات- لا يُقارَن بالغضب والعداوة التي تثيرها هذه الخطوة القاسية لدى الفلسطينيّين. لكن، بعد مرور سنوات قليلة، عادت الدّولة إلى استخدام هذه الوسيلة.

وعلى ضوء التّصعيد، وصل عدد الاعتقالات الإداريّة خلال العام الحاليّ إلى رقم قياسيّ، مقارنة بالعقد الماضي. إنّ اعتقال الأشخاص إداريًّا دون محاكمتهم هو من الوسائل الأكثر وحشيّة التي تستخدمها إسرائيل. يعتمد الاعتقال الإداريّ على فرضيّة مرفوضة، وهي أنّه يُمكن تنبّؤ تصرّفات الإنسان المُستقبليّة، وهو يُستخدم لحبس أشخاص مع استخدام موادّ سرّيّة، وإجراءات تمنع المُشتبه بهم من الحقّ الأكثر أساسًا – وهو أن يعرفوا التّهمة الموجّهة ضدّهم كي يتسنّى لهم أن يدافعوا عن أنفسهم. بحسب مُعطيات بتسيلم، حتّى نهاية شهر نيسان من العام 2016، كانت إسرائيل تحتجز في الاعتقال الإداريّ 692 فلسطينيًّا، من بينهم امرأتان و 13 قاصرًا؛ بحسب مُعطيات نشرتها وسائل الإعلام، مع نهاية شهر تمّوز من هذا العام، كان الرّقم 651 شخصًا. خلال السّنة الماضية، بادر بعض المُعتقلين الإداريّين إلى إضراب عن الطّعام، وذلك من باب اليأس واحتجاجًا على توسيع نطاق استخدام هذه الوسيلة.

كما يحدث مرارًا، فإنّ استخدام بعض الوسائل التي تضرّ بالفلسطينيّين في الأراضي المُحتلّة “يتسرّب” في نهاية المطاف إلى داخل إسرائيل، ليتمّ استخدامها ضدّ مواطنين إسرائيليّين أيضًا، بقوّة مُخفّفة ونطاق أصغر. بحسب مُعطيات قدّمها نائب المُسشتار القضائيّ للحكومة إلى لجنة الدّستور، والقانون والقضاء في البرلمان، فقد نُفِّذ في إسرائيل بين شهر كانون الثّاني وتشرين الأوّل من العام 2016 نحو 20 اعتقالًا إداريًّا، غالبيّتها بحقّ عرب من مواطني إسرائيل ومُقيمين دائمين من القُدس الشّرقيّة. في الفترة ذاتها، أُصدِرَ 75 أمر إبعاد وتقييد -وهو رقم قياسيّ مقارنة بالسّنوات الماضية- بحقّ إسرائيليّين من سكّان المُستوطنات، ومواطنين مُقيمين في إسرائيل وأيضًا بحقّ مُقيمين من القدس الشّرقيّة. إنّ أوامر الإبعاد والتّقييد الإداريّة تمسّ هي أيضًا بحقوق أساسيّة وبمبادئ ديمقراطيّة رئيسيّة، ولا تترك للفرد إمكانيّة مواجهة التّهمات الموجّهة ضدّه في إطار إجراءات عادلة، ولذا فهي مرفوضة.

بدل تقليص استخدام هذه الأدوات، نجد الآن على مائدة البرلمان اقتراح قانون قدّمته الحكومة، يهدف إلى توسيع صلاحيّات وزير الأمن، ليتسنّى له أن يأمر باعتقال المواطنين إداريًّا وأن يُصدر أوامر إبعاد مُبالغة ضدّهم. هكذا، يؤدّي الانتهاك المُمنهج والمُتواصل لحقوق الإنسان الفلسطينيّ في الأراضي المُحتلّة إلى وضع قواعد جديدة وخطيرة في إسرائيل، وإلى مسٍّ بالغ بحقوق اليهود والعرب.

اقتراح قانون آخر قُدِّم إلى البرلمان خلال العام الماضيّ، لتتمّ المصادقة عليه في جلسة البرلمان، يتعلّق بالمسّ بحقوق الأطفال المُعتقلين. ينصّ القانون الإسرائيليّ، كما المواثيق الدّوليّة، على الحاجة إلى تقليص الفترة التي يقضيها الأطفال وراء القضبان الحديديّة قدر الإمكان، ويُشير إلى الأهمّيّة البالغة لوجود برامج إعادة تأهيل للقاصرين. لكنّ البرلمان أقرّ خلال العام المُنصرِم قانونًا جديدًا يسمح بالحكم بعقوبة السّجن على قاصرين يبلغون من العمر 12 – 14 عامًا أدينوا بالقتل عمدًا أو دون قصد. إدّعى أعضاء الكنيست الذين روّجوا للقانون أنّ هدفه هو فرض عقوبات قاسية على أطفال القدس الشّرقيّة الذين كانوا متورّطين في تنفيذ عمليّات. بذلك، تدنو التّدابير القضائيّة المُطبّقة على القاصرين الإسرائيليّين في القانون من التّدابير المُجحفة والإشكاليّة التي تُستخدم منذ سنين ضدّ القاصرين الفلسطينيّين في الأراضي المُحتلّة.

هناك مثال آخر على تعميق المسّ بالحقوق الأساسيّة للجمهور الفلسطينيّ خلال العام الماضي، على ضوء العنف الآخذ بالتّزايد، وهو تقييد واسع ومتواصل للحركة في الضّفّة الغربيّة وفي القدس الشّرقيّة. هكذا، طوِّقَت مدنًا بأكملها خلال العام الماضي، مثل رام الله، ويطّا، وبني نعيم، وحوارة، وبورين، وأماكن عديدة أخرى. وقد وصل الأمر إلى الحدّ الذي أعلن فيه رئيس الحكومة عبر صفحة الفيسبوك الخاصّة به عن سياسة بموجبها، وردًّا على أيّ عمليّة، سوف يُعاقَب جميع سكّان البلدة التي خرج منها المُنفّذ: سيطوّق الجيش البلدة أو المدينة، وسوف يخسر أفراد عائلته تصاريح العمل في إسرائيل. إنّ فرض أوامر منع تنقّل شاملة كهذه كوسيلة للرّدع وللضّغط على المُجتمع المحلّيّ هي بمثابة عقابات جماعيّة محظورة، إذ يدفع الأشخاص الذين لا ذنب لهم ثمن أعمال قام بها شخص آخر أو أفراد آخرون، دون أن تكون للمجموعة سيطرة عليهم. إنّ المسّ في حرّيّة التّنقّل يؤدّي إلى تشويش البنية الحياتيّة بأكملها لدى المجتمع المدنيّ، ويؤدّي أيضًا، من جملة أمور أخرى، إلى المسّ في اكتساب القوت، والحقّ في التّعلّم، والحقّ في الصّحّة، وحقوق كثيرة أخرى يعتمد تحقيقها على حرّيّة التّحرّك.

 

 

العنصريّة والتّمييز: هل من أمل للنضال المنظوميّ؟

العنصريّة والتّمييز في إسرائيل ليسا ظاهرتَين جديدتين. في السّنوات الأخيرة، باتت هناك تبليغات أكثر عن حالات تمييز ضدّ العرب/العربيّات، القادمين/ات من إثيوبيا، اليهود الشّرقيّين/ات، اليهود المُتديّنين/ات، النّساء، المثليّين/ات وثنائيّي الميول الجنسيّة والمتحوّلين جنسيًّا، والأشخاص ذوي الإعاقات ومجموعات أخرى. نرى ذلك في الهتافات في ملاعب كرة القدم، وفي عدم السّماح لروّاد أماكن التّرفيه الذين ينتمون إلى لون بشرة أو إلى قوميّة “غير مرغوب بها” بالدّخول إلى بعض الأماكن، وأيضًا في الفصل بين اليهود والعرب في برك السّباحة، والنّوادي الترفيهيّة وغُرف الولادة في المستشفيات – يرتدي التّمييز في أحيان كثيرة أزياء ذكيّة ومُموِّهَة، ويصعب إثباته أو محاربته.

بالنّسبة للعام الجاري، اخترنا في هذا التّقرير ألّا نركّز على مسح الظّاهرة، بل على بضع السّوابق – حالات أخذت فيها السّلطات على عاتقها محاربة العنصريّة والتّمييز، وبذلت جهودًا لتصعيد هذا النّضال. على سبيل المثال، فرضت سلطة أراضي إسرائيل غرامة، لأوّل مرّة، على شركة بناء نشرت شريطًا تسويقيًّا يعرض الشّرقيّين بطريقة مؤذية وساخرة، يُفهم منها أنّهم ليسوا مرغوبين في المشروع؛ وداهمت الشّرطة بعض النّوادي وأماكن التّرفيه التي اشتُبه بها لكونها “تختار” روّادها بشكل مُمنهج، واعتقلت 25 مُشتبهًا بهم للتّحقيق معهم؛ كذلك، اتّخذت الشّرطة خطوات ضدّ مشجّعي كرة القدم العنيفين والعنصريّين، الذين ينتمون إلى تنظيم “لا فاميليا”؛ وحكمت المحكمة بالسّجن الفعليّ لأوّل مرّة على مشجّع كرة قدم هتف هتافات عنصريّة نحو لاعب عربيّ. تُطلق هذه الخطوات رسالة مهمّة جدًّا، مفادها أنّ العنصريّة والتّمييز ليسا شأنًا شخصيًّا لمن يتأذّى منهما، بل هما شأن الدّولة، وأنّ القضاء على العنصريّة هو قيمة اجتماعيّة محميّة على الدّولة أن تصونها.

خلال السّنة الجارية، نُشِرَت ثلاثة تقارير غير مسبوقة تتعلّق بكلّ ما يخصّ التّمييز في إسرائيل، تشتمل على توصيات مُهمّة، إلّا أنّ الحكومة، على ما يبدو، لا تُطبّق غالبيّة هذه التّوصيات. إنّ التّقرير المُشترك لوزارة المساواة الاجتماعيّة ووزارة الماليّة ومكتب رئيس الحكومة بخصوص دمج الأقلّيّة العربيّة اقتصاديًّا كان الأساس الذي استند إليه القرار 922 بخصوص الخطّة الخماسيّة التي وُضعت بهذا الشّأن، إلّا أن فوق تطبيق هذه الخطّة تحوم علامات استفهام كثيرة (راجعوا، في ما يلي، الفصل الذي يُعنى بحقوق الأقلّيّة العربيّة). وصحيح أنّ وزير التّربية والتّعليم تبنّى توصيات تقرير لجنة بيطون بخصوص تمكين الهويّة الشّرقيّة ودمج مضامين من تاريخ وثقافة يهود إسبانيا والشّرق في نظام التّربية والتّعليم، إلّا أنّ اقتراح القانون لتطبيق هذه التّوصيات رُفِض، فلم يتمّ دمجها في اقتراح التّمويل للعامَين 2017-2018. كذلك، فإنّ تقرير طاقم القضاء على العنصريّة ضدّ القادمين من إثيوبيا (“لجنة بالمور”) هو تقرير غير مسبوق من ناحية اعترافه بالعنصريّة تجاه القادمين من إثيوبيا وإلقاء مسؤوليّة هذه العنصريّة على الدّولة، وأيضًا من ناحية التّوصيات المُهمّة فيه؛ إنّه لأمر مُشجّع أنّ الحكومة تبنّت غالبيّة هذه التّوصيات، وعلينا أن نأمل أن يتمّ إدراجها في خطّة التّمويل وتطبيقها. هناك مُشكلة عينيّة تتعلّق بالتّوصيات بخصوص تعامل الشّرطة مع القادمين من إثيوبيا – وهو أحد المواضيع الأهمّ التي أدّت إلى اندلاع احتجاج هذا الجمهور وإلى تعيين لجنة بالمور – نظرًا لاعتراض الشّرطة على أيّ توصية تتعدّى ولو بقدر قليل ما تفعله الشّرطة أصلًا.

هناك نقطة إضافيّة يجب ذكرها تتعلّق بالنّضال ضدّ التّمييز والعنصريّة، وهي أنّه لا يُمكن القضاء على العنصريّة ضدّ مجموعة واحدة دون الأخريات. يجب على المُعالجة أن تكون كاملة ومتكاملة – يجب محاربة العنصريّة كتصوّر ووجهة نظر، وكظاهرة تعاني منها مجموعات مُتعدّدة في المُجتمع. إنّ أيّ نضال ضدّ العنصريّة يضع في بؤرته مجموعة سكانيّة واحدة دون الأخريات قد يبوء بالفشل، لأنّه لا يُحارب طريقة التّفكير العنصريّة، التي تُقسّم النّاس طبقيّا وتعتبر المجموعات “الأخرى” متدنيّة مقارنة بـ “مجموعتي أنا”. بل ومن المُمكن أن تؤدّي مثل هذه الطّريقة إلى النّتيجة المُعاكسة، وإلى ترسيخ التّعامل مع المجموعة التي تُركّز عليها الخطّة على أنّها “مُغايرة ومُتدنّية”. فكما أقرّ هذه السّنة مراقب الدّولة: إنّ النّضال ضدّ العنصريّة يتطلّب خطّة تربويّة شاملة، لا الاكتفاء بردود عينيّة على تعابير مُتطرّفة للعنصريّة؛ إنّه يتطلّب تغييرًا عميقًا لتّصوّر العالم، ونقطة انطلاق تعتبر كلّ امرأة وكلّ رجل، أيّ كانوا، متساوين في الحقوق.

حقوق الأقليّة العربيّة

الخطّة الخمسيّة للأقليّة العربيّة – الأمل إلى جانب الخوف من وضعها على الرفّ

اتخذت الحكومة في أواخر كانون الأول 2015 القرار 922، الذي ينصّ على خطّة خمسيّة لدمج الأقليّة العربيّة في إسرائيل اقتصاديًّا. يمكن لهذا القرار أن يكون أحد التطوّرات الجديّة في مجال تعزيز حقوق المجتمع العربي في إسرائيل. من جهة أولى، يجري الحديث عن خطّة مفصّلة ومتعددة المجالات، تشمل تخصيص ميزانيّات جديّة في مجالات السّكن، التعليم، الرفاه، الصناعة والتخطيط، الصحة وغيرها. في أعقاب عقود من التمييز ضدّ الأقلية العربية في تخصيص الميزانيّات في مجمل مجالات الحياة، يعتبر قرار الحكومة هذا مهمًّا وغير مسبوق. كذلك فإن التقرير الذي ارتكز عليه هذا القرار يُعتبر مهمًّا وغير مسبوق أيضًا، لأنّ الدولة تعترف فيه على الملأ بالتمييز في الميزانيات ضد الأقلية العربية في شتّى المجالات.

من جهة ثانية، تحلّق فوق الخطّة علامات استفهام كثيرة. فمن غير الواضح إلى أيّ مدى ستلتزم الحكومة بتطبيقها وما الذي ستُرصد له الميزانيّات منها وسيتحقق فعليًّا في نهاية المطاف. المبالغ المقترحة غير كافية لوضع حدّ للتمييز، لا بل من غير الواضح ما إذا كان يجري الحديث عن رصد حقيقيّ لميزانيّات إضافيّة أو عن ميزانيّات مخصّصة للأقليّة العربيّة في أيّ حال. جزءٌ من المشاكل الأشدّ حدّة، مثل النقص في الصفوف التعليمية وساعات التعليم، لا تقدّم له هذه الخطّة حلولاً. بالإضافة إلى ذلك، وبموازاة الخطّة، تدفع الحكومة مبادرات مختلفة من شأنها أن تمسّ بأهداف الخطّة، لا بل أن تعرقل عمليّة تطبيقها. على سبيل المثال، المبادرة إلى تعزيز تطبيق قوانين التخطيط والبناء في البلدات العربيّة التي طُرحت أعلاه، وربط تحقيقها، صراحةً أو ضمنًا، بتحويل ميزانيّات في إطار القرار 922. إنّ هذا الاشتراط يمسّ بحقّ المواطنين العرب في المساواة ويتجاهل قصورات الدولة في مجال التخطيط على امتداد سنوات طويلة، والتي ساهمت في نشوء البناء بدون ترخيص.

إنّ الجمهور العربيّ سئم من الوعود غير المتحقّقة، وشبع من اللجان والتقارير. إذا كانت الحكومة تنوي جديًّا فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع السكان العرب، فيجب عليها إقران الأقوال بأفعال وإدراج بنود الميزانية ذات الصلة بالخطة الخمسية ضمن قانون ميزانية الدّولة، بلا أيّ شروط. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الخطوات التي يمكن للدولة أن تتخذها من أجل تحقيق المساواة الحقيقية والكاملة للأقلية العربية، بما في ذلك رصد ميزانيات لجهاز التعليم، حلّ أزمة السكن في البلدات العربيّة ووقف سياسة التخطيط التمييزية والضارة الممارسَة ضدّ العرب-البدو في النقب.

خطر جديد على الحقّ في المسكن

اتّخذت الحكومة في العام 2016 القرار 1559، والذي يهدف إلى إحكام تطبيق القانون والعقوبات على مخالفات البناء. يرتكز هذا القرار على تقرير طاقم مواجهة ظاهرة البناء غير القانونيّ (“تقرير كيمينتس”)، الذي تمّ تقديمه في بداية السّنة. في أعقاب القرار نُشرت مذكّرة قانون، اقترح فيها ضمن أمور أخرى: تعزيز إعمال الرأي وتوسيع صلاحيات الجهات الإدارية، وفي مقدمتها هيئات التخطيط والتنظيم القطريّة، في كل ما يتعلق بهدم المنازل التي بنيت بدون ترخيص؛ الحدّ من اعتبارات المحكمة ومن دوره في إجراءات تطبيق القانون في مخالفات البناء؛ زيادة مبالغ الغرامات وفترات السّجن في مخالفات البناء؛ وتوسيع دائرة العقاب لتشمل أيضًا جميع المهنيّين المساهمين في عملية التخطيط أو البناء بدون ترخيص.

صحيحٌ أنّ للتعديلات المقترحة ثمّة انعكاسات على تطبيق قوانين التخطيط في جميع المناطق والبلدات في الدولة، لكن لا يمكن تجاهل انعكاساتها البعيدة الأمد على المواطنين العرب. ويتبيّن من صيغة قرار الحكومة بوضوح أنّها موجّهة، في الأساس، إلى البناء بدون ترخيص في البلدات العربيّة. إنّ النيّة في اتّخاذ تدابير صارمة ومؤلمة لتطبيق القانون البلدات العربيّة تتجاهل الوضع التخطيطيّ في هذه البلدات ومسؤولية جهاز التخطيط نفسه عن هذا الواقع القائم.

إنّ ظاهرة بناء بدون ترخيص في المجتمع العربي هي نتيجة مباشرة لإهمال وتمييز مؤسّسيين طويلي الأمد ضدّ السكان العرب في مجالات الأرض، التخطيط والإسكان. وتكمن جذورها في تجاهل تلبية احتياجات السكان العرب في هذه المجالات على مستوى منظوميّ متواصل، وفي التفضيل الواضح لليهود على حساب العرب في استخدام الحيّز وفي تخصيص الأراضي العامة للبناء. هذه السياسة المستمرة خلقت أزمة تخطيطيّة جسيمة في البلدات العربيّة في إسرائيل، وهي تتّسم بغياب التخطيط أو بالتخطيط السيّء، بمناطق نفوذ وأماكن تخطيط محدودة، بكثافة سكنيّة عالية وبانعدام الحلول السكنيّة، البنى التحتيّة، المباني العامة والصناعة.

القصورات التخطيطيّة الواسعة النطاق والمتواصلة تحدّ بشدّة من قدرة المواطنين العرب على البناء بشكل قانوني، وتوقعهم في الفخّ. وتكون نتيجة ذلك هي أن يلجأ الكثير من المواطنين – الذين كانوا يفضّلون البناء بشكل قانونيّ وليس لديهم أيّ نيّة في التورّط بأيّ مخالفات بناء – إلى بناء بيوتهم بدون ترخيص، ليجدوا أنفسهم أخيرًا عرضةً لإجراءات قانونيّة إدارية وجنائيّة موجّهة ضدّهم من قبل السلطات، الأمر الذي يُكلّفهم ثمنًا باهظًا.

إنّ الشرط المسبق لممارسة السلطات صلاحيات تطبيق القانون والعقاب، بما في ذلك إصدار أوامر هدم إدارية وتنفيذها، هو أن تنفّذ مؤسسات التخطيط واجبها القانونيّ بوضع إطار تخطيطيّ لائق، يتيح البناء القانونيّ وفقًا للاحتياجات السكنية الخاصة بالسكّان. يجب على سلطات التخطيط دراسة أسباب ظاهرة البناء بدون ترخيص في المجتمع العربي، والتمكين من منح شرعيّة قانونيّة للبناء الذي أنجز لانعدام أي خيارٍ آخر، وتوفير إمكانيّات بناء وحلول سكنيّة لائقة وقانونيّة في البلدات العربيّة.

 

العرب البدو في النقب: في ظلّ خطر الإخلاء

العرب البدو في النقب يعيشون هم أيضًا تحت خطر متواصل للمسّ بحقّهم في المسكن وفي العيش بكرامة في قراهم. استمرّت سلطات الدولة في السنة المنصرمة بدفع مجموعة من المبادرات الساعية إلى إخلاء آلاف السكّان البدو من بيوتهم. وهكذا استمرّ السعي إلى تحقيق خطّة إقامة 5 بلدات يهوديّة جديدة، التي صادقت عليها الحكومة في تشرين الثاني 2015؛ هذه الخطّة ستضرّ بشكل مباشر بقريتين اثنتين: القرية غير المعترف بها قطامات التي يبلغ عدد سكّانها 1,500 نسمة، وقرية بير هداج التي يبلغ عدد سكانها 6,000 نسمة، وقد حظيت بخطّة هيكليّة محليّة مصدّق عليها. ثمّة أيضًا مبادرات مجحفة إضافيّة موجودة في مراحل مختلفة من الإعداد: خطّة العام 2014 لإنشاء خمس بلدات جديدة مخصصة للسكان اليهود على امتداد الشارع 25؛ خطّة العام 2011 لإقامة 7 بلدات ريفيّة جديدة في مفوؤوت عراد؛ إجراءات هدم القرية العربيّة البدوية عتير / أم الحيران وإقامة بلدة يهوديّة مكانها؛ وإقامة منجم فوسفات في أراضي ثلاث قرى – الغزّة، الزعرورة والفرعة – التي يقطنها نحو 10,000 نسمة من العرب البدو منذ ما قبل قيام دولة إسرائيل.

تستمرّ دولة إسرائيل في تجاهل وجود نحو 35 قرية عربية بدوية، يقطنها عشرات الآلاف من بني البشر، وترفض الاعتراف بها وتنظيمها من ناحية تخطيطيّة وبلديّة. الأكثرية الحاسمة من هذه القرى كانت قائمة قبل قيام دولة إسرائيل، وبعضها أقيم في سنوات الخمسين، عندما قامت الدولة بنقل سكّان بدو من مناطق كانت بملكيّتها أو بحيازتها، إلى منطقة أقلّ مساحةً تقع في شمال شرق النقب، تُدعى منطقة السياج. هذا ما حدث مثلاً مع قرية وادي النعم، التي انتقل سكّانها إلى تلك المنطقة في سنوات الخمسين بأمر من الحكم العسكريّ. منذ ذلك الحين وحتى اليوم، أي بعد أكثر من 60 سنة، لا تزال هذه القرية تُعتبر “مؤقّتة”، ويعاني سكّانها من نقص شديد في الخدمات والبنى التحتيّة. هذه السنة فقط، وفي أعقاب التماس إلى المحكمة العليا قدّمه سكّان القرية بواسطة جمعية حقوق المواطن ومنظمة “بمكوم”، صادق مجلس الإسكان على اقتراح قرار لإقامة بلدة جديدة لسكّان القرية. لكنّ هذا القرار الذي يتضمّن نقل سكان القرية إلى منطقة مجاورة تقع بجوار “سيغف شلوم”، قوبل بعدم تعاون السكان معه، لأنّه يتنافى مع احتياجاتهم ونمط حياتهم، وغير مقبول عليهم.

إنّ عدم اعتراف الدّولة بالقرى البدوية يجعل الحياة في هذه البلدات لا تُحتمل، سواء من ناحية انعدام الخدمات الحيويّة بما في ذلك الارتباط بشبكتي الماء والكهرباء، الخدمات الصّحيّة، التعليم والرفاه، أو من ناحية سياسة تطبيق قوانين التخطيط والبناء والخوف من هدم البيوت، وهو الخطر الذي يحلّق فوق رؤوس السكّان. كذلك فإنّ القرى التي قد تمّ الاعتراف بها لا تزال تعاني هي أيضًا من نقص في الخدمات وفي البنى التحتيّة، وإمكانيّات تطورّها محدودة. هذا الواقع ينتهك الحقوق الأساسية للسكّان البدو، بما في ذلك الحقّ في العيش بكرامة، الحقّ في الامتلاك، الحقّ في السّكن، الحقّ في التعليم والحقّ في الصّحّة، والحقّ في الحفاظ على الطّابع الثقافيّ.

على النقيض من الخطاب السائد لدى الجمهور في إسرائيل، البدو ليسوا مُستولين على الأراضي، ولهم حقوق ملكية على الأراضي التي زرعوها وهي بحوزتهم. مع قيام الدولة، تجاهلت السلطات وجود البلدات البدوية في إطار قوانين التخطيط والمخططات الهيكلية الرئيسية التي قامت بإعدادها. إذا كانت إسرائيل تريد وضع حد للصراع المستمر بينها وبين البدو في النقب وحل أزمة سكان القرى غير المعترف بها على أساس المساواة المدنية، فعليها أن تبنّي حلّ منظومي شامل، يرتكز على احترام حقوق الإنسان للسكان البدو. في إطار هذا الحل يجب الاعتراف بجميع القرى الـ 35 غير المعترف بها في مكانها الحالي بناء على معايير تخطيطية موضوعية مقبولة، وكذلك بنظام الملكية التقليديّ القائم لدى السكان البدو. بالإضافة إلى ذلك، يجب على سلطات الدولة أن تسلك بشفافيّة وتشارك السكان البدو في الحلول المقترحة عليه، وتجنب الحلول الأحادية الجانب والجارحة والنقل القسريّ للسكان من أماكنهم.

الحقّ في الصّحّة

إضافة مُهمّة لرزمة الخدمات الصّحّيّة

خلال العام الجاري، احتدم النّقاش بخصوص مسألة شمل الأدوية التي تُطيل عمر الإنسان في التّأمين المُكمّل الذي تبيعه صناديق المرضى في رزمة الخدمات الصّحّيّة. كانت نتيجة النّقاش مُرضية: لقد قرّرت الحكومة أن تُبقي على هذه الأدوية في رزمة الخدمات العامّة، ورفعت ميزانيّتها.

في القانون، شُمِل الحظر على إدراج الأدوية التي تُطيل عمر الإنسان ضمن رزمة الخدمات الصّحّيّة الإضافيّة منذ العام 2008. حينها، سوّغت الحكومة ذاتها الحظر بأنّ إعطاء الأدوية التي تُطيل عُمر الإنسان فقط لأولئك الذين يقتنون تأمينًا مُكمّلًا من شأنه أن يقوّض المُحفّزات التي يستند إليها قانون التّأمين الصحّيّ؛ فهذه الخطوة، بحسب اعتبارها آنذاك، تولّد رزمتَي صحّة اثنتَين – واحدة عامّة ومحدودة، لكافّة الجماهير، وأخرى لميسوري الحال؛ هذا كفيل بأن يمسّ بمبدأي المساواة والتّضامن اللّذين يستند إليهما القانون، وسيؤدّي إلى زيادة، لا سيطرة عليها، في الإنفاق الوطني على الصّحّة.

في السّنوات الأخيرة، أدّى التآكل التّمويلي لرزمة الخدمات الصّحّيّة (راجعوا الجدول رقم 7 في هذا الرّابط) إلى عدم تحديث الرّزمة بالوتيرة المرجوّة، وإلى عدم إدراج أدوية مصيريّة فيها (تجدر الإشارة إلى أنّ غالبيّة الأدوية الحديثة لعلاج السّرطان، والتي تعترف الدّوائر العلميّة اليوم بأنّها مصيريّة، قد أُدخِلَت إلى رزمة الخدمات الصّحّيّة). ردًّا على ذلك، تكثّفت الضّغوطات على وزارة الصّحّة كي تسمح ببيع هذه الأدوية ضمن التّأمينات المُكمّلة، خاصّة نظرًا لأسعارها الخياليّة. في شهر آذار من العام 2016، نشرت وزارة الصّحّة مسوّدة قانون من شأنها أن تتيح اختراق هذا الإطار ونقل هذه الأدوية إلى التّأمينات المُكمّلة التي تعرضها صناديق المرضى.

بعض المنظّمات الاجتماعيّة، ومن بينها أطبّاء من أجل حقوق الإنسان، وجمعيّة حقوق المواطن ومركز “أدفاه”، اعترضت على تعديل القانون، معلّلة إنّه سيُعمّق عدم المساواة والفجوات في نظام الصّحّة، إذ يُبقي نحو %26 من السّكّان – أي نحو مليونَي مواطن – دون أيّ إمكانيّة لتلقّي علاجات بواسطة أدوية جديدة ومُطيلة لعمر الإنسان حاليًّا أو مستقبليًّا، بسبب عدم قدرتهم على اقتناء تأمينات مُكمّلة. كذلك، ادّعت هذه المُنظّمات أنّ إدراج الأدوية التي تُطيل عمر الإنسان ضمن رزمة الخدمات الصّحّيّة الإضافيّة سوف تؤدّي إلى ارتفاع ملحوظ (يتراوح بين %10 و %40) في أقساط التّأمين الشّهريّة لكافّة الجماهير المُؤمَّنة، وهو ما سيضرّ بشكل خاصّ بالمُسنّات والمُسنّين، الذين يتحمّلون أصلًا عبء أكبر الأقساط. إضافة إلى ذلك، فسّرت المُنظّمات المذكورة أنّه، وبسبب أسعار هذه الأدوية الباهظة، فإنّها ستكون منوطة باشتراك ذاتيّ بنسبة عالية، أي أنّ قسمًا من أولئك الذين يقتنون تأمينات مُكمّلة قد لا يتمكنّوا من شراء هذه الأدوية في نهاية المطاف.

واقترحت المنظّمات بديلًا على هيئة تحديث سنويّ لميزانيّة الأدوية والتّكنولوجيا الجديدة، بقيمة %2 من مُجمل قيمة الرّزمة. إنّها الطّريقة الوحيدة التي تُتيح لجهاز الصّحّة أن يعمل بشكل واعٍ وبموجب خطّة طويلة الأمد، لمنع تكرارّ تلك المشاهد المُفجعة لمرضى بقيت أدويتهم المصيريّة خارج رزمة الأدوية. لم يُقبَل هذا الاقتراح، ولكن تمّ قبول الموقف الذي يقضي بعدم إلغاء المنع على إدخال الأدوية التي تُطيل عمر الإنسان إلى رزمة الخدمات الصّحّيّة الإضافيّة وبتفضيل توسيع الرّزمة، كي يتسنّى لكافّة الجمهور أن يحصل على علاج طبّيّ عامّ أفضل. وافقت وزارتا الصّحّة والماليّة على إضافة 500 مليون شيكل سنويًّا إلى رزمة الخدمات الصّحّيّة لمدّة ثلاث سنوات (وهي قيمة أعلى بـ 200 مليون شيكل مقارنة بالسّنوات السّابقة) وعلى إضافات أخرى – مرحّب بها.

 

احتجاج سكّان المناطق البعيدة عن المركز: عدم مساواة في الميزانيّات والخدمات

نضالات سكّان المناطق البعيدة عن المركز والضواحي لتحقيق المساواة في الميزانيات والخدمات احتلّت هذه السّنة حيّزًا كبيرًا على جدول الأعمال. خطّة الحكومة الإستراتيجيّة، التي كان من المفروض بها أن تشمل استثمارات بمبلغ قدره حوالي 20 مليار ش.ج. في الشّمال، لم تُدرجْ حتى الآن ضمن ميزانيّة عامي 2018-2017، وقد ألغيتْ عمليًّا. خاض سكّان الشّمال، وفي مقدّمتهم حركة تغيير اتجاه – لنضع الشمال في المركز، نضالاً يستحقّ التقدير في هذا الموضوع، لكن لا يبدو حتى الآن أن الحكومة ستُدرج طلباتهم ضمن ميزانيّة السنتين القريبتين. وفي الجنوب أقيمت حركة اجتماعيّة جديدة – حركة مناطق الأطراف، التي وضعت نصب أعينها هدف إنهاء عدم المساواة المتواصل. وقد قادت هذه الحركة، سويّة مع فيكي كانفو، مسيرة احتجاجيّة من قيسارية إلى القدس مطالبةً بزيادة مخصّصات محدودي القدرات والمسنين إلى مستوى أجر الحدّ الأدنى. في نهاية هذه المسيرة نُصبتْ في بستان الورود في القدس خيمة احتجاج، لمواصلة النضال منها.

لعلّ مجال الصّحّة يعكس بأوضح شكل حالة عدم المساواة بين المركز والأطراف. فمثلاً، أظهر تقرير مركز “طاوب لبحث السياسة الاجتماعيّة في إسرائيل” الذي صدر هذه السنة، أنّ وقت الانتظار للعمليّات الجراحيّة أطول بشكلٍ جدّي في لواء الجنوب والشمال مقارنة بالألوية الأخرى. وأشار كاتبو التقرير أنّ وقت الانتظار الطويل نابع من التخصيص غير المتكافئ في موارد مثل توافر الأسرّة وعدد الأطباء المختصّين وأفراد الطاقم الطبي الآخرين. كذلك، أشار تقرير اللجنة لفحص توسيع الخدمات الطبيّة في الشمال (لجنة غروطو)، الذي صدر مؤخّرًا، إلى وجود فجوات جديّة في الخدمات الصحيّة بين الشّمال والمركز. ومن ضمن ذلك، أشار هذا التقرير إلى النقص القائم في القوى البشريّة المهنيّة، في أسرّة التأهيل، في إمكانيات الرقود في مستشفى للأمراض النفسيّة وفي عيادات الأمّ والطفل. حسب تقديرات اللجنة، ثمّة حاجة إلى مبلغ نصف مليار ش.ج. فقط من أجل سدّ الفجوات.

فعلى سبيل المثال في مجال إعادة التأهيل الطبيّ: في الجنوب والشّمال – عدد الأسرّة لإعادة تأهيل المرضى لكلّ 1,000 نسمة هو حوالي خُمس عدد الأسرّة في منطقة تل أبيب، وحوالي نصف عدد الأسرّة مقارنةً بالمعدّل القطريّ. في الجنوب والشّمال لا توجد أسرّة أبدًا لإعادة تأهيل الأطفال، وتوافر وجودة مراكز إعادة التأهيل النهاريّة في المجتمع هما أدنى بشكل جديّ من توافر وجودة مراكز كهذه في مركز البلاد. هذه السّنة تضافرت معًا منظّمات اجتماعيّة كثيرة، ومن ضمنها منتدى الصحّة في الجنوب والمنتدى المدني لتعزيز الصحّة في الجليل، بالإضافة إلى سلطات محليّة وخبراء، من أجل المطالبة بمساواة في خدمات إعادة التأهيل الطبيّ. هذا، وفي أيلول الأخير قدّمت جمعية حقوق المواطن التماسًا إلى المحكمة العليا، مطالبةً بإلزام وزارة الصحّة بوضع معايير موحّدة ومتكافئة تضمن تقديم خدمات إعادة تأهيل في وقت، مسافة وجودة معقولة في كلّ أنحاء البلاد.

 

تقليص الخدمات الطّبّيّة الخاصّة

قبل نحو أربع سنوات، قامت جمعيّة حقوق المواطن، وأطبّاء من أجل حقوق الإنسان ومركز “أدفاه” بتقديم التماس ضدّ النّيّة بالسّماح لمستشفى “أسوتا” عرض خدمات طبّيّة خاصّة في المُستشفى الجديد الواقع في إسدود. تمّ رفض الالتماس لأسباب فنّيّة، لكنّ خلال العام الجاري اتّضح أنّ النّضال المُستمرّ للجمعيّات، والنّاشطين والنّاشطات، والخبراء والخبيرات ورجال ونساء الإعلام طوال كلّ السّنوات أثمر أخيرًا، إذ وقّعت وزارتا الصّحّة والماليّة على اتّفاق مع مستشفى “أسوتا”، بموجبه لن تُعرَض في المُستشفى خدمات طبّيّة خاصّة على أن تُقدّم للشّركة تعويضات. وقبل شَهرَين من هذا الإعلان، أعلن المُستشفيان هداسا وشعاري تسيدك أنّهما سوف يلغيان الخدمات الطّبّيّة الخاصّة في ساعات الصّباح.

أدّت النّشاطات المُستمرّة خلال السّنوات الأخيرة إلى كرة ثلجيّة ضدّ الخدمات الطّبّيّة الخاصّة، أخذت تزداد قوّة مع لجنة غرمان واستنتاجاتها، وأدخلت إلى الحوار العامّ تلك الادّعاءات الأخلاقيّة، والاقتصاديّة والقضائيّة ضدّ عرض خدمات طبّيّة خاصّة تستند إلى البنى التّحتيّة للطبّ العامّ، ممّا يُولّد أفضليّات لميسوري الحال على حساب إعطاء العلاج لأولئك الذين أحوالهم متواضعة. إنّ تقليص الخدمات الطّبّيّة الخاصّة هو خطوة ذات أهمّيّة بالغة لتصحيح أخطاء التّمييز بين المرضى استنادًا إلى قدرتهم على الدّفع، وهي أخطاء تمسّ بالحقّ في الحصول على الخدمات الصّحّيّة بشكل متساوٍ وبالحقّ في الكرامة. فلقد أدّت خصخصة الخدمات الطّبّيّة في إسرائيل إلى تعميق الفجوات الاجتماعيّة وإلى تدهور نظام الصّحّة العامّ. كلّنا أمل في أن تكون تلك الخطوة الأولى، وأن تليها خطوات لازمة أخرى للفصل الواضح بين جهاز الصّحّة العامّ وذلك الخاصّ، وتعزيز الجهاز العامّ وزيادة الثّقة به.

 

 

الحقّ في المسكن

التّجدّد المدنيّ – إنجازات لحقوق المُستأجرين

أثناء العام 2016، تداولت لجنة خاصّة في الكنيست قانون سلطة التّجدّد المدنيّ. في شهر آب، انتهت عمليّة القوننة وتمّت الموافقة على القانون في الجلسة. ينظم القانون جوانب مختلفة للتّجدّد المدنيّ، وخاصّة آليّة “الإخلاء مُقابل الإعمار”.

إلى جانب أفضليّات عمليّات التّجدّد المدنيّ، فإنّها تنطوي على إمكانيّات كثيرة لإلحاق الأذى بحقوق سكّان الأحياء القُدامى، وتُشكّل خطرًا ملموسًا قد يدفع بالسكّان والسّاكنات متواضعي الأحوال إلى الهوامش. بفضل نشاطات مُختلف الجمعيّات، ومن ضمنها جمعيّة حقوق المواطن، سُنَّت في القانون إرشادات بموجبها على سلطة التّجدّد المدنيّ أن تعمل أيضًا بناءً على معايير اجتماعيّة عند تصميم سيرورة التّجدّد.

هُناك إنجاز مُهمّ بخصوص حماية سكّان مباني الإسكان العامّ الواقعة في مناطق التّجدّد المدنيّ. في شهر كانون الأوّل من العام 2015، كشفت جمعيّة حقوق المواطن وجمعيّة “بمكوم” عن مُستند داخليّ لوزارة الإسكان فيه إرشاد لشركات الإسكان، يقضي بأنّ على سكّان مباني الإسكان العامّ الذين سيبقون في مشاريع “الإخلاء مقابل الإعمار” بعد إسكان المباني من جديد، أن يدفعوا قسط إيجار إضافيّ مُقابل كلّ متر مُربّع يُضاف إلى شققهم، إضافة إلى رسوم صيانة كسائر السّكّان – هذا الأمر كان سيؤدّي بالتّأكيد إلى دفعهم إلى خارج المشروع. في إطار التّداولات حول القانون، طالبت الجمعيّات بتناول هذا الموضوع في اللّجنة، وطالبت بأن يشمل القانون حماية لسكّان هذه المباني. لم تتطرّق الصّياغة الأصليّة للقانون إلى الموضوع البتّة، لكن في نهاية المطاف حُدِّد في القانون الذي سُنَّ أنّه، على وجه العموم، يحقّ لسكّان مباني الإسكان العامّ الواقعة في مناطق التّجدّد المدنيّ أن يستأجروا شققًا في المبنى من جديد بعد انتهاء أعمال التّرميم، دون أن ترتفع رسوم الإيجار أو الصّيانة (يستطيع الوزير أن يُحدّد بعض الاستثناءات في الأنظمة، وذلك منوط بمصادقة لجنة الاقتصاد). بالإضافة إلى ذلك، ينصّ القانون على أنّه لن يمسّ بحقّ السّاكن في الإسكان العامّ في اقتناء الشّقّة.

هُناك إرشادات مُهمّة إضافيّة في القانون الجديد، تنصّ، من جملة ما تنصّ عليه، على: أنّ سلطة التّجدّد المدنيّ سوف تعمل على تعزيز حلول الصّيانة للأمد الطّويل في الأملاك المشتركة في مناطق التّجدّد المدنيّ؛ وأنّه يجب تعيين مسؤول عن شكاوى السّكّان، ليتناول شكاوى بخصوص سلوك المُبادرين؛ وأنّ على السّلطة أن تصوغ وأن تنشر موادّ إعلاميّة وإرشاديّة بلغة يسهل فهمها، وباللّغات العربيّة والرّوسيّة والأمهاريّة أيضًا؛ وأنّ السّلطة تستطيع أن تُعيّن وأن تُشغّل مُستشارين اجتماعيّين لمرافقة السّكّان خلال مجرى مشاريع التّجدّد المدنيّ؛ وأنّه يجب الإعلان عن مناطق الإخلاء مُقابل الإعمار فقط بعد الحصول على توصية من لجنة استشاريّة، يكون عضوًا دائمًا فيها مندوب عن المُنظّمات الاجتماعيّة.

 

 

أسعار الشّقق السكنيّة في الذروة

بعد خمس سنوات على احتجاج الخيام، لا تزال أسعار السّكن في صلب الخطاب العامّ، ولا يزال امتلاك شقّة سكنية بمثابة حلم بعيد المنال بالنسبة لكثيرين. بادرت الحكومة في السنوات الأخيرة إلى خطط عديدة وكثيرة كان من المفترض بها أن تعيد أسعار السكن في إسرائيل إلى مستوى معقول وتجعل من مسألة امتلاك شقّة أمرًا تستطيع كلّ أسرة أن تجيزه لنفسها: ضمن خطوات أخرى، أقيمت “لجان إسكان قوميّة” و”لجان لتخطيط مواقع مفضّلة للسكن”، وأطلقت خطط مثل “السعر الهدف” و”السعر للمستأجر”. لكنّ أسعار السكن استمرّت في الارتفاع، وبلغتْ في السنة الماضية ذروات جديدة. حتى مشروع القانون للإيجار العادل، الذي كان من يمكنه أن يساعد غير القادرين على شراء شقة، أنْ يستأجروا شقة بسعر معقول لأمد بعيد، يتمّ طرحه هو أيضًا بصيغة مبتورة ومخصيّة لا توفّر حماية كافية للمستأجرات وللمستأجرين.

إنّ حلّ الأزمة السكنيّة لا يكمن فقط في تسريع إجراءات التخطيط وفي زيادة العرض، وبالتأكيد ليس في زيادة عرض شقق كبيرة وغالية. هناك وسائل كثيرة تستطيع الدولة اعتمادها للنجاح في القيام بواجبها المتمثّل بضمان سكن في متناول الجميع: إدراج اعتبارات اجتماعيّة في إجراءات التخطيط، السعي إلى مزيج اجتماعيّ وإلى تشكيلة متنوعة من الشقق في شتّى المساحات والأسعار في كلّ حيّ، وتخصيص نسبة معيّنة من الشقق المبنيّة في كلّ مشروع لـ”السكن في متناول اليد” المدعوم من الحكومة، وتشجيع بناء سكن للإيجار البعيد الأمد وغير ذلك.

 

 

الحقوق لذوي الإعاقات

الاعتراف بتقديم الدّعم ساعة اتّخاذ القرارات كبديل للوصاية

إنّ حقّ أيّ رجل وأيّ امرأة في اتّخاذ قرارات تخصّ حياتهما، وجسديهما وأملاكهما هو من أكثر الحقوق أساسيّة. في إسرائيل، تتمّ إدارة شؤون نحو 50,000 رجل وامرأة – مُسنّين، وأشخاص ذوي إعاقات نفسيّة او ذهنيّة – من قبل أوصياء يحصلون على سيطرة تامّة على حياتهم. خلال العام الجاري، طرأت تطوّرات مُهمّة بخصوص الحقّ في الكرامة والاستقلاليّة لهؤلاء الأشخاص: في نهاية شهر آذار للعام 2016، صوّت البرلمان لصالح إدخال تعديل على قانون الأهليّة القانونيّة والوصاية. هذا التّعديل عبارة عن إصلاح في كلّ ما تحمله الكلمة من معنى، وهو يشتمل على عدد من التّغييرات الجذريّة:

  • الاعتراف بالدّعم ساعة اتّخاذ القرارات – هذا نموذج يُمكن استخدامه كبديل للوصاية، وبحسبه لا يجوز سلب الأهليّة القانونيّة للإنسان حتّى إذا ضعُفت قدراته الإدراكيّة، ويجب مساعدته على الاستمرار والتّحكّم بحياته قدر الإمكان. يعمل الدّاعم أو الدّاعمة في عمليّة اتّخاذ القرارات بحسب رغبة الشّخص ودورهما هو أن يُساعدا، وأن يُرافقا، وأن يُمثِّلا وأن يجعلا المعلومات مُتاحة للشّخص، لا أن يمليا عليه قرارات تخصّه هو.
  • الاعتراف بالتّوكيل المُستمرّ وبالإرشادات المُسبقة، وهو ما يُتيح لكلّ إنسان أن يُحدّد هويّة الشّخص الذي سيتّخذ قرارات تخصّه وأن يُحدّد مضامين هذه القرارات حتّى بعد أن يفقد أهليّته.
  • إلغاء المُصطلح “مكفول” (חסוי) واستبداله بالمُصطلح “الشّخص الذي عُيّن وصيّ له”.
  • تقليص الحالات التي يتمّ فيها تعيين أوصياء إلى تلك الحالات التي يكون فيها ذلك ضروريًّا لتفادي إلحاق الأذى بالشّخص وفقط حين لا تكون هناك إمكانيّات أخرى أقلّ تقييدًا.
  • إلغاء إمكانيّة تعيين وصيّ عامّ دون تفصيل صلاحيّاته.
  • تعريف رغبة الإنسان على أنّها المبدأ المُرشد عند اتّخاذ الوصيّ قراراته، وتقييد قدرة الوصيّ على فرض قرارات بخصوص أمور جوهريّة.
  • تعريف حقوق الأشخاص تحت الوصاية، مثل الحقّ في الحصول على معلومات من الوصيّ، والحقّ في الاستقلاليّة والحقّ في الخصوصيّة.

(للمزيد من التّفاصيل حول التّغييرات المشمولة في تعديل القانون، راجعوا صفحة الشّروحات على موقع جمعيّة “بزخوت – المركز لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقات”).

إنّ التّعديل الجديد عبارة عن قفزة نوعيّة في النّضال من أجل تحصيل حقّ كلّ امرأة ورجل في الكرامة وفي الأهليّة القانونيّة الكاملة. وقد كان أشخاص من ذوي الإعاقات شركاء أساسيّين في صياغة التّعديل وفي الجلسات بخصوص التّعديل في اللّجنة الدّستوريّة في البرلمان.

ومع كلّ ذلك، لم يُكمِل القانون بعد تتمّة الطّريق في هذا الخصوص. لا يشمل القانون إلزامًا صريحًا بسماع الشّخص في المحكمة إذا كانت الإجراءات تخصّه هو؛ كما ولا يلغي القانون نظام انعدام الكفاءة القانونيّة، رغم الاستخدام النّادر لهذه الأداة؛ وما زال القانون يُطوّع رغبة الإنسان لـ “مصلحته”، كما تراها المحكمة؛ ولا يُعرّف القانون حقًّا واسعًا في التّمثيل القضائيّ أثناء عمليّة تعيين الأوصياء؛ ولا يُعرّف القانون المدّة القصوى التي يُمكن خلالها تعيين وصيّ؛ ولا يُعطي القانون حلولًا للحالات التي تُشكّك فيها أطراف ثالثة (مثل المصارف والأطبّاء) بالأهليّة القانونيّة للشّخص وتُلزمه بتعيين وصيّ ليتمّم الإجراءات القضائيّة؛ وما زال القانون يستند إلى مُصطلح “الأهليّة”، والذي يُقسّم النّاس إلى مجموعة من أصحاب الأهليّة ومجموعة أخرى من معدومي الأهليّة القانونيّة.

في نهاية المطاف، يُمكن اعتبار أنّ القانون الجديد هو بشرى سارّة في هذا المجال، من ناحية إجراءات الوصاية، من جهة، وتطوير البدائل لهذه الإجراءات، من جهة أخرى. الآن باتت هُناك حاجة إلى ترسيخ مبادئ القانون وإرشاداته، وتحويلها إلى واقع بالنّسبة لعشرات آلاف الرّجال والنّساء المُسنّين أو من ذوي الإعاقات،

الإصلاح في مجال الصّحّة النّفسيّة

في شهر تمّوز من العام 2015، دخل حيّز التّنفيذ الإصلاح الذي جرى في مجال الصّحّة النّفسيّة، بعد نضال امتدّ سنوات قادته منظّمات لمن يعانون من إعاقات نفسيّة وعوائلهم، بالإضافة إلى منظّمات حقوق الإنسان. إنّ أساس الإصلاح هو نقل مسؤوليّة تمويل خدمات الصّحّة النّفسيّة من وزارة الصّحّة إلى صناديق المرضى، ومعنى ذلك فعليًّا إدراج الصّحّة النّفسيّة ضمن رزمة الخدمات الطّبّيّة. كان الهدف من الإصلاح هو تصليح غُبن قديم نتيجة إبقاء هذا المجال (كمجالات أخرى، مثل الرّعاية التّمريضيّة) خارج رزمة الخدمات التي تعرضها صناديق المرضى، بما معناه أنّ الحقّ في الحصول على علاج نفسيّ غير مضمون في قانون التّأمين الصّحّيّ. وكانت نتيجة ذلك إهمالًا يبلغ حدّ الإجرام في هذا المجال طوال سنين وإلحاق أذى جسيم بكلّ من هو بحاجة إلى خدمات الصّحّة النّفسيّة، تمثّل بالنقص البالغ في الخدمات، وخاصّة في المناطق البعيدة عن المركز، وبطوابير الانتظار المُستحيلة، وبوصمة العار التي أُلصقت بطالبي هذه الخدمات نتيجة الفصل بينها وبين الخدمات الأخرى.

في الآونة الأخيرة، نُشِرَت مُعطيات تلخّص العام الأوّل بعد تطبيق الإصلاح. أشارت المُعطيات إلى التّحسّن في توزيع الخدمات وفي عدد الأشخاص، من البالغين والأطفال، الذين حظوا بالعلاج. بحسب هذه المُعطيات، منذ تقرّر تطبيق هذا الإصلاح، أُقيمت في جميع أنحاء البلاد عشرات العيادات الجديدة ونقاط إعطاء الخدمات. وخلال العام الجاري، ارتفع عدد المُعالَجات والمُعالَجين بنحو 30,000 امرأة ورجل. مع ذلك، يتّضح من المُعطيات أنّ حجم العلاج المُعطى للمُعالَجين (والذي يمكن استخلاصه من عدد العلاجات المُعدّلة المُعطاة كلّ سنة) ما زال أصغر من ذلك المُخطّط له، وأنّ طوابير الانتظار للحصول على العلاج ما زالت أطول من المنشود. إضافة إلى ذلك، فقد كشف الإصلاح عن مشاكل عديدة كانت قائمة في نظام الصّحّة النّفسيّة دون أن تحظى قبل ذلك بأيّ اهتمام. إحدى أهمّها هي النّقص في الموارد البشريّة المهنيّة. بشكل خاصّ، هناك نقص حاد في عدد الأطبّاء النّفسيّين للأطفال والمراهقين وفي عدد المهنيّين من العرب والمُتديّنين اليهود. هُناك مُشكلة مُهمّة إضافيّة تنبثق عن أنّ إطار الإصلاح سمح لصناديق المرضى أن تعرض علاجات لدى مُعالِجات ومُعالِجين مُستقلّين، الذين يستقبلون المُعالَجين في عياداتهم الخاصّة، وينطوي ذلك على اشتراك ذاتيّ باهظ الثّمن. تُشير المُعطيات إلى أنّ نسبة استخدام هذا المسار في بعض صناديق المرضى هي نسبة ملحوظة، بخلاف القصد الأصليّ، وهو أن يكون استخدام هذا المسار هامشيًّا. وكما في أيّ مجال آخر، فإنّ دمج الطبّ الخاصّ أو شبه الخاصّ بمنظومة الصّحّة العامّة من شأنه أن يؤثّر سلبًا على النّظام العامّ، وأن يخلق انعدام مساواة في الحصول على الخدمات.

للتّلخيص، ومع أنّ الإصلاح أدّى إلى تحسين قدرات سُكّان إسرائيل على تحصيل حقوقهم في الحصول على العلاج النّفسيّ، ما زالت الطّريق طويلة حتّى تحقيق هذا الحقّ كاملًا. المطلوب حاليًّا هو استكمال عمليّة توسيع الخدمات، وتكثيف عدد العيادات في صناديق المرضى – بواسطة إضافة موارد بشريّة في العيادات القائمة، وأيضًا من خلال افتتاح عيادات إضافيّة – وبخاصّة في المناطق البعيدة عن المركز، وتسهيل البيرقراطيّة التي تنطوي عليها إجراءات العلاج. كذلك، يجب تحديد معايير إلزاميّة لتوفّر الخدمات وإمكانيّة الوصول إليها، وإلغاء مسار العلاج الخاصّ، وإعداد مُخطّطات تُتيح تأهيل موارد بشريّة إضافيّة في تلك المواضيع التي تُعاني من نقصان.

 

تكبيل المُعالَجين أثناء مكوثهم في أقسام العلاج النّفسيّ

في شهر آذار من العام الجاري، كشف تقرير لمنظّمة “بزخوت”، وللمرّة الأولى في إسرائيل، عن المُعطى التّالي: واحد من بين كلّ أربعة أشخاص يمكثون في أقسام العلاج النّفسيّ – أي نحو 4,000 شخص كلّ سنة – يُكبَّلون بأطرافهم الأربعة أثناء مكوثهم هناك، وأحيانًا يكون ذلك لساعات كثيرة. كشف التّقرير عن كون هذه المُمارسة – وهي مسّ جسيم بحقوق الإنسان – مُتّبعة في جميع المُستشفيات التي فيها أقسام للعلاج النّفسيّ، وعن كون غالبيّة الأشخاص يُكبّلون دون مُبرّرات وبما يتنافى والقانون. يكبَّل غالبيّتهم بسبب اعتبارهم “مُزعجون” أو “مُضايقون”، وبعضهم يُكبّلون لمعاقبتهم. غالبيّة المُكبّلين لم يشكّلون أيّ خطر على الطّواقم المُعالِجة، أو على المُعالَجين الآخرين أو على أنفسهم أثناء تربيطهم.

كشف التّقرير عن عدم وجود أيّ بدائل علاجيّة في الأقسام، وعن نقصان في الموارد البشريّة، وعن نفاد صبر الطّواقم أو عدم إدراكها لكيفيّة التّعامل مع حالات صعبة. بالنّتيجة، يُعتبر التّكبيل أداة مُتوفّرة وشرعيّة. كذلك، كشف التّقرير عن مدى الأذى الذي يُلحق بالأشخاص الذين تمّ تكبيلهم، من حيث الإصابات، أو الأضرار النّفسيّة أو الشّعور القويّ بالذّل.

في أعقاب نشر التّقرير، وبعد عقود من تجاهل الجمهور والمؤسّسة للموضوع، تولّدت موجة من الاهتمام الإعلاميّ بموضوع التكبيل. وكانت أكثر قصّة أثارت ضجّة جماهيريّة قصّة “نوعا” (وهو اسم امُستعار)، وهي فتاة كانت مُكبّلة لفترة تزيد عن 24 يومًا على التّوالي في مُستشفى تل هاشومير. وقد بادرت مُنظّمة “بزخوت” ولجنة المُساعدة القانونيّة إلى إجراءات قضائيّة كات الأولى من نوعها في قضيّة “نوعا”. في أعقاب ذلك، نُقِلَت نوعا إلى مُستشفى آخر، حيث لم يتمّ تكبيلها ولو للحظة. كذلك، أقامت وزارة الصّحّة لجنة تحقيق لبحث هذه الحالة.

وقد أدّت النّشاطات الملحاحة إلى ثمرات أيضًا على المستوى المبدئيّ. ففي شهر حزيران، أعلن المدير العامّ لوزارة الصّحّة أنّه وضع هدفًا يتمثّل في إلغاء التّكبيل تدريجيًّا خلال عدد قليل من السّنوات. لأجل بلورة المُخطّط الفعليّ، أقامت وزارة الصّحّة، بناءً على طلب مُنظّمة “بزخوت”، لجنة لتقليص التّقييدات على المُعالَجين الذين يمكثون في أقسام العلاج النّفسيّ في المُستشفيات. ومن أعضاء هذه اللّجنة، هناك مُنظّمات حقوق إنسان ومُنظّمات تُمثّل من يواجهون هذه المسائل وعوائلهم. في شهر تمّوز، نوقِش موضوع التّكبيل في لجنة العمل، والرّفاه والصّحّة في البرلمان. خلال النّقاش، أكّد المدير العام لوزارة الصّحّة على مُعطيات التّكبيل التي أشار إليها تقرير “بزخوت” وتعهّد رئيس اللّجنة بعقد نقاش لمُتابعة الموضوع مرّة كلّ ثلاثة أشهر، وذلك لفحص الحالات في كلّ مُستشفى فيه قسم للعلاج النّفسيّ في البلاد.

 

حقوق مهاجري العمل

إحضار العمّال من الصّين

قبل عقد من الزّمن، قدّمت جمعيّة “كاف لاعوفيد” التماسًا للمحكمة العليا، طالبة إيّاها بأن تسمح بإحضار مهاجرين للعمل في إسرائيل فقط من تلك الدّول التي وُقِّعَت معها اتّفاقيّات ثنائيّة، وذلك لضمان عدم جبي إسرائيل أو الدّولة الأصل من العمّال أيّ رسوم وساطة. إنّ رسوم الوساطة هذه تكبّل العمّال بواسطة ديون بالغة، في حين تطرّي محاور “الباب الدّوّار” – إذ تؤدّي الممارسة إلى تشجيع طرد العمّال من أجل إحضار عمّال آخرين وجبي رسوم إضافيّة منهم. وقد طلبت “كاف لاعوفيد” بشكل عينيّ عدم إحضار عمّال من الصّين بسبب عدم وجود أيّ طريقة -حتّى بوجود اتّفاقيّة- لمنع جباية رسوم الوساطة من هؤلاء العمّال، مع العلم أنّ هذه الرّسوم وصلت في الماضي إلى ما يزيد عن 30 ألف دولار للعامل.

بفضل الإجراءات القضائيّة، يصل العاملون في مجالات الزّراعة والبناء اليوم إلى إسرائيل من دول توجد معها اتّفاقيّات، مثل تايلاند (في الزّراعة) ورومانيا، وبلغاريا ومولدوفا (في البناء). للأسف، لم يتمّ توقيع أيّ اتّفاقيّات ثنائيّة بعد في مجال التّمريض – وهو أكبر مجال لتشغيل العمّال الأجانب، إذ يأتي عشرات الآلاف من مُهاجري العمل إلى البلاد للعمل فيه.

مع ذلك، فمنذ وُقِّعت الاتّفاقيّات في مجالَي الزّراعة والبناء، هُناك ضغوطات تُمارسها أطراف ذات قوّة بالغة لإعادة السّماح بخرق أطر هذه الاتّفاقيّات، وبخاصّة لإعادة السّماح بإحضار العمّال الصّينيّين. وهذا ما حصل. فرغم تصريحات الحكومة بأنّها تتعهّد بألّا تُحضر بعد أيّ عمّال من الصّين أو من دول لم يتمّ توقيع أيّ اتّفاقيّات معها، قرّرت الحكومة في شهر أيلول من العام 2015 أن تعاود الكرّة وأن تحضر آلاف عمّال البناء من الصّين. وبعد الصّعوبات التي واجهت تطبيق هذا القرار، اتّخذت الحكومة في شهر آذار من العام 2016 قرارًا يسمح بإحضار 6,000 عامل إلى إسرائيل، بواسطة السّماح لـ 6 شركات بناء أجنبيّة أن تأتي إلى إسرائيل مع عمّالها. فازت في المناقصة خمس شركات صينيّة وشركة برتغاليّة واحدة. معنى ذلك أنّه، هنا في إسرائيل، سوف تعمل شركات بملكيّة وبتشغيل وبإدارة أجنبيّة. وعدا عن رسوم الوساطة، وعدا عن حقيقة كون العمّال مُكبّلين للشّركات التي يأتون معها، فإنّ التّجربة تعلّمنا أنّ تشغيل العمّال الصّينيّين في إسرائيل بواسطة مُشغّلين صينيّين يكون مصحوبًا بممارسات تشغيل مؤذية جدًّا. للأسف، لم تقبل المحكمة العليا الادّعاءات بهذا الصّدد، وصادقت على المضيّ قدمًا لإحضار شركات البناء الأجنبيّة.

طالبو اللّجوء واللّاجئون

من جديد، لم يطرأ خلال هذا العام أيّ تحسين على حالة طالبي اللّجوء في إسرائيل.

في شهر آب من العام 2015، صدر قرار حكم في قضيّة الالتماس الثّالث لمنظّمات حقوق الإنسان ضدّ قانون التّسلّل. في أعقاب قرار الحكم، الذي حدّد فترة الاحتجاز في منشأة “حولوت” إلى 12 شهرًا فقط، سارعت سلطة السّكّان والهجرة إلى ملء المنشأة حتّى التّمام، وإلى زجّ 3,000 نسمة هناك. سائر طالبي اللّجوء موجودون في إسرائيل بفضل تصريحات مؤقّتة، دون أن يحصلوا على حقّ في خدمات الصّحّة والرّفاه، وبموجب اتّفاق يمنعهم من العمل دون فرض عقوبات على مُشغّليهم، أي أنّه لا ضمانات لمُستقبلهم أو لحقوقهم.

على مائدة المحكمة العُليا، هُناك سلسلة من الالتماسات التي تنتظر أن يتمّ البتّ فيها، والتي كان قد قدّمها طالبو لجوء، وعيادات قانونيّة ومُنظّمات حقوق إنسان بخصوص الظّروف في منشأة “حولوت”، ومن بينها: منع إدخال الطّعام، والاكتظاظ المُبالغ في المنشأة، ومنع إدخال المعدّات الشّخصيّة، والمعدّات غير الكافية التي تُقدّمها مؤسّسة السّجون (שב”ס)؛ عدم وجود أيّ نشاطات تربويّة أو ترفيهيّة، ويشمل ذلك غياب الحواسيب؛ والخدمات المخزية التي تُقدّمها سلطة السّكّان والهجرة في المنشأة. تُشدّد الالتماسات على عدم وجود أنظمة تشغيل عامّة ومُبلوَرة لمنشأة “حولوت”، ممّا يؤدّي إلى أن تتعامل مؤسّسة السّجون مع تلك الحالات التي لم تُحدَّد لها أيّ أنظمة بحسب الطّريقة الوحيدة التي تعرف التّعامل بها – أي أنّها تفعل ما كانت ستفعله في السّجون. يدّعي مُقدّمو الالتماسات أنّ الحالة العصيبة في “حولوت” ليست محض صدفة، وأنّ الهدف منها هو كسر عزيمة الذين يمكثون هناك، كي يوافقوا على المُغادرة إلى أيّ مكان يُعرض عليهم.

هُناك سياسة إضافيّة تتّبعها الدّولة لمحاولة التّخلّص من طالبي اللّجوء، وهي ترحيلهم إلى “دولة ثالثة” – أوغندا أو رواندا – بالرّغم من عدم قدرتها على التّعهّد أمام طالبي اللّجوء بأنّهم لن يُرحّلوا إلى بلادهم وبأنّ حقوقهم لن تُمسّ عند وصولهم إلى “الدّولة الثّالثة”. في العام الماضي، رفضت محكمة الشّؤون الإداريّة في بئر السّبع التماسًا قدّمه طالبو لجوء ومُنظّمات حقوق إنسان ضدّ هذه السّياسة، وما زالت القضيّة تنتظر قرار حكم من المحكمة العليا بهذا الشّأن. كما وما زالت الخدمات التي تقدّمها مكاتب سلطة السّكان والهجرة في بني براك، وتل أبيب، والخضيرة وإيلات مهينة ومُذِلّة، إذ إنّ الهدف منها هي أيضًا هو استهداف طالبي اللّجوء غير المرغوبين.

مع ذلك، فهناك نقطة إيجابيّة حصلت خلال العام الجاري: قبلت محكمة الاستئنافات في القدس عددًا من الاستئنافات قدّمه مواطنون من إريتريا ضدّ قرارات رفض قبول طلبات اللّجوء التي كانوا قد قدّموها هم والغالبيّة السّاحقة من طالبي اللّجوء من إريتريا. كان الرّفض قد أتى بناءً على فتوى لسلطة السّكان والهجرة، بموجبها لا يُعتبر الهاربون من جيش إريتريا لاجئين. وقد أمرت المحكمة وزير الدّاخليّة أن يعاود فحص الطّلبات دون أن يستند إلى هذه الفتوى. إضافة إلى ذلك، فقد اتّخذت وزارة الدّاخليّة خطوة إيجابيّة عينيّة واحدة، عندما قُبِل طلب اللّجوء الذي قدّمه معتصم علي، فكان أوّل طالب لجوء من دارفور في السّودان يُعترف بأنّه لاجئ. إلّا أنّه باستثناء علي، لم يتمّ الاعتراف في إسرائيل بأيّ لاجئ سودانيّ آخر.

انتهاك حقوق الإنسان في المناطق المحتلّة

بلا مأوى

لا تزال السيطرة الإسرائيلية على الضفّة الغربية على مدى خمسة عقود تتسبّب بانتهاكات منهجيّة وفظّة جدًّا لحقوق السكان الفلسطينيين. حالات المساس هذه تتزايد في فترات التصعيد والعنف، كما حدث هذه السّنة أيضًا وكما ذكر أعلاه في هذا المستند (في فصل “موجة العنف”)؛ لكن أيضًا في الفترات العاديّة، ليس هناك أيّ حقّ مضمون تحت الاحتلال. الاعتقالات والمضايقات، الحواجز والحظر، الحرمان من الخدمات الأساسية، القيود المفروضة على التنمية وما شابه ذلك، هي جزء من واقع الحياة اليومية لملايين الناس. عزل الضفة الغربية، القدس وقطاع غزة بعضها عن بعض، يمسّ بشكلٍ فظّ بالحقوق الفردية والجماعية، وتقطيع أوصال المنطقة الذي تخلقه الحواجز، الجدار والمستوطنات آخذ بالتفاقم.

أحد الأمثلة البارزة على انتهاك حقوق الإنسان الأساسيّة في السنة الأخيرة هو الازدياد الحادّ في عدد عمليات هدم البيوت الإداريّة – هدم المباني التي بنيتْ بدون ترخيص. وفقًا لمعطيات “بتسيلم”، عدد المباني السكنيّة التي هُدمتْ في المناطق في العام 2016 هو الأكبر منذ العام 2006، حينها بدأ التنظيم لجمع معطيات حول الموضوع: منذ بداية كانون الثاني حتى نهاية تشرين الأوّل 2016 هدمت إسرائيل في أنحاء المنطقة C 255 مبنى سكنيًّا بذريعة البناء غير المرخّص، وتركتْ 1,076 شخصًا بلا مأوى، من بينهم 557 قاصرًا. وهُدم في القدس الشرقيّة من كانون الثاني حتى منتصف تشرين الثاني 2016 أكثر من 194 مبنًى، من ضمنها 123 وحدة سكنيّة، مقارنةً بـ 74 وحدة سكنيّة هُدمتْ خلال العام 2015 و52 وحدة سكنيّة في العام 2014، بحسب معطيات نشرتها جمعيّة “عير عميم” في صفحة الفيسبوك الخاصة بها. وفقًا للمعطيات التي نشرتها منظمة ACTED، هُدم في هذه الفترة في الضفة الغربية والقدس ما مجموعه 989 مبنى، ومن ضمنها بيوت سكنيّة ومبانٍ لأغراض زراعيّة وغيرها.

عمليات الهدم الإداريّة للبيوت، وكذلك عمليّات هدم المباني المخصصة لتربية الدّواجن، وسدّ آبار الماء، ومصادرة ألواح شمسيّة وما شابه ذلك، هي ممارسات تتمّ بذريعة البناء بدون ترخيص. غير أنّ هيئات التخطيط الإسرائيلية – الإدارة المنيّة في المنطقة C وبلديّة القدس ووزارة الدّاخليّة في القدس – تتنصّل بشكلٍ منهجيّ من المسؤوليّات الملقاة على عاتقها، ولا تعمل شيئًا من أجل دفع التخطيط والتطوير قدمًا في المناطق التي يقطنها فلسطينيون، وبهذه الذريعة ترفض أن تصدر لهم تراخيص بناء. في ضوء التزايد الطبيعيّ وفي ظل عدم وجود أفق تخطيطيّ، يبني الكثيرون بيوتهم، مُكرهين، بدون ترخيص ويعرّضون أنفسهم لخطر الغرامات وعمليات الهدم، حتى حين يكون البناء على أراضٍ بملكيّتهم.

السياسة الطويلة السنوات في المنطقة C، الواقعة تحت سيطرة إسرائيليّة عسكريّة كاملة، لا تقتصر على الامتناع عن التخطيط وعلى هدم البيوت. إنّها تشكل أيضًا الإعلان عن مناطق كـ”أراضي دولة” ممنوع أن يقوم الفلسطينيون بالبناء عليها؛ منع الدخول والبناء عن طريق تعريف منطقة بكونها منطقة إطلاق نار للتدريبات أو كمحميّة طبيعيّة؛ منع ربط قرى فلسطينيّة ببُنى تحتيّة أساسيّة؛ وغير ذلك. تعاني من ذلك أساسًا تجمعات صغيرة تقع في مناطق منعزلة نسبيًّا، مثلاً في جنوب جبال الخليل وفي وادي الأردنّ. إنّ الضرر الجسيم الذي تسببه السياسة التخطيطية تجسّده بوضوح قصّة قرية سوسيا التي يواجه سكّانها خطر التهجير المتواصل، والتي فيها أيضًا هُدمتْ مبانٍ سكنيّة في العام الفائت. إنّ هذه السياسة المجحفة تفرض على قرى مثل سوسيا واقعًا يتّسم بعدم اليقين المتواصل، وهي تشكّل خرقًا لواجبات الجيش وفق أحكام القانون الإنسانيّ الدوليّ.

 

الحقّ في الماء

الصعاب في تطوير البنى التحتية في البلدات الفلسطينية لا تقتصر على المنطقة C. فالمنطقتان A وB، التابعتان لحكم السلطة الفلسطينية ويسكن فيهما معظم السكان الفلسطينيين، تشكّلان نحو 40% من الضفة الغربيّة، وهناك تواصل جغرافيّ بينهما وبين المنطقة C وتربطهما علاقات متبادلة. فمثلاً، شبكة المياه التي تصل قرى فلسطينية تمرّ في جزءٍ منها بالضرورة عبر المنطقة C.

برز في الصيف الأخير نقص حادّ في المياه في أنحاء المناطق: قسم من مجمّعات المياه المخصصة للبلدات والمدن الفلسطينية خلت من المياه، واضطرّت السلطات إلى تخصيص المياه وإلى إتاحة تدفّق المياه بشكل يوميّ لقسم آخر من المدينة. عانى سكان فلسطينيون كثيرون من الانقطاع المتواصل للمياه على مدى أيام طويلة، واضطرّوا إلى الاكتفاء بقدرٍ قليل من المياه تمكّنوا من جمعه، وإلى شراء مياه غالية الثمن جُلبت لهم بصهاريج. واضطرّ أصحاب المصانع والمزارعون إلى وقف عملهم.

في المقابل من ذلك، استمرّت أغلبيّة المستوطنات بالتمتّع طوال الصيف بتدفق مياه عاديّ. صحيحٌ أنّ عدّة مستوطنات واجهت مشاكل في تزويد المياه، لكنّ هذه كانت مشاكل بسيطة وانتهت خلال وقت قصير بمساعدة السلطات. عمومًا، مقدار استهلاك المياه في المستوطنات غير محدود، في حين توجد للسكّان الفلسطينيين كميات محدودة من المياه المخصصة لهم، وفقًا لما تنصّ عليه اتفاقيات أوسلو. تشير مسألة المياه إلى الفجوة الدّائمة القائمة بين مستوى الحياة والتطوير لدى السكان الفلسطينيين وبين مستوى الحياة لدى السكان الإسرائيليّين، وهي فجوة آخذة بالتعمّق طالما واصلت إسرائيل ممارسة سياسة خنق التنمية الفلسطينية عمومًا، وفي المنطقة C خصوصًا.

 

الضمّ الزاحف

تقف في صلب إساءة معاملة السكان الفلسطينيين في المنطقة C رغبة إسرائيل في إحكام سيطرتها على هذه المنطقة وتقوية ارتباطها بإسرائيل، ودفع السكان الفلسطينيين إلى المنطقتين A وB. في العقد الماضي، تزايدت كثيرًا تلك الخطوات التي يمكن أن نسمّيها الضمّ الزاحف أو الضمّ الفعليّ بفرض الواقع؛ محاولات تشويش الخطّ الأخضر وإنفاذ القانون الإسرائيليّ على المستوطنات، الواقعة خارج حدود الدولة، استمرّت هذه السّنة أيضًا. فمثلاً، أطلقت هذه السّنة حملة واسعة تطلب بشكل صريح إنفاذ السّيادة الإسرائيليّة على “معاليه أدوميم”. ويحاول مسؤولون في الحكومة، في هذه الأيّام، طرح مشروع قانون لتنظيم البناء غير المرخًّص في المستوطنات وفي بؤر استيطانية بنيتْ على أراض فلسطينية خاصّة، وهذا على الرغم من المعارضة الحادّة للمستشار القضائي للحكومة لتبييضها، وعلى نحو مناقضٍ لـ موقف المحكمة العليا في قرار الحكم في قضيّة عمونا. يشكّل هذا الاقتراح تصعيدًا من ناحية دوس حقوق الإنسان الفلسطيني واحتقارًا لسيادة القانون في المناطق.

إنّ خطوات كهذه تعمّق بشكل أكبر وجود جهازين قضائيّين منفصلين في المناطق المحتلّة: الأوّل – إسرائيليّ-مدنيّ، للمواطنين الإسرائيليين، والثاني – عسكريّ، للسّكان الفلسطينيين. وهكذا ففي المنطقة ذاتها وتحت الحكم ذاته تقيم مجموعة سكّانية أولى تتمتّع بحقوق وإلى جانبها مجموعة سكّانيّة ثانية يتمّ انتهاك حقوقها الأساسيّة بشكل دائم. عشيّة الذكرى الخمسين للاحتلال، هذا التمييز آخذ بالتمأسس، والتّحوّل إلى جزءٍ لا يتجزّأ من منظومات الحكم الإسرائيليّ.

Share and Enjoy:
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Facebook
  • Print
  • email

קטגוריות: حقوق مدنيّة

مفتاح :.

Comments are closed.