ان انتهاك حقوق المشبوهين والمعتقلين والمسجونين في الأراضي المحتلة شديد يمتد على جميع مراحل الاجراء القضائي، يشمل فترات اعتقال تتصف بالتمييز في التعامل؛ عدم ابلاغ الاقارب بالاعتقال؛ حظر اللقاء مع محام؛ انتهاكات خطيرة لحقوق القاصرين؛ نواقص وأوجه قصور خطيرة في تأمين الحقوق الأساسية التي تشكل شرط توفر اجراء قانوني منصف في المحاكم العسكرية؛ ظروف احتجاز الاسرى والمعتقلين الامنيين؛ اعتقالات ادارية؛ غياب الاشراف الخارجي المرضي حول ظروف الحبس في الزنازين التي يوضع فيها من يحقق معهم “الشاباك”؛ تحقيقات غير كافية في شكاوى حول معاملة قاسية.
فترات اعتقال متواصلة وتمييزية
موقف جمعية حقوق المواطن هو ان فعل الاستيطان بحد ذاته هو فعل غير قانوني، ينفذ بتعارض صارخ للقانون الدولي ويؤدي الى انتهاكات فتاكة لحقوق الانسان للسكان الفلسطينيين في الاراضي المحتلة. وقد ازدادت حدة الانتهاكات التي يعاني منها للسكان الفلسطينيون جراء الاحتلال، على نحو ملحوظ، نتيجة استيطان مواطني اسرائيل في الاراضي المحتلة، وتزداد حدتها أكثر فأكثر جراء نظام التمييز المؤسساتي المرفوض الذي يمارس ضد الفلسطينيين سكان الضفة الغربية مقابل الاسرائيليين الذين يعيشون في المنطقة . يمنح هذا النظام، الذي تطور على مر السنين، أفضية مطلقة لمصالح المستوطنين على مصالح الفلسطينيين، في مجالات الحياة كافة، وينعكس كذلك – في ما ينعكس- في الفصل بين الطرفين في الجهاز القضائي.
جهازان قضائيان مختلفان؛ واحد للاسرائيليين وآخر للفلسطينيين
في ما يخص الاجراء الجنائي، يسري على الاسرائيليين الذين يعيشون في المناطق المحتلة القانون والقضاء الاسرائيليين. لذلك يتمتع الاسرائيليون الذي يتهمون بارتكاب مخالفات بحماية حقوق الانسان كما حددت في القانون وقرارات المحاكم في اسرائيل، كما ان صلاحية المقاضاة التي تسري عليهم هي تلك الخاصة بجهاز المحاكم في اسرائيل. في المقابل، يسري على السكان الفلسطينيين في المناطق القانون العسكري الذي وضعه القائد العسكري الاسرائيلي (التشريعات الأمنية)؛ وهو قانون أشد صرامة. يحاكم الفلسطينيون الذي يشتبه فيهم بإرتكاب مخالفات أمام محاكم عسكرية ومن قبل قضاة هم جزء من المنظومة العسكرية الاسرائيلية. على هذا النحو، يميز بين اشخاص يعيشون متجاورين ويعاملون معاملتين مختلفتين تمام الاختلاف، وذلك على اساس معطى واحد هو انتماؤهم القومي. ان واقع وجود جهازين قضائيين منفصلين يعملان في المناطق المحتلة، واحد لليهود والآخر للفلسطينيين، يتعارض مع القانون الدولي، والاركان الاساسية للقانون الحديث، والمنطق السليم، واملاءات الضمير. انه وضع مرفوض يمس بكرامة الانسان وبحقوقه. وينبغي التأكيد هنا ان الفصل بين الجهازين القضائيين يسري في حالات المخالفات الامنية، وكذلك في حالات المخالفات الجنائية التي لا علاقة لها بأمن المنطقة.
أحد الأمثلة التي تبين الاختلاف بين الجهازين القضائيين هو الفجوة العميقة بين فترات الاعتقال التي تفرض على المشبوهين. ان الفترات الزمنية المذكورة في التشريعات الامنية مفرطة في طولها، ولا تتماشى مع واجب احترام حق الانسان –بما في ذلك المتهم- في التحرر من الاعتقال. ان فترات الاعتقال الطويلة التي تقرر بحق سكان الضفة الفلسطينيين تمس مساً خطيراً وقاسياً بحقوقهم الاساسية: حقهم في الحرية؛ حقهم في الاجراء القانوني المنصف؛ الحق في الكرامة؛ حقهم في المساواة. وفي احيان كثيرة، تصاحب الاعتقال قيود اخرى كحظر اللقاء مع محامٍ؛ وهو ما يجعل المتهم يشعر بإنقطاع تام عن العالم لمدة طويلة، ودون ان يخضع الاعتقال والتحقيق لأي رقابة واشراف. وفي غياب الرقابة والاشراف، يتزايد التخوف من ان تتعامل سلطات التحقيق مع المعتقلين تعاملاً غير لائق، وان تنتهج اساليب تحقيق مرفوضة تبلغ حد التعذيب.
قاصرون في الأراضي المحتلة
الاختلاف في النظام القضائي يظهر كذلك في طريقة التعامل مع المشبوهين والمتهمين من القاصرين. يتخلل التعامل مع القاصرين الفلسطينيين الكثير من الانتهاكات للحق في اجراء قضائي منصف ولمبدأ مصلحة الطفل، كما ويتعارض مع قواعد القانون الدولي التي تسري في دولة اسرائيل وفي الاراضي المحتلة، ويمس بالقاصرين على نحو خطير وبعيد المدى.
الاجراء الجنائي الذي يسري على القاصرين الفلسطينيين لا يمنحهم حقوقاً أساسية على غرار تلك التي جرى تثبيتها في القانون الاسرائيلي، والتي تسري أيضاً على القاصرين الاسرائيليين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة. وتجري محاكمة القاصرين الاسرائيليين هناك في المحاكم الاسرائيلية العادية، بينما يحاكم القاصرون الفلسطينيون على المخالفات ذاتها في المحاكم العسكرية في الاراضي المحتلة؛ يحظر القانون فرض عقوبة السجن على القاصرين الاسرائيليين الذين لم يصلوا بعد الى سن الرابعة عشرة، بينما تفرض عقوبة السجن على الفلسطينيين بدءاً من سن الثانية عشرة؛ المخالفات التي يرتكبها القاصرون الاسرائيليون تخضع للتوثيق (باستثناء تلك المتعلقة بالأمن)، بينما لا يجري توثيق التحقيقات مع القاصرين الفلسطينيين.
في تاريخ 25.5.2010 قدمت الى المحكمة العليا التماسات ضد التمييز في مدة الاعتقال في الاراضي المحتلة. في الالتماس الذي قدمته جمعية حقوق المواطن ومنظمة “ييش دين” واللجنة ضد التعذيب، طالبت المنظمات بمساواة فترات الاعتقال المفروضة على الفلسطينيين في الضفة الغربية مع تلك التي تفرض على الاسرائيليين المستوطنين الذين يعيشون في الضفة الغربية. في اعقاب تلك الالتماسات، اعلنت الدولة (في كانون الثاني سنة 2011) عن نية لتعديل التشريع العسكري بحيث تقصر مدد اعتقال الفلسطينيين، لكنها طالبت بعد ذلك بتأجيل تطبيق الاختصار الموعود الى شهر كانون الثاني من العام 2012. وقد وافقت المحكمة على التأجيل بالرغم من اعتراض المنظمات التي قدمت الالتماس. وعلى الرغم من وجود بعض التحسين الذي سينجم عن التقصير الموعود في فترات الاعتقال، فهو بعيد عن ان يكون مرضياً، وذلك لأن التمييز بين الاسرائيليين والفلسطينيين- في ما يتعلق بفترات الاعتقال- سيبقى على ما هو عليه، ولان لائحة طويلة من المخالفات التي تعرف على انها “امنية” تستثني الاسرائيليين- كمثل المشاركة في مظاهرة تعتبر “غير قانونية”. علاوة على التمييز في امتداد فترات الاعتقال، ان اجراء تمديد الاعتقال يشكل القاعدة لا الاستثناء، حتى ان اعتقال الفلسطينيين يمدد على الدوام، تقريباً.
المحكمة العليا 4057/10 جمعية حقوق المواطن ضد قائد قوات الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية
يذكر ان المحكمة العليا وحدت المداولات في هذا الالتماس مع التماس وزارة الاسرى الفلسطينية: المحكمة العليا 3368/10