• خلود ادريس
ولدتُ لعائلة لاجئين، وتزوّجت من لاجئ، أحد مركبات هويتي الأساسية التي افتخر بها هو مركب اللجوء القسري الذي فرضته اسرائيل علينا. اهم القصص التي تربيّت على سماعها وساهمت في صقل هويتي منذ الطفولة هي قصص جداتي عن تهجيرهنّ من الرويس وعين حوض. ادّعي دائمًا أن اللجوء هو هوية وصفات إنسانية، واللاجئ لا يمكنه التغاضي عنها كما لا يمكنه إلا العيش على حلم العودة، وهو الامل في ان يُنصفنا العالم ويُنصف قضيتنا.
قبل اسبوعين نشرت إحدى صديقاتي تساؤلا عبر الفيس بوك كتبت فيه: “يا جماعة ليش مجتمعنا ما عنده مواقف واضحة من قضية طرد طالبي اللجوء في البلاد؟”، قاصدةً اللاجئين الأفارقة (او اللاجئين من اريتريا والسودان)، سؤال طُرح ويُطرح في العديد من المواقع وجلسات المجتمع المدني، ويضعنا أمام تساؤلاتٍ كثيرة حول انسانيتنا اولا وضميرنا ثانيا، فهل بإمكاننا أن نرى معاناة اللاجئين الأفارقة دون الاكتراث بها؟ هل باستطاعتنا التخلي عن احتكار ألم اللجوء ومشاركته مع الآخر؟ هل عدم مساندة اللاجئين والتضامن مع قضيتهم هو مقولة واضحة تُغذي استعلاءنا؟
اذًا كيف لنا ألّا نتضامن مع هؤلاء اللاجئين ونحن هُجّرنا وتم احتجازنا في قرانا بنفس الآليات؟ هل أعمانا ألم النكبة حتى استحالت علينا رؤية معاناة الإنسان اللاجئ؟ طبعا لا! على المستوى الشخصي أجد صعوبة في الانضمام والتوقيع على اغلب العرائض التي نشرت بهدف رفع الوعي او المطالبة بعدم الترحيل، وذلك لأني أعي رفضي للخطاب الاسرائيلي الانتقائي، خطاب مسلوخ عن السياق يرسخ علاقات القوى في المجتمع ويسلط الضوء على المجموعات المسيطرة والنخبة الاسرائيلية. هذه النخبة التي تتبنى تعليل الشفقة والخوف من قتل المهاجرين لا يمكنني ان أعول عليها فهي لا تتخذ موقفًا حازمًا وواضحًا عندما تُهدم العراقيب المرة تلو الأخرى ويُشرد ساكنوها ومالكوا أرضها!
حدثتني صديقة من النقب انه عند بدء وفود اللاجئين قبل عدة سنوات قامت عائلتها باستقبال شاب وشابة عاشوا معهم عدة أيام في بيتهم قبل انتقالهم إلى مركز البلاد، وأكدت ان الكثير من العائلات العربية استقبلت واحتضنت وتضامنت مع اللاجئين الأفارقة في حينها.
رغم الخطوة المباركة إلا أنها خطوة فردية، فيما علينا بناء تضامن مجتمعي جماعي وعدم الاكتفاء بكون فلان قد استقبل لاجئًا في بيته. علينا كمجتمع ناشط وفعّال ان نقول كلمتنا بوضوح ضد التهجير القسري، وفتح بيوتنا ومؤسساتنا تضامنًا معهم وذلك لأننا نعي نفاق اليسار الصهيوني والازدواجية غير الاخلاقية في التعامل مع المهمشين. بناء التضامن والتعاطف هو واجب انساني يتطلب منّا التنازل عن صفة المُستضعَف الدائم والايمان ان لاجئ الأمس ولاجئ اليوم بإمكانهم سويًا احداث تغيير مجتمعي. يُلزمنا تحقيق هذا الأمر التحلّي بحسّ عالٍ من الإنسانية والحصانة والوعي بأننا نتبنى موقفًا قيميًا كأقلية هُجرت وتُمارَس ضدها كل انواع العنف السياسي، وان تفاعلنا هو نتاج لوعينا التام بضرورة التضامن مع المستضعَفين اينما كانوا.
رغم الوضع المُركّب الذي نعيشه كأقلية أصلانية، ولأنني على قناعة ان لمجال التربية والتعليم دور مهم – مثله مثل مجالات النضال الأخرى القانونية الاجتماعية والسياسية – هنالك أهمية للعمل مع الطلاب في المدارس، لذا اقترح؛ ومع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة العنصرية؛ على المعلمات والمعلمين ان يستغلوا هذا اليوم لرفع وعي طلابهم وفتح النقاش التربويّ النقدي حول قضايا اللجوء عامة وقضية اللاجئين الأفارقة خاصة، عن طريق ربط الواقع غير العادل والظالم الذي نعيشه منذ تجربتنا في اللجوء مع ما يحدث في قضية اللاجئين الان، تطوير قدرة الطلاب على رؤية الألم والاحساس بالتعاطف والرحمة والتماهي مع معاناة الآخرين مهم لأنه يساهم في بناء موقف انساني ويغذي ايمان طلابنا وأملهم في إمكانية احداث تغيير مجتمعي ويُؤكد على ضرورة مساهمتهم بجعل هذا الحيز اكثر عدالة وإنصافًا.
• مركزة التربية لحقوق الإنسان للمجتمع العربي في جمعية حقوق المواطن.