المتفقون على الصمت!

• خلود إدريس

سمعنا وشاهدنا جميعًا؛ عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي نشرات الأخبار ؛ حادثة طعن الطالبة الجامعية قرب الجامعة الأميركية في جنين. لقد أثارت الحادثة تساؤلات كثيرة حول الذين وقفوا متفرجين ولم يتدخلوا، ما الذي دفعهم للتصرف بهذه الطريقة؟ لماذا لم يتقدّم أحد الذين رأوا الاعتداء لمساعدة الضحية؟ لماذا بقيت وحدها في الدقائق الاولى تحاول الهروب تارة والاستنجاد تارة أخرى إلى حين تدخُل إحدى الطالبات؟ ممّ خاف الحاضرون؟ ما الذي يمنعنا من التدخل عندما نرى شخصاً في ضائقة؟ هل هو الخوف من دفع ثمن ما؟

هذه الحادثة أعادت لذاكرتي أقوالا سمعناها من اهلنا ونربي عليها أبناءنا وبناتنا، كم مرّة نوصيهم بعدم التدخل في صراعات لا شأن لهم بها سواء في الصف او الحارة، كم مرة كنا شاهدين على جدال عنيف كلاميا او جسديا ولم نقل أو نفعل شيئا، ألم نكن نعي احتمال كوننا الضحية التالية؟!

عندما بدأت توجيه ومرافقة طواقم المعلمين وصلت إحدى المدرس ورأيت مدير المدرسة يعنف طالبًا في الساحة، توجهت مسرعة نحوه محاولة لفت انتباهه لوجودي وما أن رآني حتى كف يده عن الطالب وطلب مني انتظاره. أذكر جيدًا احساسي بالخجل من نفسي ومن مجموعة المعلمين التي سوف ألتقيها، كنت اسأل نفسي لماذا وقف الطلاب والمعلمون متفرجين؟ لماذا لم يفعلوا شيئًا؟ كيف يمكنني العمل معهم فيما يتفقون على الصمت عن العنف؟

منذ حادثة طعن الطالبة في جنين تدور في راسي أسئلة كثيرة حول سبل مواجهة حالات العنف، هل كثرة المتفرجين مؤشر على ضمان الأمن الشخصي؟ هل كثرة الناس تزيد احتمال عدم التدخل واعتماد موقف المتفرج؟ ربما يبدو هذا أمراً جنونياً لكن في الحقيقة يزيد احتمال المساعدة كلما كان عدد المتجمهرين قليل. هذه الظاهرة تسمى “تأثير من يقف جانباً” وهي تعتمد على ان وجود عدد كبير من الناس يمنع أو يعيق او يقلل من امكانية التدخل لصالح الضحية.

إذًا يمكننا الافتراض أن عدم تدخل المتجمهرين في حالة الطالبة الجامعية هي الخوف من الأذى سواء كان جسديًا او معنويًا ولأنهم يعتقدون بأن شخصًا آخر سيقدم المساعدة.

تفيد الأبحاث أنه في بعض الحالات عند وجود شخص واحد في البيئة المحيطة بالشخص الذي يشعر بالضائقة، هناك احتمال أكبر بأن يحصل على المساعدة، بعكس وجوده بين الكثير من الناس . فعندما تكون مجموعة متفرجة، تميل الاغلبية للافتراض بأن هناك شخصاً آخر سيقوم بتقديم المساعدة. السؤال الذي يراود معظمنا عند مشاهدة حدث ما هو : هل فعلا باستطاعتنا مساعدة الضحية؟ هل باستطاعتنا التدخل وحل الامر بشكل صحيح؟ ماذا سيحدث إن تدخلنا ولم نستطع معالجة الامر، هل نحرج أنفسنا في العلن؟ هل سندفع ثمن تدخلنا؟ وهل الافتراض بأن احتمال التدخل للمساعدة من قبل المارة أو المتفرجين ليس له علاقة بكثرة الناس المتجمهرة ولا اضاءة الشارع ولا هدوء المكان؟ إذا ماذا نفعل في حال كنّا الضحية؟! كيف نطلب المساعدة؟
اكدت الأبحاث ان الحل في مثل هذه الحالات يكون بطلب المساعدة بشكل شخصي ومباشر من أحد المتجمهرين، لأن ذلك يكسر تأثير فرضية “من يقف جانبًا” و “هناك من هو أقوى منا ويمكنه المساعدة”.

الأشخاص الذين شهدوا الحادث في جنين ولم يكن لديهم رد فعل او قاموا بالتصوير ليسوا بأشخاص سيئين، بل هن بغالبيتهن فتيات خائفات على سلامتهن، في ظل الواقع العنيف الذي نعيشه. اما الطالبة التي تدخلت ودافعت عن الضحية فتملك ثقة عالية بالنفس وحصانه مجتمعية كبيرة، وتؤمن بلا شك بـ “أخوية النساء” في المصير والتجارب. فنحن نتدخل عندما نشعر بالتضامن والتعاطف مع الضحية وعندما نكون محصنين واقوياء بما يكفي لمواجهة الواقع ودفع ثمن تدخلنا.

ان الحل لمواجهة ظواهر كهذه في المجتمع او المدرسة هو التربية على التضامن والتحصين المجتمعي، والتعاطف وحماية المستضعف بيننا، والوعي الكافي لمواجهة المفهوم ضمنًا داخل مجتمعنا والثورة عليه من خلال الحوار الذي لا يتجاهل الصراع بل يعالجه ويدرك أننا كأقلية أصلانية مستهدفة لا نملك الامتياز في الوقوف جانبا.

• مركزة التربية لحقوق الإنسان للمجتمع العربي في جمعية حقوق المواطن.

Share and Enjoy:
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Facebook
  • Print
  • email

קטגוריות: التربية لحقوق الانسان, النساء العربيات

مفتاح :, .

Comments are closed.