حقوق الإنسان 2016: تهديدات وفرص

استطلاع الرأي العام 2016

كانون الأوّل 2016

استطلاع جمعيّة حقوق المواطن

بحث الرأي العام الذي أجريناه على مواقف الجمهور في قضايا حقوق الإنسان يقدّم صورةً مركّبة ومثيرة للتحدّي: معظم الجمهور يبدي احترامًا للحقوق ورغبةً في تعزيز المساواة، إلا أن تطبيق قيمة الحقوق، في أعين الكثيرين، مقتصرٌ على مجموعات معيّنة. وهكذا، يبدو أنّه قد نُسيَ أساس شموليّة حقوق الإنسان، الذي يعني المساواة في الحقوق لكل امرأة ورجل بغضّ النّظر عن مواقفهم أو مكانتهم. من الصّعب الفصل بين ضعف القيمة الشموليّة لحقوق الإنسان في إسرائيل 2016 وبين الوضع المستمرّ للصراع السياسيّ والقوميّ وللاحتلال؛ وبالفعل فإن معارضة الحقوق تتبدى في الأساس، لكن ليس حصرًا، في هذه السّاحة.

وهكذا، مثلاً، يستطيع الإسرائيليّ اليهوديّ المتوسّط إبداء انفتاح مفاجئ بالنسبة لمجتمع المثليين والمثليات، لكن في الوقت ذاته الإحساس بالانغلاق والمعاداة تجاه العرب في إسرائيل وحقوقهم. يبدو بحسب مفهومه أن التهديد الماثل من هاتين الأقليّتين غير متشابه، ولذلك فإنّ حدود التسامح تجاههما قائمة في أماكن مختلفة. هذا التناقض الظاهر يشكّل فرصة أيضًا: معطيات الاستطلاع التالية تُبين توجهات سلبية بخصوص حقوق الإنسان بمفاهيم ومجالات معيّنة، لكن إلى جانبها، ثمّة أيضًا أساس حقيقي لدعم أكبر، وهذا ما يمكن – ويجب علينا – أن نعمّقه.

المعطيات التالية والتحليل أدناه يشيران إلى مواطن ضعف المجتمع في إسرائيل بخصوص فهم، قبول وتطبيق قيمة الحقوق في الواقع الإسرائيلي، لكن تشير أيضًا إلى دعم قيم إيجابية. لتعزيز مكانة حقوق الإنسان في المجتمع في إسرائيل، يجب تشجيع التوجّهات الإيجابيّة القائمة، بدلاً من التركيز على مواجهة الآراء المغيظة فقط.

يرتكز هذا التّقرير على استطلاع كمّي لعيّنة تمثيليّة للمجتمع في إسرائيل، ضمّت 500 من اليهود/اليهوديّات و200 من العرب/العربيّات. تمّ إجراء المقابلات مع الجمهور اليهوديّ باللغة العبرية عبر الإنترنت، وتمّ إجراء المقابلات مع الجمهور العربيّ باللغة العربية عبر الهاتف. جُمعت المعطيات في الفترة 18.10.16-28.9.16. هامش الخطأ في الاستطلاع يبلغ نحو +/- 4.4. كتبت الاستمارة وقامت بتحليلها د. دالية شايندلين، وقامت بجمع المعطيات شركة “هغال هحداش”.


أ‌.        المساواة، الحقوق والواجبات

وفقًا للاستطلاع، الحقوق الاجتماعية أكثر أهمية للإسرائيليين من الحقوق السياسية. وهكذا فإن الحق الأهمّ للجمهور العامّ هو الحقّ في العيش بكرامة (24%)، ويليه الحق في المساواة بين المواطنين (22%)، ثمّ الحق في السكن (21%) والحق في الخدمات الصحية والتعليمية (20%). يجدر الذكر أنّ السؤال الذي طُرح كان أيّ حقّ هو الأكثر إلحاحًا الذي يجب تعزيزه في إسرائيل (وليس أي حقّ هو الأهمّ بالنسبة لك). من الممكن أن معظم المستجوبين يشعرون بأن حقوقهم السياسية غير مهدّدة، ولذلك فإن حقًّا مثل الحقّ في المقاضاة العادلة (6%) وحرية التعبير والحق في التظاهر (4%) لا يُنظر إليها باعتبارها حقوقًا من الملحّ تعزيزها. في المقابل من ذلك، يُنظر إلى الأمان التشغيلي في العصر الجديد بأنّه هشّ، ولذلك ثمّة حاجة إلى إجراءات لتعزيزه، والأمر ذاته أيضًا بالنسبة إلى الحق في السكن والخدمات مثل التعليم والصحّة، التي تستوجب التحسين دائمًا.

في أوساط مواطني إسرائيل العرب يظهر تعزيز الحق في المساواة بين المواطنين أكثر إلحاحًا. 37% من المستجوبين العرب اختاروا هذا الحق على أنه الحق الأكثر أهمية الذي يجب تعزيزه، في مقابل 19% فقط من المستجوبين اليهود. يمكن الافتراض بأن هذا الحقّ يشمل عدّة جوانب، بدءًا من المساواة في كسب الرزق، مرورًا بالمساواة في السكن، في توزيع موارد الأراضي، في التعليم وفي الصحة، وانتهاءً بالحق في المساواة السياسيّة طبعًا. إنّ حرية التعبير والحقّ في التظاهر ظهرا أنّهما أكثر أهمية بقليل لدى العرب من اليهود (10% في أوساط المواطنين العرب مقابل 3% فقط في أوساط المواطنين اليهود). إلى جانب ذلك، تُعتبر المجالات الاجتماعيّة (كسب الرزق، الصحة، التعليم والسكن)، في أوساط العرب أيضًا، أكثر إلحاحًا من الحقوق المدنيّة (المقاضاة العادلة وحرية التعبير)، بعد الحقّ في المساواة.

 

ما هو المهمّ لنا؟

أيّ حقّ هو الأكثر إلحاحًا الذي ينبغي تعزيزه في إسرائيل اليوم؟ (حسب الأوساط، %)

statistics-2016-1

ليست هناك أوهام للمساواة بين اليهود والعرب

الفهم السائد في أوساط أكثرية اليهود والعرب هو أنّ انعدام المساواة بين اليهود والعرب في إسرائيل هو حقيقة قائمة. 65% من اليهود يعترفون بوجوده، في مقابل 85% من العرب.

لدى المنتمين إلى المركز واليسار[1]، نسبة مَن يعتقدون بأن هناك عدم مساواة بين اليهود والعرب هي أعلى بشكل جدّي ممّن يعتقدون ذلك في أوساط المنتمين إلى اليمين:

  • لدى اليسار 90% يعتقدون أن هناك عدم مساواة بين اليهود والعرب
  • لدى المركز 76% يعتقدون أنّ هناك عدم مساواة بين اليهود والعرب
  • لدى اليمين 49% يعتقدون أن هناك عدم مساواة بين اليهود والعرب

اختلاف الرأي حول وجود عدم مساواة بين اليهود والعرب ينعكس بالطبع على محور التديّن[2] أيضًا، الذي يقارب إلى درجة كبيرة (بشكل متّسقٍ لكن ليس بشكل كامل) المحور الأيديولوجيّ لليمين-اليسار. يمكن القول عمومًا إنه كلما كان اليهوديّ أكثر تديّنًا كان أقلّ اقتناعًا بوجود عدم مساواة بين اليهود والعرب:

  • لدى العلمانيين 80% يعتقدون أنّ هناك عدم مساواة بين اليهود والعرب
  • لدى المحافظين 57% يعتقدون أنّ هناك عدم مساواة بين اليهود والعرب
  • لدى المتدينين والحريديم 45% يعتقدون أن هناك عدم مساواة بين اليهود والعرب

 

نطمح إلى المساواة العامّة

ليس فقط أن حقيقة وجود عدم مساواة بين اليهود والعرب تحظى بموافقة واسعة – أكثرية واضحة من المواطنين يعتقدون أن وضع المساواة العامّ في إسرائيل يستدعي التحسين، وهذا تقريبًا بغضّ النظر عن الموقف السياسيّ: 92% من اليسار، 77% من المركز و66% من اليمين يوافقون على أن إسرائيل يجب أن تحسّن مستوى المساواة بين مجمل مواطنيها. هذا المعطى مهمّ ويدلّ على انفتاح جديّ بخصوص تعزيز قيمة المساواة على المستوى العامّ. يجدر الذكر أنه في أوساط العرب، 86% يؤيدون الموقف القائل بضرورة تحسين مستوى المساواة. في المجمل 3 من كل 4 إسرائيليين يعتقدون أنّ الدولة يجب أن تبذل جهدًا أكبر من أجل حلّ مشكلة عدم المساواة في الدّولة.

تبدو هذه المعطيات ذات أهمية خاصة عند مراعاة الدلالات السلبية المنسوبة إلى مصطلح “حقوق الإنسان” في أوساط الجمهور. أحد التفسيرات المحتملة لهذه المعطيات هو أنّ مصطلح المساواة “مقبول” أو أقلّ وقعًا وتهديدًا على الأذن الإسرائيلية من مصطلح حقوق الإنسان.  

نحو ربع المستجوبين (26% من اليهود و12% من العرب) يعتقدون أنّه لا ينبغي توقّع أن تقوم إسرائيل بتحسين مستوى المساواة في الواقع المركّب الذي هي موجودة فيه. هذه المجموعة مكوّنة من متديّنين ومن يمينيين بنسبة عالية – وأكثريّتها من الرجال.

 

مَن يعتقد أنّ مستوى المساواة في إسرائيل معقول؟
توزّع المستجوبين الذين وافقوا على المقولة “مستوى المساواة في إسرائيل معقول مع مراعاة الواقع المركب”

statistics-2016-2

الحقوق والواجبات

على الرغم من التأييد الجديّ لتعزيز قيمة المساواة بشكل عامّ، إلا أنّه في أوساط اليهود ثمّة صلة قويّة للغاية بين الحقوق والواجبات. 82% من اليهود يوافقون على المقولة “مَن لا ينفّذ جميع واجباته كمواطن لا يحقّ له كامل الحقوق”. في أوساط المجيبين العرب كانت النسبة أدنى، لكن لا يزال هناك 53% ممّن يعتقدون أنّه يجب اشتراط تلقي كامل الحقوق بتنفيذ كامل الواجبات. حتى في أوساط الحريديم فقد وافقت الأكثريّة (61%)، رغم أنّهم متّهمون أحيانًا أيضًا بأنّهم لا ينفّذون كامل الواجبات.[3] على الرغم من الفجوات بين المجموعات، يبدو أنّ معظم السكان في إسرائيل يوافقون على المنطق الداخليّ الذي تنطوي عليه هذه المقولة، والذي ينعكس أيضًا في الإعلام وفي تصريحات منتخبي جمهور – من لا يعطي لا يجب أن ينال. أي، أكثر من ثلاثة أرباع الجمهور في إسرائيل يرفضون المفهوم الأساسي لحقوق الإنسان، الذي مفاده أنّ لكلّ إنسان حقوقًا لا ينبغي أن تكون مشروطة بأيّ شيء.

 

ب‌.    المساواة والحقوق في الحياة اليومية

بشكلٍ مفاجئ قليلاً، معظم مواطني إسرائيل (59%) لا يذكرون حالة واحدةً من التمييز تعرّضوا لها. ربّما تعكس هذه النتيجة تدنّي الوعي في الموضوع، الذي يجعل من الصعب على النّاس تحديد حالات كهذه. هذا المعطى صحيح أيضًا بالنسبة إلى الجمهور اليهوديّ (57%)، وبشكل مفاجئ أكثر بالنسبة إلى الجمهور العربيّ أيضًا (69%) (ستناول التناقضات في أوساط المجيبين العرب بشكلٍ مفصّل لاحقًا). من جهة أخرى، تعرّض في المجموع 39% لحالة واحدة من التمييز على الأقلّ بحسب الاستطلاع – نسبة عالية تدلّ على أنماط سلوكية تمسّ بقطاعات مختلفة من الجمهور في الحياة اليوميّة.

الأماكن الأساسية التي واجه فيها الأشخاص حالات تمييز هي: في مكان العمل (19%)، في زيارة لمؤسّسة عامّة (15%)، وعند القيام بمشتريات أو تلقّي خدمة ما (13%).

في أوساط الجمهور اليهوديّ هناك عدّة مجموعات تشعر بالتمييز في حالات أكثر:[4]

  • في أوساط المجيبين من أصل روسيّ – 64% (فئة إحصائية صغيرة)
  • في أوساط المستوطنين – 61% (فئة إحصائية صغيرة)
  • في أوساط المتديّنين – 51%
  • في أوساط الشرقيين – 46%

 

مَن تعرّض إلى التمييز؟

“هل كانت في السنوات الأخيرة حالة شعرت معها بالتمييز ضدّك؟”

يتبين من استطلاع الرأي أنّه حتى بعد سنوات طويلة من حكم اليمين في إسرائيل، الذي يمثّل موقف مجموعات كبيرة في أوساط المتديّنين والمستوطنين، وبقدرٍ ما في أوساط أجزاء كبيرة من الشرقيين والروس، فإنّ هذه المجموعات لا تزال تشعر بالتمييز ضدّها مقارنةً بقطاعات سكانية أخرى مثل العلمانيين (39%) والأشكناز (35%).

على الرغم من المفهوم القائم لدى المجموعات المذكورة بخصوص حالات التّعرّض للتمييز، عندما سُئلوا بشأن المجموعات التي يجب تعزيزها عبر منحها معاملة تفضيليّة، فقد كانت الإجابات مختلفة. عندما طُلب من المجيبين أن يفكّروا بسياسة فعليّة غايتها تصحيح عدم المساواة، اختارت أكثرية كبيرة بالذات تعزيز المجموعات التي يُنظر إليها على أنّها المجموعات الضعيفة الحقيقيّة في المجتمع الإسرائيليّ – الأشخاص ذوو المحدوديّات والأشخاص الذين يعيشون في ظل الفقر:

  • 55% من مجمل الجمهور في إسرائيل يعتقدون أنّه يجب منح معاملة تفضيليّة للأشخاص ذوي المحدوديّات (57% لدى اليهود، 45% لدى العرب).
  • 42% من مجمل الجمهور في إسرائيل يعتقدون أنّه يجب منح معاملة تفضيليّة للأشخاص الذين يعيشون في ظل الفقر (42% لدى اليهود، 45% لدى العرب).
  • ظهرت فجوة مثيرة للاهتمام بين الشرقيين والأشكناز: 54% من الشرقيين اختاروا “تعزيز” الأشخاص الذين يعيشون في ظل الفقر، مقابل 38% من الأشكناز.

يمكن القول كإطراء للجمهور الإسرائيلي بأنّ هذه المجموعات تدخله حقًّا للنسبويّة في كل ما يتعلّق بمصيره، وعندما تكون في صورة المقارنة، فإن أعداد كل المجموعات الأخرى تنخفض بشكل حاسم: فمثلاً، 15% فقط يعتقدون أنّ اليهود يستحقّون معاملة تفضيلية (18% لدى اليهود)، 7% يعتقدون ذلك بالنسبة للنساء، 4% يعتقدون ذلك بالنسبة للمستوطنين، و4% يعتقدون أن العرب يستحقون معاملة تفضيلية. في أوساط العرب، يعتقد 15% أنّه يجب منح معاملة تفضيليّة للعرب، وفي أوساط اليهود فإنّ %1 فقط يعتقدون ذلك.

وفي هذا السياق أيضًا – بخصوص حقوق الإنسان على المستوى اليوميّ: أفاد ربع المستجوبين أنّه مورست ضدّهم تدابير جباية اقتحاميّة في السنوات الأخيرة. أكثرية حاسمة في أوساط الجمهور في إسرائيل (75%) لم تواجهْ حالة من الجباية الاقتحاميّة مورست ضدّهم. لم تُسجّلْ بخصوص هذا المعطى فوارق بين المجموعات السكّانية المختلفة. من بين المجيبين الذين تعرّضوا لتدابير جباية اقتحاميّة، فإن المطالبات بالدفع التي اتّضح لاحقًا أنّها مطالبات خاطئة كانت الحالة الأكثر شيوعًا. هذا الأمر مثير للاهتمام وهو يؤكّد بقدر معين مفهوم ثقافة الاستهلاك الاستغلاليّة في إسرائيل.

ج. المدارك بشأن حقوق الإنسان في داخل إسرائيل

يبدي الجمهور في إسرائيل، في كل ما يتعلّق بالمساواة وبالحقوق المدنيّة، مدارك متقدّمة للغاية في مختلف المسائل مثل العلاقات بين النساء والرجال، المتدينين والعلمانيين، وبخصوص مسألة المجتمع المثليّ. فعلى سبيل المثال:

  • 80% يعتقدون أنّه يجب منح حقوق متساوية للزوجين من نفس الجنس مثل الأزواج من النساء والرجال.
  • 85% يعتقدون أنّ على الدولة توفير حدّ أدنى من الماء والكهرباء للمواطنين معدومي القدرات.
  • 69% من الجمهور يعارضون الفصل بين اليهود والعرب في أماكن عامّة
  • 79% يعارضون تقليص حضور النساء في مناسبات عامّة

“الروح التقدّمية” تبدو بشكل ملحوظ أيضًا في مسائل أخرى، وإن كان بزخم أقلّ:

  • 68% يعتقدون أنّ الشرطة يجب أن تسمح بإجراء مظاهرات هي محل اختلاف في الرأي
  • 55% يؤيدون أنه يجب أن يحصل أولاد الأجانب في البلاد على حقوق مثل الأولاد الإسرائيليين
  • 81% يعارضون أن تكون للأغنياء امتيازات في الخدمات الصحيّة
  • 56% يعارضون تقييد حريّة التعبير في قضايا تحظى بالإجماع (طُرح هذا السؤال على اليهود فقط، في سياق أمثلة كالمحرقة، هوية يهودية الدولة أو الدعوة إلى مقاطعة المستوطنات)

في سياق القيود على حرية التعبير، من المثير للاهتمام الإشارة إلى أنّ مقياس الديمقراطيّة للمعهد الإسرائيلي للديمقراطيّة لعام 2015 وجد أن نحو ربع الإسرائيليين فقط ونحو %30 من اليهود الذين استطلع رأيهم يؤيدون فرض قيود على حرية التعبير بخصوص قضايا حساسة (السؤال تطرق إلى توجيه النقد للدولة).[5] في استطلاع الرأي الحالي طُرح سؤال مختلف، يفصّل المواضيع التي يوجد (نوع من) إجماع بشأنها في المجتمع اليهوديّ (المحرقة، الهوية اليهودية للدولة ومقاطعة المستوطنات). كما يبدو، عند ذكر هذه القضايا يفضل المزيد من اليهود منع التعبير عن مواقف غير محبّذة.

كما سبق الذكر، تفضّل أكثرية الجمهور في إسرائيل إبداء مواقف متقدّمة للغاية من وجهة نظر حقوق الإنسان. لكن، ثمّة أقليّة جدية ومقلقة تؤيد مواقف معاكسة. هذه الأقليّة ليست اعتباطيّة، وإنّما تعكس شرائح مختلفة في داخل المجتمع. مثلاً:

  • 30% يؤيدون الفصل بين العرب واليهود في أماكن عامّة. في أوساط اليمينيين، ثمّة أكثرية تبلغ 52% تؤيّد مثل هذا الفصل، وفي أوساط المتديّنين القوميين – ثلثان، وفي أوساط الحريديم[6]، تبلغ النسبة نحو 80%.
  • 44%، أي نحو نصف اليهود، يؤيّدون فرض قيود على حرية التعبير في تلك القضايا الحسّاسة المفصّلة أعلاه. في أوساط اليمين تؤيد أكثرية تبلغ نسبتها 61% فرض مثل هذه القيود.
  • هناك نسبة مشابهة تبلغ 43% ممّن يعارضون أن يتلقى أولاد الأجانب كل ما يتلقاه الأولاد الإسرائيليون. هنا أيضًا ثمة أغلبية حاسمة في أوساط المتدينين والحريديم، لكن، مع ذلك، أكثر من ثلث العلمانيين (35%) و20% من العرب يعارضون هم أيضًا ذلك.
  • نحو خمس السكّان (18%) يؤيّدون تقليص بروز النساء في مناسبات عامّة من أجل مراعاة مشاعر المتديّنين، وهذا العدد متأثر في الأساس من المتدينين القوميين (37%) ومن الحريديم (أكثر من 80%).

الاختلاف في الرأي في أوساط الجمهور في إسرائيل يظهر أيضًا في ما يتعلق بكشف انتهاكات حقوق الإنسان، التي هي الحجر الأساس لأي مجتمع ديمقراطيّ:

  • أكثريّة المستجوبين في العيّنة (52%) يعتقدون أنّ مثل هذا الكشف يُضعف الدولة. 44% يعتقدون أن هذا الكشف يقوّي الدولة.
  • 51% من اليهود يعتقدون أنّ الكشف يقوّي الدولة و49% يعتقدون أنّ الكشف يُضعفها.
  • من المفاجئ رؤية أن هذا الموضوع لا يقسم المجيبين كثيرًا بحسب خطوط أيديولوجية: 39% من اليسار أيضًا يعتقدون أنّ كشف انتهاكات حقوق الإنسان تضعف الدولة، في مقابل 57% في أوساط اليمين.
  • في المقابل من ذلك، يعتقد %65 من المواطنين العرب أن كشف انتهاكات حقوق الإنسان يُضعف الدولة، في مقابل %11 ممن يعتقدون أن هذا الكشف يقوّي الدولة.

 

ما رأينا بكشف انتهاكات حقوق الإنسان؟

هل كشف انتهاكات حقوق الإنسان يُضعف الدولة أم يقوّيها؟ (%)

statistics-2016-4

د. حقوق الإنسان تحت الاحتلال العسكريّ

القضية الأساسيّة التي تبرز فيها الفجوات بين العرب واليهود وبين اليسار واليمين هي في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان في المناطق المحتلة. في هذا الموضوع، يرى كلّ من العرب واليهود الأمورَ على نحو مغايرٍ تمامًا. فمثلاً، في السؤال: “هل يتمّ الحفاظ على حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين في المناطق؟”، كانت إجابات المجموعتين السكانيّتين معاكسة تمامًا تقريبًا:

  • 86% من اليهود يعتقدون أنّ إسرائيل تحافظ على حقوق الإنسان الخاصّة بالفلسطينيين في المناطق، ونحو نصف هؤلاء واثقون بأنها تحافظ على حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطيني بشكل تامّ.
  • في المقابل، يعتقد 15% من العرب فقط أن إسرائيل تحافظ على حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين في المناطق. في هذا السياق، نشير إلى أنّ نحو 36% من العرب لم يعبّروا عن رأيهم بالموضوع.

هذا السؤال أظهر اختلافًا بين اليمين والمركز من جهة وبين اليسار من جهة أخرى: أكثرية ساحقة تبلغ 95% من أوساط اليمين و80% من أوساط المركز يعتقدون أن إسرائيل تحافظ على حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين في المناطق، حيث أن مؤيدي المركز واليمين يتّفقون، بهذا الشكل أو ذاك، مع الموقف القائل بأن إسرائيل عادلة ومحقة وتبذل أقصى جهودها مع مراعاة “الظروف”. في المقابل، يعتقد 40% فقط من مؤيّدي اليسار ذلك. وتمّ الحصول على جواب مختلف قليلاً عن هذا السؤال عند التقسيم حسب مستوى التديّن:

  • علمانيّون – 76%
  • محافظون – 90%
  • متديّنون – 98%
  • حريديم – 100%

يبدي المستجوبون اليهود حساسيّة أعلى تجاه انتهاك حقوق الإنسان الخاصة بالمستوطنين في المناطق. في هذا الشأن سُئل المستجوبون عن ممارسات عينيّة ضد الفلسطينيين وضد المستوطنين وطلب منهم تقييم ما إذا كانت هذه الممارسات تشكّل انتهاكًا لحقوق الإنسان:

  • تجاه الفلسطينيين: “فرض قيود على حركة السكان الفلسطينيين في المناطق وهدم بنى تحتيّة أو بيوت تابعة لعائلات مخرّبين”
  • تجاه المستوطنين: “فرض قيود على بناء بلدات يهودية في الضفة الغربية، اعتقال إداريّ لمشتبه بهم يهود وإمكانية إخلاء بلدات كما في غزة”

طُلب من المستجوبين أن يدلوا برأيهم بشأن ما إذا كانت دولة إسرائيل تنتهك، بمثل هذه الممارسات، حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين والمستوطنين، وهل هذا الانتهاك مُبرّر أم لا. التقسيم لدى اليهود كان على النحو التالي:

 

ststistics-2016-3

ممارسات ضدّ الفلسطينيين ممارسات ضدّ المستوطنين
ليس هناك انتهاك / يوجد انتهاك 14 / 56 40 / 18
مبرّر / غير مُبرر 9 / 56 11 / 51

يمكن تلخيص الجدول أعلاه كما يلي: أكثرية جارفة من اليهود يعتقدون أنّ ممارسات الدولة ضدّ الفلسطينيين لا تشكّل انتهاكًا لحقوق الإنسان، في المقابل فإنّ أكثر من النصف اليهود بقليل يعتقدون أنّ الممارسات المشابهة ضدّ المستوطنين تشكّل انتهاكًا لحقوق الإنسان. أكثرية ساحقة من اليهود يعتقدون أنّ مثل هذه الممارسات ضد الفلسطينيين مبرّرة، في المقابل فإنّ أكثر من نصف اليهود بقليل يعتقدون أنّ الممارسات المشابهة ضد المستوطنين هي مبررة. ليس ثمّة تناقض حقيقيّ هنا: على ما يبدو، لأنّ الممارسات ضد الفلسطينيين لا تُعتبر انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، ومن المنطقي والسهل تبريرها (أو على العكس: في نظر المجيبين، لأنّ الممارسات مبرّرة فهي لا تُعتبر في تعريفها انتهاكًا لحقوق الإنسان).

بخصوص الممارسات ضد المستوطنين، فإنّ المعطيات أكثر تعقيدًا: هناك أكثرية بسيطة تعرّف الممارسات كانتهاك حقوق، وفي الوقت ذاته هناك أقلية بسيطة تبرّرها أيضًا. من الجدير بالذكر أن نسبة عالية ممن يبررون الانتهاكات ضد المستوطنين مصدرها هو المركز واليسار: نسبة عالية من المجيبين في كلتا المجموعتين تفيد بأنّ الممارسات ضد المستوطنين لا تشكّل انتهاكًا لحقوق الإنسان وهي مبررة أيضًا. في أوساط المركز يحظى هذا المعطى بأهميّة خاصّة – إنّه يعكس فهم إسرائيل الذي كان “ذات مرّة”: إسرائيل محقة غالبًا (أي في السؤال، هل تحافظ الدولة على حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين)، إلا أنّ المستوطنين ينتهكون الأمور المتّفق عليها ويثيرون الشّغب، ولذلك ثمّة ما يبرّر انتهاك حقوقهم. للتّلخيص، المواقف لا تبدو كما لو أنّها نابعة من مفهوم متقدّم لحقوق الإنسان، وإنّما من منطلق ما هو أفضل للدّولة (في نظر الأشخاص الذين يبرّرون هذه الممارسات).

 

اليسار والمركز يبرران إجراءات ضدّ مستوطنين

هل الممارسات أعلاه ضد المستوطنين تنتهك حقوق الإنسان، وهل هي مبررة؟ نسبة المجيبين لا تنتهك + مبرّرة

 

كما هو متوقّع، يكشف تحليل السكان العرب في سياق هذه الأسئلة صورةً أخرى:

ممارسات ضدّ الفلسطينيين ممارسات ضدّ المستوطنين
ليس هناك انتهاك / يوجد انتهاك 14 / 56 40 / 18
مبرّر / غير مُبرر 9 / 56 11 / 51

يمكن أن نرى لدى العرب تماهيًا أكبر مع انتهاك حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين. بخصوص تبرير الانتهاك، يبدي العرب بالذات وجهة نظر أكثر شموليّة وأقلّ قبليّة: أكثر من نصف المجيبين يعتقدون أنّ انتهاك حقوق الإنسان لا يمكن أن يكون مبرّرًا، بغضّ النّظر عمّا إذا كان موجّهًا ضدّ الفلسطينيين أو ضدّ المستوطنين. تجدر الإشارة هنا إلى أن حوالي ثلث العرب أجابوا أنّهم لا يعرفون، أو فضّلوا عدم الإجابة عن هذا السؤال (سنتناول لاحقًا الإجابات التي قدّمها المجيبون العرب بقدرٍ من التوسّع).

برز في هذه الأسئلة أيضًا الاختلاف العميق بين اليمين واليسار، وهو ينعكس جيدًا في الجداول التالية، التي تُجري تصالبًا بين تقاطعين من الإجابات عن الأسئلة: الممارسات تنتهك حقوق الإنسان وهي غير مبررة، والعكس: الممارسات لا تنتهك حقوق الإنسان وهي مبررة:

نسبة مَن يعتقدون أنّ هناك انتهاكات والممارسات غير مبرّرة:

ضدّ الفلسطينيين ضدّ المستوطنين
اليمين 0 59
المركز 5 14
اليسار 35 9
المجموع 7 39

 

نسبة مَن يعتقدون أنه ليس هناك انتهاكات والممارسات مبرّرة:

ضدّ الفلسطينيين ضدّ المستوطنين
اليمين 89 20
المركز 65 59
اليسار 31 58
المجموع 62 35

 

في هذا الموضوع يمكن أن نرى أنّ المركز أقرب في مواقفه من اليسار تحديدًا، في مقابل موقف اليمين القاطع، الذي لا يعتبر في الغالب الممارسات ضدّ الفلسطينيين انتهاكات لحقوق الإنسان، وهو يبررها في أيّ حال. التعامل مع ما يتمّ القيام به في المناطق لا يزال يشكّل الخط الفاصل بين اليسار واليمين في إسرائيل – في حين يؤيد “المركز” “اليمين” حينًا و”اليسار” حينًا آخر.

هـ. الملخّص

في الإمكان القول عمومًا إنّ خطاب حقوق الإنسان في إسرائيل غير مستقرّ ويتّسم بتناقضات في ظاهره. وينعكس هذا الأمر في عدّة جوانب، مثل الربط القويّ نسبيًّا بين تنفيذ الواجبات والحصول على الحقوق. ثمّة أيضًا علاقة قويّة بين درجة التديّن، المواقف السياسيّة والقوميّة في كلّ ما يخصّ حقوق الإنسان، ويكشف هذا الموضوع فجوات كبيرة في المجتمع. في المقابل، ثمّة إجماع واسع النطاق بشأن تأييد الحقوق الاجتماعيّة – كسب الرزق، السكن، التعليم والصحّة، ومردّ ذلك كما يبدو إلى انعدام الأمن الاجتماعيّ-الاقتصاديّ الذي يعاني منه جزءٌ كبير من الجمهور.

المجتمع في إسرائيل عمومًا يظهر توجّهًا أساسيًّا تقدّميًّا نسبيًّا في قضايا مدنية مثل تعزيز المساواة بشكلٍ عامّ، الاعتراف بعدم المساواة بين اليهود والعرب، معارضة الفصل والإقصاء، حقوق مجتمع المثليّين والمثليّات، معارضة فرض قيود على حريّة التعبير (أكثرية بين اليهود الذين طُرح السؤال عليهم)، واجب الدولة في الاهتمام بمستوى معيشة لائق للأشخاص المعدومي الحيلة ومعارضة منح الأغنياء امتيازات. رغم الحساسيّة والمعارضة الملحوظة في الخطاب العامّ، الموجّهة ضدّ مصطلح “حقوق الإنسان” (كما يتبيّن من استطلاعات رأي أخرى)، فإنّ قرابة النصف يؤيّدون ضرورة كشف انتهاكات حقوق الإنسان كوسيلة للإصلاح.

لكنّ النظرة إلى الاحتلال والصراع تحسم الكثير من المواقف المتعلقة بالمساواة وبحقوق الإنسان، لا بل تطغى عليها. الصّراع هو الأساس الأخلاقي في عيون اليهود لانتهاكات حقوق الإنسان الفلسطينيّ، ويبدو أنّ أكثريّة المُجيبين اليهود يقبلون ويبرّرون هذا الوضع.

بخصوص إجابات العرب على الاستطلاع، تجدر الإشارة إلى عدد من التبصّرات: في القضايا الأكثر حساسيّة – مثل حالات التعرّض للتمييز والأسئلة عن المناطق المحتلة وعن انتهاكات حقوق الإنسان – قدّمت نسبة كبيرة من المجيبين إجابات غير متوقعة أو أنهم امتنعوا عن الإجابة. ويبدو أن هذه الظاهرة ترتبط بالتوتر المتزايد بين اليهود والعرب في إسرائيل في السنوات الأخيرة، والذي يردع المجيبين العرب عن الإجابة عن أسئلة حساسة. من خبرة مُعدّة هذا الاستطلاع، يتزايد في السنة الأخيرة التخوّف لدى المواطنين العرب من الوصول إلى المدن اليهودية، وحتى إلى مركز البلاد، وهناك توجه عام لديهم للتهرّب من الأسئلة الحسّاسة في استطلاعات الرأي.

يشتمل هذا الاستطلاع على معطيات يمكنها أن تحفّز النقاش العام حول المساواة، وحول تبرير انتهاكات حقوق الإنسان أو معارضة انتهاكها. يثير الاستطلاع أسئلة حول العلاقة بين الرغبة الواضحة لدى الجمهور في تحقيق الحقوق الاجتماعيّة والمساواة وبين تطبيقها الفعليّ المتدنّي نسبيًّا. كذلك، يشير الاستطلاع أيضًا إلى أنّه ينبغي العمل على تعزيز قيم حقوق الإنسان بين السكان الذين يميلون إلى رفض هذه القيم: المتديّنون والحريديم، اليمينيون، وفي حالة الحقوق المدنيّة – العرب، أيضًا. إلى جانب ذلك، لا ينبغي إهمال الجمهور العامّ كهدفٍ لتعزيز قيم المجتمع المنفتح. يطرح الاستطلاع اتجاهات وتوجّهات ينبغي الاستمرار في متابعتها، ونحن نأمل أن نستمرّ في إجرائه كلّ سنة من أجل تحفيز النقاش العامّ، وكأداة إضافية تتيح لنا تعزيز حقوق الإنسان في إسرائيل.

 

[1] مجموعات اليمين، المركز واليسار ترتكز على التعريف الذاتي لمجمل المستجوبين في الاستطلاع، اليهود والعرب على السواء. مع ذلك، نسبة عالية جدًّا من العرب لم يعرّفوا أنفسهم مع أيّ موقف أيديولوجي (62%)، وبالتالي فإنّ التقسيم إلى يمين، مركز ويسار يسري على الجمهور اليهوديّ في الأساس.

[2] التقسيم إلى متديّنين، حريديم، علمانيين ومحافظين يتطرّق إلى اليهود فقط. تمّ تقسيم العرب بشكل مختلف، لكن لم يُلاحظ أيّ تأثير تقريبًا لمدى التديّن على مواقفهم.

[3] يجدر الذكر أنّ عدد الحريديم الذين تمّت مقابلتهم في هذا الاستطلاع هو قليل، حوالي 60 مستجوبًا، ولذلك فإنّ المعطيات تعكس توجّهًا عامًّا فقط وليس معطًى دقيقًا.

[4] طُلب من المجيبين اليهود أن يختاروا تعريفًا ملائمًا لهم بخصوص أصلهم: أشكنازيّ، شرقيّ، من أصل إثيوبيّ، من أصل روسيّ، إسرائيليّ فقط، إسرائيليّ من أصل مختلط. يجدر الذكر أنّ عدد المشاركين في قسمٍ من المجموعات كان قليلاً، ولذلك فإنّ المعطيات تعكس توجّهًا عامًّا فقط وليس معطًى دقيقًا.

[5] ص. 77 في تقرير المعهد للديمقراطية. صيغة سؤال المعهد هي: “يجب منع مواطني إسرائيل، عبر القانون، من التّعبير على الملأ عن نقد حادّ ضد الدّولة” (أوافق/لا أوافق).

[6] فئة إحصائيّة صغيرة.

Share and Enjoy:
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Facebook
  • Print
  • email

קטגוריות: الحق في التربية والتعليم, الحق في الصحة, الحق في اللغة والثقافة, الحق في المساواة, الحق في المسكن اللائق, حقوق مدنيّة

مفتاح :.

Comments are closed.