طالي نير – نائبة المديرة العامة في جمعية حقوق المواطن
إحدى أصعب التجارب التي مررتُ بها في المدرسة الابتدائيّة كانت المقاطعة المتواصلة التي قمنا بها ضدّ إحدى الطالبات في الصفّ، هكذا بدون أيّ سبب، إلا لأنّ ملكة الصفّ قرّرت ذلك. لا أعرف حتى اليوم إن كانت قد اتخذتْ هذا القرار لأنّ تلك البنت كانت شرقيّة أو لأنّها كانت أفضل طالبة في الصفّ. استمرّتْ هذه المقاطعة نحو ثلاث سنوات ولم يتفوّه أيٌّ من المعلّمين أو أولياء الأمور بشيء عن ذلك. عندما كبرنا قليلاً وبلغنا الصّفّ السادس تبلور لديّ الإدراك بأنّنا ارتكبنا أمرًا فظيعًا. تمرّدتُ على المقاطعة، طلبتُ المغفرة من تلك البنت المُقاطَعة وأصبحت أعزّ صديقة لي. حتى اليوم لا يزال من الصعب عليّ أن أفهم لماذا لم يتدخّلْ أيّ شخصٍ من الأشخاص البالغين. المعلّمون رأوا ذلك وسكتوا. والأهالي تجاهلوا الأمر.
الصفّ هو صورة مصغَّرة للعالم بالنسبة إلى الأطفال. فيه يتعلّمون كيف يتصرّفون من ناحية اجتماعيّة. وما يفهمون أنّه مقبولٌ أو لا يأخذونه معهم إلى الحياة الواسعة خارج المدرسة. وبالطبع فإنّ القيم التي يتعلّمونها في البيت لا تقلّ أهميّة عن تلك التي يتعلّمونها في المدرسة.
التربية تبدأ من سنّ الولادة. أظهرت الأبحاثُ التي أجريتْ في العالم أنّه منذ سنّ سنتين-ثلاث سنوات يدرك الأطفال الصّغار الفوارق العرقيّة، وكثيرون منهم حتى يعبّرون عن تفضيلهم العرقيّ. كيف يحدثُ ذلك؟ يحاول الأطفال الصغار أن يوضّحوا لأنفسهم كيف يعمل العالم طوال الوقت، حتى عندما يختار البالغون الصمت. الإقصاء، التمييز والمقاطعة على أسس مختلفة قائمة في كلّ صفّ وحتى في كلّ روضة. إذا تجاهل البالغون ذلك ولم يواجهوه، يفهم الأطفال أنّ هذا الأمر جيّد، وأنه سلوك مقبولٌ.
إذا تلقى الأطفال إرشادًا وتوجيهًا بأنّ هناك فوارق بين بني البشر، رسالة من الفخر بوجود هويّات مختلفة، وتمّ شجب العنصريّة بمختلف أشكالها، فسوف تكون النتيجة مختلفة. إن قبول الآخر في الروضة أو في الصّفّ، يجعل الأطفال أكثر انفتاحًا على مَن هم مختلفون عنهم في الخارج، أيضًا.
على الرغم من أننّا جميعًا متفقون على أنّ “كلّ شيء يبدأ بالتربية”، فإنّ التربية ضدّ العنصريّة في إسرائيل لا تزال في بداياتها الأولى فحسب. وزارة التربية والتعليم لا تتعامل مع موضوع التربية ضدّ العنصريّة بشكلٍ مباشر، ولا توجّه الحضانات والمدارس لمعالجة الموضوع. على الرّغم من أنّ كثيرين منّا يصابون بالهلع في كلّ مرة يُنشَر فيها بحث يشير إلى ارتفاع آخر في مستوى العنصرية، فإن النقاش الجماهيريّ العامّ يكاد لا يولي اهتمامًا بمسؤوليتنا نحن عن ذلك وبما يفعله جهاز التعليم من أجل مكافحة العنصريّة.
العنصريّة هي عنف. إنّها لا تقلّ إيلامًا عن تلقّي الضربات. لذلك، فإنّ تعاملنا معها يجب أن يكون حاسمًا وجازمًا، تمامًا مثل تعاملنا مع حالات العنف. ومن أجل مساعدة معلّمات الروضة ومعلّمات المدرسة، نشرت جمعيّة حقوق المواطن، مؤخّرًا، كتابًا بعنوان “التربية ضدّ العنصريّة من سنّ الروضة وحتى الثانويّة”، وفيه تقترح خبيرات وخبراء من مجال التربية أدوات عمليّة لمواجهة السلوكيّات العنصريّة في الصفّ والروضة، وطرائق متنوّعة للتربية ضدّ العنصريّة حتى في المواضيع الدراسيّة التي تُعتبر كما لو أنّها غير ذات صلة بهذا الموضوع، مثل الإنجليزية، الرياضيّات والعلوم.
هذا غير كافٍ طبعًا. فلكي تتحوّل المدارس من مصانع للعلامات إلى مكانٍ تتمّ فيه التربية على القيم، يجب على وزارة التربية والتعليم أن يتبنّى خطّة شاملة للتربية ضدّ العنصريّة. ونحن الأهالي أيضًا، هناك ما نستطيع أن نفعله في هذا الموضوع. ومنها شجب مظاهر التمييز، التعبير عن الدفء والمحبّة للأطفال الذين يُقصيهم المجتمع تحديدًا، وللدمى من مختلف الألوان، والاهتمام بوجود شخوص متنوّعة في الألعاب.
وهناك أيضًا قصص للأطفال. من “شقة للإيجار” حتى “عائلة موميمينيم” (משפחת המומינים)، من سلسلة “أطفال العالم” وحتى قصّة “البطة القبيحة”، ومن “طلعة الصلعان” (מעלה קרחות) وحتى “كوخ العمّ توم” (تجدون في موقع جمعية حقوق المواطن توصيات إضافيّة لكتب الأطفال المُفضّلة). تعرّف هذه القصص الأطفال على واقع آخر غير الواقع المألوف لهم، وفيه لا يعتبر أيّ كائن غريبًا وكلّ تصرّف يُقابل بتعاطف من قبل الآخرين. بعض هذه القصص يناقش أيضًا الصراعات على خلفية عنصريّة، حتى لو كان ممثلو العنصرية هم نملة، بطّة، أو مجموعة من الصّلع. مثل هذه الكتب هي نقطة انطلاق جيّدة للخوض في محادثة، وهي تتيح للأطفال تطوير تفكير مستقلّ ونقديّ.
اليوم العالمي لمكافحة العنصريّة يذكّرنا جميعًا – نحن البالغين المهمّين بالنسبة للأطفال سواء في الصفّ أو في البيت – بأنّ علينا مسؤوليّة نقل الرسالة الحاسمة والملحّة: نقول لا للعنصريّة.