المحامية روني بيلي*
أثارت تصريحات سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، دان شبيرو، بأنّ “هناك معيارين اثنين لتطبيق سلطة القانون في الضفّة الغربيّة المحتلة” – واحد للفلسطينيين، والأخر للمستوطنين اليهود، ضجّة كبيرة في الساحة السياسيّة المحليّة والعالميّة. الا ان اقوال السفير هذه، على اهميّتها، تتطرّق فقط لجزء واحد من الازدواجية في الحكم التي تنتهجها قوّات الاحتلال في الضفة الغربيّة المحتلة، والتي بالإضافة لازدواجيتها في معايير تطبيق القوانين، تخضع سكّان الضفّة الى جهازين قضائيّين مختلفين على اساس انتمائهم القوميّ: الجهاز القضائي العسكريّ للفلسطينيّين والجهاز القضائيّ الإسرائيليّ المدنيّ للمستوطنين.
أجزاء كبيرة من سجلّ القوانين الإسرائيليّة تطبّق على المواطنين الإسرائيليين في المناطق المحتلة، في حين يسري على الفلسطينيين جهاز قضائيّ عسكريّ. تقرير جمعيّة حقوق المواطن الذي صدر قبل ما يزيد عن سنة، وكان عنوانه “نظام حكم واحد– جهازان قضائيّان” وهو متوافر بصيغته الكاملة على الإنترنت، يُفصّل الخطوات التشريعيّة التي أدّت إلى هذا الوضع. فالمستوطنون – الاسرائيليون يسكنون في منطقة خاضعة لسيطرة القائد العسكريّ، لكنّهم فعليًّا يحصلون على معظم الحمايات، الحريّات والحقوق التي يتمتّع بها مواطنٌ يعيش في دولته. صحيحٌ أنّ المستوطنين لا يسكنون رسميًّا داخل حدود دولة إسرائيل، إلا أنّ بإمكانهم أن يُصوِّتوا ويُنتخَبوا للكنيست، وبالتالي ممارسة التأثير على القرارات المتعلّقة بحياتهم. أمّا جيرانُهم الفلسطينيّون، الموجودون تحت سلطة القائد نفسه، فإنّهم قابعون تحت نظام عسكريّ محتل، قولاً وفعلاً، دون أن يتمتّعوا بأيّ قدرة للتأثير على أولئك الذين يُسيطرون على حياتهم. كما لا يوجد في القوانين العسكريّة السّارية عليهم أيّ ذكر لتلك الحريّات والحقوق، حتى في المجالات التي لا علاقة لها بالأمن أبدًا.
مضمون هذه الاختلافات جسيم. لنفترض أنّ إبراهيم وأبراهم، وكلاهما من سكّان مدينة الخليل، تشاجرا في جوار منزلهما وتمّ اعتقالهما. سيتمّ جلب أبراهم إلى مركز الشّرطة القريب، وسيحقّق معه شرطيّ على الفور، ثمّ سيتمّ تقديمه للمحاكمة في غضون 24 ساعةً في محكمة الصّلح في القدس. في الجلسة، تقرّر المحكمة أنْ تأمر بالإفراج عنه بكفالة؛ هنا لا يجري الحديث عن قضيّة خطيرة بشكلٍ خاصّ. أمّا إبراهيم، جاره الفلسطينيّ، فسوف يُعتقل لمدّة 96 ساعة. ثمّ سيخضع للتحقيق، عمليًّا، مرةً واحدة فقط خلال هذه الفترة بشبهة الاعتداء على خلفية قومجيّة، وهي تُعتبر مخالفة أمنّية، وسيتمّ توجيه التهمة له ومحاكمته أمام محكمة عسكريّة، حيث من المتوقع أن تُفرض عليه عقوبة السجن لفترة طويلة.
في القانون العسكريّ هناك مخالفات جنائيّة أو أمنيّة لا تظهر أبدًا في القانون الإسرائيليّ، كانتهاك حظر التجوّل مثلاً، وبذلك فلا يُمكن أن يتّهم بهذا الانتهاك سوى الفلسطينيّين فقط. كذلك، هناك فجوة في درجة العقوبة حتى في المخالفات القائمة في كلا التشريعين. فعلى سبيل المثال، العقوبة المفروضة على الإسرائيليّ من الضفّة الذي يُدان بالاعتداء تصل حتى سنتين من السّجن، في مقابل خمس سنوات من السجن للفلسطينيّ. في حال وقوع اعتداء أدّى إلى إصابة فعليّة، فإنّ عقوبة الإسرائيليّ تصل حتى خمس سنوات من السجن، مقابل سبع سنوات من السجن للفلسطينيّ. هذا الاختلاف قائمٌ أيضًا عند الحديث عن شخصين يسكنان في المكان ذاته، وارتكبا المخالفة ذاتها. الهويّة القوميّة للمشتبه به أو للمتّهم هي التي تحدّد الحكم الذي سيسري عليه ولمَن ستكون صلاحية المقاضاة بخصوصه. الفلسطيني المتّهم بارتكاب مخالفة في المناطق المحتلة، سيُحاكم دائمًا بموجب القانون العسكري الصارم وأمام محكمة عسكريّة، في حين تتمّ محاكمة المستوطنين أمام المحاكم في إسرائيل وبموجب قوانين دولة إسرائيل الديمقراطيّة!
الاختلافات في القانون لا تقتصر على القانون الجنائيّ. وهي تمكّن السيطرة العسكريّة في المناطق المحتلة من تخطيط المستوطنات وتطويرها، لكنّها ترفض أن تربطَ بشبكة المياه والكهرباء قرى كثيرة في المناطق المحتلة التي تقبع تحت سيطرة إسرائيليّة كاملة. الحكم العسكريّ لا يمنح الفلسطينيين الحقّ في الاحتجاج ويفرض قيودًا صارمة على حرية تنظّمهم السّياسيّ. حتى العقوبات التي تفرضها شرطة إسرائيل على مخالفات السير في المناطق المحتلة تكون أشدّ صرامةً عندما يتعلّق الأمر بالفلسطينيين.
التمييز بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الذين يعيشون في المنطقة ذاتها وتحت الحكم ذاته، ليسَ أمرًا محدّدًا ومحصورًا. وهو يسري أيضًا على العديد من المجالات التي لا علاقة لها بالأمن إطلاقًا، ويُفرَض من الأعلى من قبل الحكومة. مثل هذا الواقع لا يُتيح حتمًا تطبيق سيادة القانون ومبدأ المساواة أمام القانون. ولا يمكن لهذا التمييز ولهذه الازدواجية ان تنتهي الاّ بانهاء الاحتلال.
*الكاتبة هي محامية في قسم حقوق الإنسان في المناطق المحتلّة في جمعيّة حقوق المواطن.