يشكل التخطيط والبناءالمنظم آلية ضرورية وهامة لتنظيم حياة السكان في الدول المتقدمة، على التخطيط أن يلبي حاجة السكان ويعمل على تأمين الفرص لتطوير التجمعات السكنية بكافة المجالات، بما فيه، توفير أماكن سكن للأجيال الشابة وتطوير البنى التحتية والخدمات العامة، والمناطق الصناعية، الخ. مما لا شك فيه أن على التخطيط الموضوعي أن يأخذ بعين الاعتبار البناء القائم مع محاولة إيجاد حلول تخطيطية تضمن تطويره.
إلا أن سياسات وقوانين التخطيط والبناء في القرى والمدن العربية، تحولت إلى أداة في يد السلطة الإسرائيلية للسيطرة على الأراضي العربية وتركيز الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل في اصغر رقعة أرض ممكنة. منذ العام 1948 وحتى اليوم مازال موضوع السيطرة على الأرض ومنع نقل ملكيتها إلى العرب، الهاجس الأول لدى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، مستخدمة في سبيل تحقيق ذلك، أساليب عديدة تبدو في ظاهرها موضوعية إلا أنها في حقيقة الأمر عنصرية وتخدم سياسات تهويد الحيز.
تفتقر القرى والمدن العربية إلى خرائط هيكلية مصدقة، تمكن ساكنيها من استصدار تراخيص للبناء على أراضيهم. حيث أن إجراءات المصادقة على الخرائط الهيكلية تستمر لفترات طويلة قد تتعدى في بعض الأحيان أل 10 سنوات، وخلال هذه الفترة يمنع المواطن العربي من البناء بحجة عدم الانتهاء من إجراءات المصادقة على الخرائط.عملياً تجميد التخطيط على هذا النحو هو السبب المباشر للبناء غير المرخص، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال تجميد حياة المواطن الفلسطيني إلى حين الانتهاء من إجراءات التخطيط.
تعرض مؤسسات التخطيط مشكلة البناء غير المرخص في القرى العربية على أنها مشكلة مواطنين عرب لم يعتادوا النظام والتخطيط، غير قادرون على التَكيُف مع الحياة المُتمدنة ولديهم الرغبة بالتحايل على قوانين الدولة والتملص من دفع الضرائب والمستحقات مقابل الخدمات والبنى التحتية التي توفرها الدولة لمواطنيها، فقاموا بالبناء العشوائي دون استصدار تراخيص ملائمة، الأمر الذي يَضُر بالمصلحة العامة ولذلك يستوجب تغريم المواطن الخارج عن القانون، وهدم المبنى الذي شيده وتحميله نفقات هدمه، لردع غيره ممن قد يتطاولون على سلطة القانون.
بيد أن البناء غير المرخص في المدن والقرى العربية هو نتيجة حتمية للممارسات والسياسات والقوانين العنصرية الإسرائيلية، ومنها عدم التصديق على خرائط هيكلية للبلدات العربية، مصادرة الأراضي العربية وعدم الاعتراف بوجود قرى وتجمعات سكنية عربية قائمة قبل وضع قوانين التخطيط والبناء وحتى قبل قيام دولة إسرائيل والتي تحولت بمجرد المصادقة على هذه القوانين، بين ليلة وضحاها، إلى مباني غير قانونية، الأمر الذي هيئ الذريعة القانونية للمطالبة بهدمها.
في قرية مجد الكروم على سبيل المثال، لم يصادق على خارطة هيكلية واحدة طوال ما يزيد عن 20 سنة، مسطحات القرية آخذه بالتقلص، وبالمقابل عدد سكانها آخذ بالتضاعف. 65% من الوحدات السكنية في القرية شيدت دون ترخيص بالبناء، ويعيش أصحابها تحت وطأة التهديد بالهدم، بالإضافة إلى الأعباء المالية التي تتكبدها العائلة نتيجة دفع الغرامات، التي في العادة تزيد عن تكلفة إقامة البيت نفسه.
منع توسيع مسطحات القرية، يضطر السكان إلى البناء داخل القرية على حساب المسطحات المخصصة للمنشآت العامة والشوارع وغيرها، مما يزيد من حدة الاختناق الذي تعانيه القرية ويقلل من جودة الخدمات التي يتلقاها المواطن العربي في بلدته.
المحامي عوني بنا من جمعية حقوق المواطن، “النتيجة الحتمية أن يبني المواطن دون رخصة لان ممارسات الدولة وقوانينها العنصرية هي التي وضعته في خانة المخالف للقانون، وعلى الدولة العمل على إيجاد الحلول الملائمة لمشكلة الأبنية غير المرخصة في القرى العربية”
جمعية حقوق المواطن؛ تطالب مؤسسات التخطيط مطالبة بتعليق تنفيذ أوامر الهدم حتى يتم توفير حلول للأزمات السكنية والتخطيطية في القرى العربية والتي تتماشى مع الاحتياجات الحقيقية للسكان.
فيما يلي شريط مصور قصير يستعرض قضية الأرض والمسكن في قرية مجد الكروم كمثال وليس للحصر، أعدته جمعية حقوق المواطن بمناسبة الذكرى أل 32 ليوم الأرض”