قانون برافر- بيغن: أين الجماهير العربية ولماذا نضالنا غير مرئي؟

المحامية راوية ابو ربيعة

قضيّة عرب النقب ليست قضائية، بل بالدرجة الاولى سياسية ذات إسقاطات كبيرة على الوجود الفلسطيني في الداخل وعلى الحيز العام في النقب. ولذلك المعادلة لصياغة الحل يجب ان تعتمد على مبدأ الاعتراف بجميع القرى العربية في النّقب بدون استثناء والاعتراف بحقوق الملكية الكاملة على الاراضي.

“قانون برافر – بيغن”: قانون إسرائيلي عنصري جديد، أُقر في حزيران 2013، بالقراءة الأولى وهو قانون تهجيري لمصادرة اراضي العرب في النقب وترحيلهم، حيث صوّت لصالح اقتراح القانون 43 عضو كنيست و40 عضوًا عارضوا المشروع. 
يشرعن القانون تهجير 40 ألف عربي من سكان القرى العربية البدوية في النقب وهدم وتدمير قراهم، بهدف اقتلاعهم من أرضهم. ويعني تنفيذ هذا المخطط مصادرة 90 في المائة مما تبقى من أراض بأيدي عرب النقب. وينص القانون على تحديد وتقليص المنطقة التي سيتم منح عرب النقب “أراض بديلة” فيها لمن تعترف الدولة بملكيتهم للأرض. ويهدف القانون كذلك إلى تفكيك المجتمع العربي البدوي ووضع أكبر عدد منهم بأقل مساحة على الأرض، من خلال فرض نظام حياتي لم يختاروه لأنفسهم بعيدا عن أعمالهم المعتادة، ومصادرة معظم أراضيهم.
يحدد القانون فترة ثلاث سنوات “لتسوية” مسألة الملكية وفي نهاية هذه الفترة سيتم تسجيل كل الأراضي التي لم يتعاون مالكوها مع السلطات على اسم الدولة. لا يعترف القانون بالحقوق التاريخية لعرب النقب على أراضيهم، ويتجاهل كليا حقيقة كون الغالبية الساحقة من هذه القرى قائمة في أماكن تواجدها التاريخية قيل قيام الدولة عام 1948. يشكل تشريع هذا القانون إحدى أخطر الخطوات المتعاقبة والمتزامنة التي اوصى بها طاقم برافر لتسوية سكن العرب في النقب: تسوية ملكية الأراضي من خلال تشريعات في الكنيست؛ ترتيبات تخطيطية جديدة؛ وإطار مؤسساتي وإداري جديد يشمل آليات تطبيق وفرض جديدة ومكثفة.
هذا الإجراء الذي يُغيّر بنحو حادٍ الواقع المعيشي لعرب النقب سينفّذ بدون إشراك سكان القرى غير المعترف بها، لا بل إن تطبيق الخطة يستند إلى حل قسري، وتنفيذ إجراءات أحادية الجانب. اقتراح القانون ينتهك بشكل قاسٍ حقوق عرب النقب والتي من بينها: الحق في المساواة والحق في الكرامة والحفاظ على أسلوب المعيشة والثقافة والحق في المسكن اللائق. 
إن مشروع القانون هذا يحمل في طياته الكثير من المعاناة لأهالي النقب وهو مجحف بحقهم، ولا يصادر فقط أرضهم وبيوتهم، بل يصادر حريتهم في العيش الكريم. كما ان الحكومة الاسرائيلية تثبت وبأذرعها المختلفة أنها تعمل بخطى حثيثة على احداث نكبة ثانية للأهل في النقب، عدا عن أنها تتعمد إهمال عرب النقب ومنذ عشرات السنين وتمتنع عن تقديم الخدمات الأساسية والبنى التحتية اللازمة للعيش بأدنى مقومات الحياة في بيوتهم بأمان واطمئنان.
قضيّة عرب النقب ليست قضائية، بل بالدرجة الاولى سياسية ذات إسقاطات كبيرة على الوجود الفلسطيني في الداخل وعلى الحيز العام في النقب. ولذلك المعادلة لصياغة الحل يجب ان تعتمد على مبدأ الاعتراف بجميع القرى العربية في النّقب بدون استثناء والاعتراف بحقوق الملكية الكاملة على الاراضي.
نحن ندرك تماما اننا لا نتحدث عن سياق حقوقي، الذي من خلاله كان من الممكن ممارسة الحقوق الدستورية لعرب النقب كمجموعة قومية اصلانية ذات ميزات خاصة يحميها القانون الدولي. هنا يدور الحديث عن سياق استعماري يِنظر الى المواطن العربي الفلسطيني بعدوانية ويستهدف اخلاءه من مكان سكنه التاريخي وتركيزه في حيز جغرافي محدود وذلك بهدف اقامة بلدات يهودية على انقاض القرى العربية، بكلمات اخرى تطهير عرقي ونكبة جديدة. لذا الآليات القانونية محدودة التأثير ولا تكفي للتصدي لمثل هذه المخططات ويجب ارفاقها بعمل سياسي مكثف. 
والسؤال الذي يطرح هل النضال السياسي يحقق اهدافه ام علينا ان نعيد النظر بآلياته وأساليبه الحالية؟ هنالك خطوات احتجاجية مختلفة ضد مخطط برافر مثل المظاهرات او الاضرابات العامة ومن بينها الاضراب العام المخطط ليوم الاثنين القادم. وبالرغم من ذلك نضالنا غير مرئي ولا يخلق الحماس الكافي للنضال من اجل هذه القضية في الشارع العربي (جنوبا وشمالا). النضال الآني هو عبارة عن ردة فعل للخطوات الحكومية من حدث الى حدث، ومن مظاهرة الى مظاهرة. ولا توجد استراتجية منظمة ومتعاقبة لنضال طويل المدى. 
هل الجماهير العربية في الداخل ملّت من النضال من اجل الارض ام ملّت من الذين يمثلون هذه القضايا ومن آليات النضال الكلاسيكية، التي نجد بها نفس المتحدثين ونفس الخطابات، التي تعبر عن البنية الاجتماعية المحافظة-الابوية التي تغيِّب في اغلب الحالات النساء والشباب من الساحة السياسية ومن الدور القيادي. القيادة الحالية تقوم باستنساخ نفس النماذج التقليدية دينية كانت ام قومية.
والسؤال الذي يطرح هل الجماهير العربية لا تدرك كبر المأساة ام هي مشغولة بالأمور الحياتية اليومية. لماذا لا نرى الجماهير الغفيرة في المظاهرات والاحتجاجات المختلفة كما نراها في الاعراس وفي الرحلات المنظمة الى المسجد الاقصى؟ 
في عهد الثورات في العالم العربي وعهد الاجيال الشابة والأصوات الحرة يعتبر نضالنا ضعيفا جدا لأنه لا يخاطب الشارع الفلسطيني في الداخل ولا ينسجم مع موجة التغيير والتجديد في العالم العربي. اساليب النضال المتبعة حاليا تخاطب جمهورًا ضيقا جدا يخاطب نفسه في اغلب الحالات. بدون اعادة النظر في آليات وخطابات النضال السياسي وممارسة خطاب ليبرالي متحرر يرتكز بالأساس على حقوق الانسان وينبذ العصبية القبلية والطائفية والأبوية والفكر الديكتاتوري في الاحزاب العربية والمؤسسات الاخرى، ليس بإمكاننا ان ننتصر ونتصدى لمثل هذه المخططات.

*نشر في صحيفة الإتحاد

Share and Enjoy:
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Facebook
  • Print
  • email

קטגוריות: التخطيط والبناء والأراضي والحق في المسكن, الحق في المسكن اللائق, النقب, حقوق الأقلية العربية

مفتاح :.

Comments are closed.