أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية يوم أمس الأربعاء (16.1) أمراً احترازياً يمنع الحكومة الإسرائيلية من إخلاء سكان ثماني قرى فلسطينية جنوبي الخليل حتى صدور قرار آخر. وكان الأمر الاحترازي قد اصدر عقب الالتماس الذي قدمته جمعية حقوق المواطن، قسم الأراضي المحتلة، إلى المحكمة ضد إخلاء القرى الفلسطينية جنوبي الخليل في منطقة
تعرف بمسافر يطا، وطالبت فيه وزير الدفاع الإسرائيلي وضابط الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية بتبرير نيتهم إخلاء السكان بالقوة من بيوتهم، وتبرير تحويل المنطقة إلى منطقة عسكرية مغلقة.
وقد تم اخلاء هذه المنطقة من سكّانها في وقت سابق عام 1999، عندما قامت قوات الاحتلال حينئذ بإخلاء عنيف لما يقارب 700 فلسطيني من بيوتهم، وقامت حينها بهدم بيوتهم البسيطة وتهريب الأغنام التي كانوا يربونها. عقب هذه الحادثة قامت جمعية حقوق المواطن بالإضافة إلى المحامي “شلومو ليكر” بتقديم التماسين إلى المحكمة العليا ضدّ الاخلاء. وقد أصدرت المحكمة العليا على إثر ذلك أمراً احترازياً في سنة 2000 يسمح للسكان بالرجوع إلى بيوتهم وممارسة حياتهم وأعمالهم كما السابق. وقد مكن هذه الأمر الاحترازي السكان من البقاء في قراهم وعلى أراضيهم حتى اليوم. وبعد أن فشلت كل محاولات الوصول إلى حل وسط، وبعد مماطلة طويلة من الحكومة الإسرائيلية، بادر القاضي “عوزي فوجلمن” بتحديد جلسة جديدة في القضية في نيسان 2012. وقد قدمت الحكومة الإسرائيلية في تلك الجلسة موقف وزير الدفاع ايهود باراك، الذي ينص على تقليص مساحة المنطقة العسكرية المغلقة، مما يسمح لسكان أربع قرى من أصل 12 قرية بالبقاء في أراضيهم، الأمر الذي يعني تهجير سكان ثمان قرى. بعد أن قدمت الحكومة هذا الموقف الجديد، قامت المحكمة بإلغاء الالتماسين، فقامت الجمعية بتقديم التماس جديد ضد الموقف الجديد.
وقد عقبت المحامية “تامار فيدلمن”، مديرة قسم حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، قائلة: “ليس من المقبول بتاتاً التفكير بإخلاء قرى كاملة من سكانها فقط من أجل التدريبات العسكرية لدولة إسرائيل. هذا التشريد يتضمن حرمان السكان من ممتلكاتهم ومصادر رزقهم. الأرض بالنسبة لهم هي الحياة، وهذا الإخلاء عوضاً عن كونه انتهاك للقانون الدوليّ هو قمة القسوة”.
هذا ويعيش في منطقة جنوبي الخليل ما يقارب 1300 شخص في 12 قرية متفرقة. من بين هؤلاء يوجد ما يقارب الألف شخص في 8 قرى مهددون بالإخلاء من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وتعود جذور هؤلاء السكان الفلسطينيين إلى بلدة يطا المجاورة، التي خرجوا منها في القرن التاسع عشر الميلادي بحثاً عن لقمة العيش ومكان للسكن، فقادهم القدر إلى المغر المنتشرة في جنوب الخليل والعيش فيها. وقد شكل سكان مسافر يطا مع الزمن نمطاً حياتياً جديداً خاصأ بهم، فقد قام أجدادهم بالماضي بحفر الآبار واستصلاح المغر، وأصبحوا يكسبون رزقهم من الزراعة البعلية وتربية الأغنام في الأراضي المجاورة لهم والتي يملكونها.
وقد كانت الحكومة الإسرائيلية تدّعي طوال الفترة الماضية أن سكان منطقة “مسافر يطا” ليسوا سكاناً دائمين، وإنما “موسمييّن” حسب تعبيرها، وقد ادعت أن لقسم كبير من هؤلاء السكان بيوت في بلدة يطا نفسها. بدورها، قامت جمعية حقوق المواطن بالتعاون مع مؤسسة “بتسيلم” بإجراء بحث انثروبولوجي يثبت حق هؤلاء السكان في أراضيهم التي سكنوا فيها منذ مئات السنين، وقامت بتجميع شهادات من السكان تؤكد تواجدهم اليومي على مدار العام في المنطقة.