أطفال يتعرضون للضرب المبرح، بلا تحقيق ولا عقاب للمعتدي!
جمعية حقوق المواطن تقدم استئنافات بشأن إغلاق ملفات شكاوى ضد أفراد الشرطة
قدمت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، مشروع حقوق الإنسان في القدس الشرقية، في الأشهر الأخيرة عدة استئنافات بشأن اغلاق ملفات شكاوى قُدِّمت ضد أفراد من الشرطة الإسرائيلية اعتدوا على مقدسيين من بينهم أطفال. وكان هؤلاء المقدسيين الذين قدمت بأسمائهم الاستئناف قد تعرضوا للضرب أو الاعتقال، و قدموا على إثر الاعتداء عليهم شكاوى لدى وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة – ماحش – والتي تعد وظيفتها الأساسية استقبال الشكاوى فيما يتعلق بتجاوزات أفراد الشرطة للقانون والصلاحيات المتاحة لهم، والتحقيق فيها.
وعلى الرغم من خطورة الحوادث التي قدمت بشأنها الاستئنافات، ووجود الأدلة على ارتكاب مخالفات للقانون، إلا أن وحدة “ماحش” قررت إغلاق ملف الشكوى، وعدم فتح تحقيقات في ملابسات قسم من تلك الحوادث، وعدم تقديم أي شرطي للمحاكمة، أو في أحسن الحالات قامت بفتح تحقيق غير كافٍ وبدون استنفاذ كافة الأساليب.
وقد علقت المحامية نسرين عليان، مديرة مشروع حقوق الإنسان في القدس الشرقية، على تنصل وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة من مهامها، قائلة بأنه مع تزايد هذه الحالات التي يتم فيها تجاهل انتهاكات حقوق السكان والاعتداء عليهم، فإن ذلك يؤدي إلى فقدان السكان ثقتهم في هذه الوحدة، على الرغم من وجود ضرورة وحاجة قانونية مهمة لتقديم مثل تلك الشكاوى، ليس فقط في داخل إطار المحاكم الجنائية، وإنما كذلك للمحاكم التأديبية داخل جهاز الشرطة”.
ومن الساخر أن التبريرات التي تسوقها وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة تبريرات سطحية لا أساس منطقي أو قانوني لها. ففي بعض الحالات كانت تبرر الوحدة إغلاق ملفات شكاوى بما أسمته “غياب المصلحة العامة. من المهم أن نذكر هنا أنه وفقاً لمادة رقم (59) من قانون الإجراءات الجنائية (1982) فإن تبرير “غياب المصلحة العامة” يمكن الاعتماد عليه فقط في حالات لا يتضمن فيها الاعتداء جريمة. ومن الواضح أنه في الحالات التي تعاملت معها جمعية حقوق المواطن فإن الاعتداء بالضرب على السكان والقُصّر بدون مبرر يعتبر جريمة تتنافى مع المصلحة العامة.
إضافة إلى هذه الاستئنافات، فقد قدمت جمعية حقوق المواطن طلباً لوحدة التحقيق مع أفراد الشرطة لفتح تحقيق في حادثة الاعتداء على القاصر ي. ع. (16 عاماً) الذي تعرض لاعتداء من أفراد حرس الحدود والقوات الخاصة في آب 2011 قرب مسجد رأس العامود، بينما كان ينتظر أخاه ليصطحبه إلى البيت. وقد أرفقت الجمعية مع طلب فتح التحقيق صوراً تظهر الكدمات الكثيرة والعميقة التي تلقاها على وجهه وأنحاء متفرقة من جسده. كما تعرض القاصر للاعتداء برش غاز الفلفل على عينيه، وتم اقتياده إلى مركز الشرطة مقيداً علماً بأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة. بناء على هذه التجاوزات القانونية فإن الجمعية طالبت وحدة “ماحش” بفتح تحقيق في الحادثة، وقد تم ذلك بالفعل وتم تحويل مرتكبي المخالفة إلى المحكمة التأديبية.
أما بالنسبة للاستئنافات على اغلاق ملفات الشكوى فهنا بعض التفاصيل بالحالات التي قدمت بشأنها الاستئنافات:
- شريف عبيد: بينما كان يقود سيارته باتجاه بلدة العيسوية في أيار 2011، قام أفراد من حرس الحدود باخراجه من سيارته، ورميه على الأرض وضربه ضرباً مبرحاً، دون أي سبب يُذكر. قدمت جمعية حقوق المواطن في حينها شكوى باسمه إلى “ماحش” – وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة- ولكن تم اعلامنا بتاريخ 9 آب 2011 أنه لن يتم فتح تحقيق في الحادثة بزعم أن وحدة ماحش عاينت المواد التي وصلتها، ولم تجد ما يكفي من الأدلة التي تدل على ارتكاب جريمة من قبل المدَّعى عليه. هنا قدمت الجمعية استئنافاً ضد اغلاق ملف الشكوى وأشارت فيه إلى أنه لم يتم اجراء أي تحقيق في هذا الملف قبل اغلاقه، كما أشارت الى الفيديو الذي يوثق حادثة الاعتداء والذي حصلت عليه الجمعية، فقرر المدعي العام اعادة فتح الملف. لكننا فوجئنا في حزيران 2012 برسالة جديدة من وحدة “ماحش” تقول أنه تقرر اغلاق ملف الشكوى بدعوى “غياب المصلحة العامة”! على إثر هذا التبرير غير المنطقي والذي يتجاهل دليلاً واضحاً لا لبس فيه على وقوع الاعتداء، قامت الجمعية بتقديم استئناف ثانٍ في 30 تموز 2012. وقد تساءلت الجمعية في هذا الاستئناف:كيف يمكن تجاهل استخدام غير مبرر للقوة ضد مواطن وتبرير ذلك بأنه أمر تنتفي عنه المصلحة العامة للسكان؟ كما أضافت الجمعية في استئنافها أنه ومنذ تقديم الشكوى في أيار 2011 لم يتم اتخاذ أي خطوة حقيقية لفتح تحقيق عملي في الحادثة وحتى يومنا هذا.
يمكن مشاهدة الفيديو الموثق للاعتداء على شريف عبيد عبر هذا الرابط
http://youtu.be/2NUMMfZTz_Y
- الطفل ل. ع.: كما قدمت جمعية حقوق المواطن استئنافاً ضد اغلاق ملف الشكوى المتعلقة بحادثة اعتقال الطفل ل. ع. البالغ من العمر 7 سنوات من سلوان. وتعود القصة إلى أيار عام 2011 عندما اقتحم خمسة أفراد ملثمين من الشرطة بيت الطفل واقتادوه للتحقيق بسبب شكوك بأنه ألقى الحجارة. وعندما حاول أهل الطفل الاحتجاج على اعتقاله، تعرض والده للضرب بعقب البندقية وتم رش غاز الفلفل في وجهه، كما أصيبت عمته في رجلها بوسائل تفريق المظاهرات. بعد ذلك تم أخذ الطفل إلى جيب الشرطة وبقي فيه ساعتين بينما استكمل أفراد الشرطة جولتهم في القدس الشرقية، في حين لم يعلم أحد من أهله مكان وجوده. ولم يسمح لأمه بمرافقته إلا بعد وصوله إلى محطة الشرطة المسكوبية. وقد قدمت الجمعية استئنافها ضد قرار وحدة “ماحش” اغلاق ملف الشكوى الذي قدمته العائلة ضد أفراد الشرطة. يذكر أنه بغض النظر عن تفاصيل الحادثة واستخدام العنف فيها، فإن مجرد التعامل بهذه الطريقة مع طفل يبلغ من العمر 7 سنوات يعد مخالفة للقانون. وقد ذكرت المحامية نسرين عليان والتي قامت بتقديم الاستئناف أن وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة – ماحش – لم تكلف نفسها حتى في اتخاذ خطوات بسيطة نحو التحقيق في الحادثة، فمثلاً لم تستدعي أياً من أفراد الشرطة المشاركين في عملية الاعتقال.
- القاصر ح. ج.: كما قدمت الجمعية استئنافاً آخر ضد اغلاق ملف الشكوى في حادثة الاعتداء على القاصر ح. ج. من رأس العامود الذي اعتدي عليه يوم 23 أيلول 2011، حينها كان يبلغ من العمر 17 عاماً. وعلى الرغم من أن القاصر تعرض لضرب مبرح أدى إلى كدمات متعددة في جسده وكسرين في كاحله، إلا أن وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة أغلقت الملف بدعوى “غياب المصلحة العامة”. يذكر أنه وحسب القانون الجنائي فإن عقوبة الاعتداء العنيف على قاصر قد تصل إلى 7 سنوات سجن.
- الطفل ع. ز. : كما أغلقت وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة – ماحش – ملف شكوى آخر قدم بخصوص الاعتداء على الطفل ع. ز. الذي وقع في كانون الأول 2011، بينما كان ع. في طريقه إلى بيت جده في البلدة القديمة ووجد نفسه وسط موكب احتفال بعرس أحد السكان، الذين اتهموا فيما بعد أنهم ألقوا علب الكولا على أفراد من حرس الحدود. وفي إفادته في وحدة “ماحش” قال الطفل ع. أنه لم يشارك في أي عمل ضد الشرطة وأكمل طريقه، إلا أن أفراد حرس الحدود اعتدوا عليه وضربوه ومن ثم اقتادوه إلى مركز الشرطة حيث تم إخلاؤه من هناك للحصول على العناية الطبية. وهذه القصة كشبيهاتها انتهت باغلاق ملف الشكوى بدعوى عدم وجود الأدلة الكافية. وذكرت الجمعية في استئنافها أنه بالإضافة إلى شهادة القاصر والأوراق الطبية التي تشهد بتعرضه للاعتداء، فإن أحد أفراد الشرطة الذين تواجدوا في مكان الحادث قد أدلى بشهادته وقال أنه رأى أفراد الشرطة يضربون القاصر وأنه لا يعتقد أنه كان ذلك حاجة.
هذا ويأتي تقديم هذه الاستئنافات في ظل تزايد الاعتقالات والاعتداءات بحق الأطفال المقدسيين، وتعكس رغبة لجمعية حقوق المواطن في استيفاء كل الأساليب القانونية التي تضمن حقوق السكان وتعاقب من ينتهكها. وترى جمعية حقوق المواطن من الضرورة بمكان الاستمرار بتقديم شكاوى لدى وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة، والدفع نحو فتح تحقيقات في حوادث الاعتداء، وتقديم الجناة إلى المحاكم الجنائية والتأديبية.
*الصورة من تصوير أحمد صيام، مركز معلومات وادي حلوة.