خمسة أسئلة حول الاعتقالات الإدارية وأوامر الإبعاد الإدارية في الأراضي المحتلة:

prison-cc-by-SA-Mr-Thomas
على ماذا ترتكز؟ ما الغرض منها؟ ضد من؟ كم؟ ما هي المشكلة إزاء هذا الأمر؟

الشبهات التي لم يصادق عليها في الإجراء القضائي المنصف قد تلقى تفنيدا. قرينة البراءة تتوافر لكل فرد طالما لم تُثبت تهمته بشكل قاطع. استخدام الاعتقالات الإدارية وأوامر التقييد الإدارية: مظهرٌ من مظاهر الأنظمة الشمولية- منح القوة للدولة لاعتقال الناس أو فرض قيود عليهم دون الحاجة لإثبات تهمتهم في إجراء قضائي لائق ومنصف، يفتح الباب على مصراعيه لاتخاذ قرارات خاطئة، والأخطر  من ذلك هو سوء استخدام الصلاحيات الممنوحة.

 

بالارتكاز على ماذا ولأيّ غرض: خلفيّة قانونية

أمر الاعتقال الإداري

 التشريعات العسكرية التي تسري على الأراضي المحتلة تُمكّن من اعتقال الفرد بأمر إداري- بدون تقديم لائحة اتهام وبدون محاكمة- لمدة أقصاها 6 أشهر. يمكن تمديد هذا الأمر مرارا وتكرارا، (ولستة أشهر إضافية في كل مرة) دون تحديد حد أقصى لفترة الاعتقال. عمليا يمكن حبس كل شخص لسنين طويلة ( وهو ما يحصل بالفعل) دون أن يحظى بمحاكمة مُنصفة، ودون أن تخضع الشبهات ضده لاختبار قضائي، ودون أن يتوافر له الحق الأساسي في الدفاع عن نفسه أمام هذه الشبهات.

تنفيذ الاعتقالات الإدارية في الضفة الغربية يجري بحسب المواد 284-294 لمرسوم حول تعليمات الأمن [ صيغة مدمجة] (يهودا والسامرة) ( رقم 1651) ( المرسوم العسكري هو  بمثابة التشريع في الأراضي المحتلة). يمنح هذا الأمر القادة العسكريين في الضفة الغربية صلاحية إصدار أمر اعتقال إداري عندما يتوفّر” أساس معقول للافتراض بأن دوافع أمن المنطقة أو أمن الجمهور يستوجبان أن يوضع فلان في المعتقل”. على الرغم من واجب اقتياد معتقل إداري  للمثول أمام قاض عسكري  للمصادقة على الاعتقال ( خلال ثمانية أيام من بداية الاعتقال)، كما سنعرض لاحقا، فالحديث لا يدور عن إجراء قضائي تُثبت فيه تهمة المشبوه، بل عن إجراء يشكل ” رقابة قضائية”، حيث تُحجب غالبية المواد التي تثبت التهمة عن المعتقل ومحاميه، ولا يمنح المعتقل فرصة حقيقية للدفاع عن النفس. يمكن الاستئناف على قرار القاضي في محكمة الاستئناف العسكرية. يستطيع المعتقلون الذين استنفدوا الإجراءات في الجهاز العسكري التوجه للمحكمة العليا، لكن التجارب تشير بأن المحكمة العليا لا تتدخل عامة في هذه القرارات.

بحسب القانون الدولي الذي يسري على الأراضي المحتلة ثمة حظر مطلق على الاعتقالات التعسفيّة. وبسبب الانتهاكات القاسية لحقوق الإنسان الكامنة في استخدام الاعتقالات الإدارية وخطر إساءة استخدامها فقد وضع القانون الدولي قيودا قاسية على تطبيقها. هكذا على سبيل المثال، لا يجب استخدامها إلا في الحالات الاستثنائية والمتطرفة للغاية، ويفترض أن تخدم غاية “وقائية” فقط- أي أن تقي من خطر كبير وفوري للأمن، والذي يشكل المعتقل مصدرا له- ويحظر استخدامها كنوع من العقاب على نحو قاطع.

 في إسرائيل كذلك، ثمّة صلاحية لوضع شخص ما رهن الاعتقال الإداري. جرى تكريس هذه الصلاحية ( ومصدرها القوانين الانتدابية) في العام 1979 في قانون صلاحيات حالات الطوارئ ( الاعتقالات)، 1979. لا يسري هذا القانون إلا عند الإعلان عن حالة الطوارئ في الدولة، لكن هذه الإعلان ساري المفعول منذ قيام الدولة. بحسب القانون الإسرائيلي يحق لوزير الأمن أن يأمر باعتقال شخص ما لمدة 6 أشهر، إذا ما توفر لديه “أساس معقول للافتراض بأن دوافع أمن الدولة أو أمن الجمهور تستلزم هذا الأمر”. على عكس الوضع في الأراضي المحتلة ، ثمة واجب في إسرائيل لإحضار المعتقل للمثول أمام قاض مدني ( رئيس المحكمة المركزية) خلال 48 ساعة، وثمة واجب آخر لفحص مواصلة الاعتقال بعد مضي 3 أشهر. يمكن الاستئناف على قرار المحكمة المركزية للمحكمة العليا.

أمر التقييد الإداري

بحسب القانون الذي يسري في الأراضي المحتلة يملك القائد العسكري صلاحية إصدار سلسلة من الأوامر الإدارية التي تحظر على شخص ما دخول منطقة معينة أو تقييد مكوثه في منطقة محددة، وذلك دون الرجوع لإجراء جنائي ضد هذا الشخص. هذه الأوامر التي يفترض فيها أن تشكل وسيلة “وقائية” وليس “عقابية”- جرت تسويتها في مرسوم حول تعليمات الأمن ونظم الدفاع ( حالات الطوارئ). 

المرسوم المتعلق بتعليمات الأمن يمنح القائد العسكري في الأراضي المحتلة صلاحية واسعة لإصدار ” أوامر تقييد” وأوامر رقابة خاصة أخرى عندما يعتقد بأن “الأمر ضروري لدوافع الأمن الملحّة”. على سبيل المثال يستطيع القائد العسكري (قائد المنطقة الوسطى في حالة الضفة الغربية) منع شخص ما من دخول منطقة معينة، ومطالبته بالبقاء في منطقة معينة، ويستطيع فرض الإقامة المنـزلية عليه، وغير ذلك.

يمكن الاستئناف على قرار القائد العسكري بإصدار أمر تقييد أو أمر رقابي أمام لجنة استئناف تابعة للجهاز القضائي العسكري. لكن الحديث يدور عن إجراء يرتكز –كسواه- على مواد سرية لا يستطيع المشتبه الاطلاع عليها.

كم؟ وضد من؟- حجم الاعتقالات والأوامر الإدارية

منذ العام 1967 وحتى يومنا هذا اعتُقل آلاف الفلسطينيين بأوامر اعتقال إدارية لفترات تتراوح بين عدة أشهر وعدة سنوات. سُجّل العدد الأكبر من الاعتقالات الإدارية خلال الانتفاضة الأولى. خلال الانتفاضة الثانية وصل عدد المعتقلين الإداريين الفلسطينيين في بعض الأشهر إلى أكثر من ألف معتقل. تراجعت هذه الأعداد بعد انتهاء الانتفاضة، لكنها تشهد ارتفاعا وتراجعا خلال العام. في العام 2011 وصل معدل المعتقلين الإداريين في كل شهر إلى حوالي 250 معتقل. في السنوات الأخيرة تتراوح فترات الاعتقال بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات. على سبيل المثال وصل عدد المعتقلين الإداريين في شهر كانون الأول من العام 2011 إلى 309 معتقل بحسب البيانات التي حولتها مصلحة السجون إلى منظمة بتسيلم. ومن بين هؤلاء مكث 60 معتقلا فترات تتراوح بين عام وعام ونصف، وقضى 15 منهم في المعتقل فترة تتراوح بين عام ونصف وعامين ونصف. يقبع أحد المعتقلين في الحبس الإداري لفترة تزيد عن 5 سنوات من دون أن يقدم للمحاكمة.

في أوقات متباعدة نسبيا يفرض اعتقال إداري على إسرائيليين في الأراضي المحتلة. وبحسب بيانات منظمة بتسيلم، يدور الحديث عن 9 إسرائيليين من سكان المستوطنات الذين اعتقلوا إداريا على امتداد السنين لفترات وصلت حتى 6 أشهر.

  يمكن الاطلاع على البيانات الكاملة حول حجم استخدام الاعتقالات الإدارية على موقع منظمة بتسيلم

بحسب  بيانات قدمها المتحدث باسم الجيش لجمعية حقوق المواطن , يقتصر استخدام أوامر الرقابة والتقييد في الأراضي المحتلة على الإسرائيليين فقط. وقد أصدر الجيش في العام 2011، 11 أمرا كهذا، وأصدر 4 في العام 2010، وَ 3 في العام 2009.  

أين تكمن المشكلة:انتهاك خطير لحقوق الإنسان ولمبدأ سلطة القانون

أدلة سرية- انتهاك خطير للحق في الإجراءات القضائية المنصفة

يُمكّن الاعتقال الإداري من سلب حرية الفرد لأشهر طويلة بدون محاكمة، ويشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان الأساسية، وفي مقدمتها الحق في الحرية والكرامة.

على الرغم من إحضار المعتقلين الإداريين للمثول أمام قاض، وممارسة إجراء الرقابة القضائية على اعتقالهم،  لكن المعتقل لا يُمنح فرصة حقيقية للدفاع عن نفسه أو تفنيد الادعاءات ضده وذلك لأن المواد التي يستند عليها الاعتقال تبقى سرية، ولا يمكن للمعتقل أو محاميه الإطلاع عليها. في الكثير من الحالات لا يجري حتى أبلاغ المعتقل بالشبهات العينية ضده. في هذه الظروف لا يشكل إجراء الرقابة القضائية ضمانة حقيقة لقانونية الاعتقال، ولا يتمكن حتى أكثر القضاة إنصافا من تحقيق العدالة. إجراء الرقابة القضائية في هذا السياق يفتقد للحد الأدنى من الضمانات التي تمكّن من تطبيق إجراء قضائي سليم، ويصل الأمر حد التشكيك بأن الحديث يدور عن “إجراء قضائي”. 

بالإضافة إلى ذلك، وبحسب القانون العسكري الذي يسري على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة  لا تُمارس الرقابة القضائية الأولى على الحبس الإداري إلا بعد مضي 8 ايام من الحبس وليس بعد 24 ساعة كما يحصل في الإجراء الجنائي العادي في إسرائيل ( أو حتى بعد مضي 48 ساعة كما يحصل خلال الاعتقال الإداري في إسرائيل).

إبعاد شخص ما أو تقييد تنقله بأمر إداري وبدون محاكمة، وبالاستناد إلى مواد سرية، يُشكل وسيلة فرض فظة قد تنتهك عددا من الحقوق ومن بينها: حرية التنقل والحركة، والحق في إجراء قضائي منصف، وحرية العمل، والحق في الحرية الشخصية، والحق في حرية التعبير، وكرامة الإنسان وغير ذلك.

تشكل الوسيلتان ( أي الاعتقالات الإدارية وأوامر تقييد التنقل الإدارية) أداة “سهلة” بيد السلطات لحبس شخص ما أو تقييد تنقله، عندما لا تتوافر لديها أدلة مقبولة (أو أدلّة ترغب في الكشف عنها) لإثبات تهمته.

أوامر التقييد الإدارية تشبه الحبس الإداري – فيما تُشبههُ- بكونها تنفّذ دون تقديم لائحة اتهام ضد الفرد، ودون فتح تحقيق جنائي ضده. وعلى غرار الاعتقالات الإدارية، ترتكز هذه الأوامر على معلومات وأدلة سرية تُحجب عن المشتبه فيه وعن محاميه. في هذه الظروف – حتى لو توفرت فرصة شكلية لإسماع الادعاءات أو الاعتراض على القرار- يحرم الفرد من أمكانية التطرق على نحو جوهري للادعاءات، أو الرد على الشبهات.

حتى عند الالتماس للمحكمة العليا، تملك قوات الأمن حق إخفاء الأدلة عن الملتمس، وتتوفر لها إمكانية عرض ادعاءاتها من وراء الأبواب المغلقة، أي بدون حضور الملتمس ومحاميه.

ينتهك استخدام الأدلة السرية على نحو بالغ وخطير حق الفرد في الحصول على إجراء منصف، ويعمق غياب المساواة بين الدولة والفرد في الإجراء القضائي. يمس هذا الاستخدام بقدرة الفرد على الدفاع عن نفسه في مواجهة الاتهامات الموجهة إليه، ويمس بالمصلحة العامة في الإشراف على أعمال السلطات. تمكّن الأدلة السرية الدولة من تنفيذ أفعالها بدون أن تجد نفسها مُجبرة على تقديم تقارير حولها، وهذا بالضبط ما تقوم به الشرطة السرية. 

تنتهك هذه الممارسات مبدأ سلطة القانون، والشفافية، ومبدأ التمثيل، وذلك على نحو يقوّض شرعية الفعل الحكومي. في نهاية المطاف نُذكّر أن استخدام الأدلة السرية يفتح الباب على مصراعيه لسوء استخدام القوة التي تملكها السلطة على نحو يهدد بشكل فعلي مبادئ الأساس التي يفترض بالديمقراطية الإسرائيلية أن ترتكز عليها. وكما أشار القاضي لاندوي:”  لا يمكن تفنيد إدعاءات الطرف الآخر إلا عندما تكون معروفة؛ لا يمكن التجادل مع أبو الهول”.

 

القانون الدولي

تتناول المادة 78 من معاهدة جنيف الرابعة (والتي تسري في الضفة الغربية) حماية المواطنين خلال أوقات الحرب، وتحدد ما يلي:” إذا ما اعتقدت القوة المحتلة أن ثمة حاجة (لدوافع ضرورة الأمن) لاتخاذ إجراءات أمنية تجاه المحميين، يحق لها في الحد الأقصى أن تخصص لهم مكان سكن أو أن تعتقلهم”. بحسب هذه المادة،  لا يمكن استخدام هذه الصلاحية المتطرفة إلا في الحالات الاستثنائية، عندما تتحقق دوافع أمنية ضرورية تنبع من الخطر الفردي الكامن في الشخص المعتقل. 

بالإضافة إلى ذلك يُلزم قانون حقوق الإنسان الدولي، (ويسري هو الآخر في الأراضي المحتلة)، توفير إجراء قضائي منصف للكل من سُلبت حريته، حتى في حالات الطوارئ المتطرفة والمؤقتة. حظر الاعتقال التعسفي هو حظر مطلق في القانون الدولي، ويسري في كل وقت. الإجراء القضائي المنصف يشكل ضمانة لمنع الاعتقالات التعسفية.

الاستخدام الواسع والروتيني لهذه الأداة في الأراضي المحتلة من خلال منع مطلق للحد الأدنى من الضمانات المطلوبة لتحقيق الإجراءات المنصفة لا يستوفي هذه المعايير

سجن المعتقل لمدة 8 أيام قبل إحضاره للمثول أمام قاض يتناقض مع مبادئ القانون الدولي الأساسي ويفتح الباب على مصراعيه للاعتقالات العشوائية وغير الخاضعة للرقابة، وللتنكيل بالمعتقلين، ويخل كذلك بالواجب الذي يلقيه القانون الدولي على الدولة بفرض الرقابة المطلوبة على اعتقال بني البشر بغية منع التعذيب.

المادة 49 من معاهدة جنيف تحظر “النقل القسري للمحميين، أفراداً كانوا أم جماعات، وكذلك طرد المحميين من المنطقة المحتلة إلى مناطق القوة المحتلة”. بسجنها المعتقلين الإداريين في مناطقها، تخالف إسرائيل تعليمات المعاهدة.

 

“لكن الأمر لا يشكل عقابا بل وقاية”

حتى لو كان الهدف المعلن من الأوامر والاعتقالات الإدارية هو أن تشكّل وسيلة وقائية- أي التعامل مع الخطورة الكامنة لشخص ما على أمن الجمهور، وليس معاقبته على أفعال الماضي- يستدل حول هذا الخطر من الشبهات السرية لقيامة بأعمال جنائية.

من المهم أن نتذكر بأن الشبهات التي لم تخضع لمراجعة ورقابة قضائية حقيقية قد تكون عارية عن الصحة، وعليه لا يمكن الافتراض بأن ” المتهم” هو مذنب بالفعل. الاعتقال وأوامر التقييد الإدارية هي من العلامات الواضحة للأنظمة الشمولية؛ منح القوة بيد الدولة لاعتقال أشخاص أو فرض القيود عليهم، دون الحاجة لإثبات تهمتهم من خلال إجراء منصف ولائق، يفتح الباب على مصراعيه لقرارات خاطئة ولاستغلال خاطئ للصلاحيات الممنوحة.

ملاحق:

الأنظمة 108-110 من منظومات الطوارئ: أوامر تقليص ورقابة  108-110

أمر حول تعليمات الأمن: أوامر تقييد ومراقبة

 أمر حول الاعتقالات الإدارية رقم 1226 ( على موقع “هموكيد” مركز حماية الفرد) 

موقف جمعية حقوق المواطن حول استخدام الاعتقالات الإدارية

Share and Enjoy:
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Facebook
  • Print
  • email

קטגוריות: حقوق مدنيّة

مفتاح :.

Comments are closed.