جمعية حقوق المواطن تصدر ورقة ترصد التداعيات القانونية المحتملة لإجراء الاعتراف بالدولة الفلسطينية

مع اقتراب موعد توجّه السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتّحدة بطلب قبول فلسطين عضوًا فيها كدولة على حدود 1967، أصدرت جمعية حقوق المواطن مؤخرًا ورقة تهدف لتلخيص القضايا التي تشكل محط تساؤلات تنبع من الخطوة المذكورة، وتبحث الأبعاد ذات الإسقاطات المحتملة على حقوق الإنسان للمواطنين الذين يعيشون في المنطقة، بالتشديد على النقاط التالية:

  • استمرار سريان قوانين الاحتلال في الضفّة الغربيّة حتى بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، واستمرار مسؤوليّة إسرائيل بالحفاظ على حقوق الإنسان في جميع مناطق الضفّة الغربيّة.
  • إمكانيّة انضمام الدولة الفلسطينيّة – في حال تمّ الاعتراف بها – إلى المعاهدات والمواثيق الدوليّة، ومن بينها المعاهدة
    الدوليّة حول الحقوق المدنيّة والسياسيّة ومعاهدة جنيف، وما يعنيه ذلك فيما يتعلّق بمسؤوليّة الدولة الفلسطينيّة ومسؤوليّة إسرائيل.
  • إمكانيّة انضمام الدولة الفلسطينيّة – في حال تمّ الاعتراف بها – إلى المحاكم الدوليّة، كالمحكمة الجنائيّة الدوليّة، ومعنى هذا الانضمام فيما يتعلّق بمسؤوليّة الدولة الفلسطينيّة ومسؤوليّة إسرائيل.
  • شروط شنّ الحملات العسكريّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.
  • شروط الاعتراف بالمقاتلين الفلسطينيّين الذين تقوم إسرائيل باعتقالهم وسجنهم بمثابة أسرى حرب.

ملخّص ما ورد بالورقة:

الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة

بحسب القانون الدوليّ العرفيّ التقليديّ، وبغية حصول كيان معيّن على مكانة الدولة، عليه استيفاء أربعة شروط أساسيّة: سكّان ثابتين؛ مساحة محدّدة ومعرّفة؛ سلطة فاعلة على السكّان؛ والقدرة على إدارة علاقات خارجيّة. ومن هذا المنطلق، لا يبدو أنّ ثمّة عقبات جِدّيّة قد تدحض أو تنفي الادّعاء أنّ الشروط الأربعة هذه تتحقّق في الكيان الفلسطينيّ. إضافة إلى ذلك، وفي
القانون الدوليّ الحديث، لا تتعلّق الأمور فقط بهذه الشروط، إنما هنالك مبادئ مركزيّة توجيهيّة التي تلعب دورًا اليوم في مسألة الاعتراف وهي مبادئ سياسيّة وقِيَميّة، وتشمل حقّ تقرير المصير، وحماية حقوق الأقلّـيّات ومبادىء أخرى. على
الرغم من ذلك، وإزاء توقّع عدم اعتراف إسرائيل ودول أخرى بالدولة الفلسطينيّة في هذه المرحلة، يبقى وجودها موضع شكّ، وتبقى قدرتها على تحقيق سيادتها محدودة جدًّا.

في الوقت ذاته، تضيف الجمعية أن ثمّة إمكانيّة بديلة تتمثّل في الحصول على دعم في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، والذي يجعل الاعتراف بفلسطين كدولة بحسب القانون الدوليّ ممكنًا حتّى لو لم تُقبل عضوًا في الأمم المتّحدة، وتستطيع
الجمعيّة العامّة إثر ذلك دعوتها للانضمام إلى معاهدات مختلفة.

سَرَيان قوانين الاحتلال

لا يُفترض في الاعتراف بدولة فلسطينيّة أن يغيّر هو في حدّ ذاته مكانة إسرائيل كقوة محتلّة تسيطر على الأراضي، بالاستناد إلى القانون الدوليّ. لا يتجسّد الاحتلال من خلال التواجد العسكريّ الثابت، بل من خلال قدرة السيطرة والتحكّم
بالمنطقة، بمفهوم قدرة القوّة المحتلّة على ممارسة نشاطات سلطويّة في المكان.

وبحسب الوضع القائم في هذه الأيّام، تسيطر إسرائيل على أراضي الضفّة الغربيّة، وعلى مَناحٍ كثيرة من الحياة في قطاع غزّة. وعلى الرغم من أن مسألة التعامل مع إسرائيل كقوّة محتلّة في غزّة تشكّل موضع خلاف، إلا أنّ إسرائيل تتحمّل مسؤوليّة قانونيّة حول ما يجري في القطاع في مَناحٍ مختلفة، وذلك على ضوء سيطرتها على المعابر البرّيّة (باستثناء معبر رفح)، وعلى الجوّ والمياه الإقليميّة، وعلى ضوء سيطرتها وإخفاقاتها السابقة.

مناطق A

بحسب الاتّفاقيّة المرحليّة (إتّفاقيّة أوسلو)، فانّ إسرائيل تواصل تحمُّل مسؤوليّة أمن المنطقة في جميع مساحات الضفّة الغربيّة،
بما في ذلك في مناطق A. فعلى أرض الواقع، تمارس إسرائيل سيطرتها بطرق مختلفة، بما في ذلك إجراء التفتيش الجسديّ والاعتقالات في المنطقة A، ومحاكمة فلسطينيّين من سكّان المنطقة  Aفي محاكم عسكريّة بتهم ارتكاب مخالفات أمنيّة، وصلاحية حصريّة لمحاكمة الإسرائيليّين الذين ارتكبوا مخالفات في المناطق المحتلّة (بما في ذلك في مناطق (A. بحسب
القانون الدوليّ، بقيت الصلاحيات الأمنيّة في يد القائد العسكريّ، وهي التي تنبع من واجبه الأساسيّ في المحافظة على النظام العامّ في المنطقة التي تقع تحت سيطرته اتّفاقيّات أوسلو.

الإجراء الفلسطينيّ للحصول على اعتراف بفلسطين كدولة مستقلّة يشكّل خطوة أحاديّة الجانب، وعليه فهو يتعارض مع الاتّفاقيّة، ويفتح الباب على احتمال إعلان بطْلان أو إبطال الاتّفاقيّات، لكن الإلغاء التامّ للاتّفاقيّات لا يشكّل محصّلة حتميّة. فعلى الرغم من الانتهاكات المتكرّرة للاتّفاقيّة المرحليّة، لم يعلن أيّ من الطرفين عن إلغائها. يبدو إذًا أنّ مسألة سَرَيان الاتّفاقيّات وتطبيق ترتيباتها المستحَقّة تتعلّق اليوم -كما في السابق- بقرارات وخطوات الطرفين على أرض الواقع.

الانضمام إلى المعاهدات الدوليّة

إذا اعتُرِف بفلسطين كدولة، فسيمكّنها الأمر من الانضمام إلى العديد من المعاهدات والمواثيق الدوليّة، بما في ذلك وثيقة حقوق الإنسان، واتّفاقيّات التجارة، والانضمام كذلك إلى منظّمات دوليّة. لا تتطلّب معاهدات حقوق الإنسان الدوليّة المركزيّة عضويّة في الأمم المتّحدة كشرط للانضمام إليها. ثمّة سلسلة من المواثيق المفتوحة أمام كلّ دولة دعتها الجمعيّة العامّة للانضمام، كالمعاهدة الدوليّة حول الحقوق المدنيّة والسياسيّة (ICCPR). كما أن بعض المعاهدات الأخرى مفتوحة لانضمام الدول ضمن شروط أسهل (وحتّى بدون دعوة الجمعيّة العامّة)، ومنها المعاهدة ضدّ التعذيب (CAT) ومعاهدة جنيف.

الانضمام إلى المحاكم الدوليّة

سيُفتح أمام فلسطين مسار إضافيّ للعمل إذا جرى الاعتراف بها كدولة، وهو الانضمام إلى منظّمات دوليّة مختلفة، بما في ذلك المحاكم الدوليّة: محكمة العدل الدوليّة في لاهاي (ICJ) والمحكمة الجنائيّة الدوليّة (ICC). وتوضّح الجمعية أنّ انضمام الدولة الفلسطينيّة إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة سيؤدّي إلى سَرَيان صلاحياتها على أفعال تنفَّذ في إطار الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ: أوّلاً، على أعمال ينفّذها مشتبهون إسرائيليّون في مناطق الدولة الفلسطينيّة؛  وثانيًا، على الفلسطينيّين المتّهمين بارتكاب جرائم دوليّة.

مسألة المستوطنات

قد يتمثّل أحد التداعيات الدراماتيكيّة لعمليّة الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة في انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة. يجب
الالتفات بعناية في هذا السياق لبند في دستور المحكمة يحدّد أنّ نقل سكّان القوّة المحتلّة إلى المناطق التي تخضع للاحتلال يشكّل جريمة حرب. ما يعنيه الأمر هو أنّ المستوطنات ستتحوّل إلى قضيّة يتناولها القضاء الدوليّ الجنائيّ، وسيفتح الباب
لمقاضاة الإسرائيليّين المسؤولين عن إقامة أو توسيع المستوطنات.

القدس الشرقيّة

يتبيّن ممّا رَشَحَ من معلومات أنّ إجراء الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة سيتطرّق – في ما سيتطرّق- إلى حدود الدولة الفلسطينيّة، التي ستُرسَم بحسب خطوط الرابع من حزيران 1967 (“الخطّ الأخضر”) التي تشمل القدس الشرقيّة. ما يعنيه الأمر هو أنّ مكانة القدس تُشبه (من منظور القانون الدوليّ) مكانة الضفّة الغربيّة. من هنا، إنّ صلاحية المحكمة الجنائيّة الدوليّة ستسري كذلك على أفعال إسرائيل في القدس الشرقيّة (كبناء الأحياء الجديدة – على سبيل المثال).

شنّ الحملات العسكريّة وأسرى الحرب

بالنسبة للمناطق التي تدّعي إسرائيل أنّها لم تعد تسيطر عليها كقوّة محتلّة، يجب عليها إثبات تحقُّق جميع شروط الدفاع عن النفس قبل استخدامها للقوّة وشنّ حملة عسكريّة في هذه المناطق. أما بالنسبة لقضيّة أسرى الحرب، فإنّ الاعتراف
بفلسطين كدولة، وانضمامها إلى معاهدة جنيف، قد يرغمان إسرائيل على تغيير تعاملها مع المحاربين الفلسطينيّين الذين يشكّلون جزءًا من قوّات نظاميّة أو يعملون باسم الدولة، والاعتراف بحقّهم في الحصول على مكانة “أسرى حرب” بحسب معاهدة
جنيف الثالثة. ترافق هذه المكانة دفاعات مختلفة وعلى رأسها الحصانة القضائيّة التي تمنع تقديمهم للمحاكمة الجنائيّة بسبب المشاركة في القتال.

مسؤوليّة الدولة الفلسطينيّة عن انتهاكات حقوق الإنسان

الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة وانضمامها لمعاهدات ومحاكم دوليّة سيلقي عليها واجبات مختلفة، وسيضعها أمام منظومات رقابة دوليّة تشرف على تطبيق مواثيق حقوق الإنسان. أوّلاً وقبل كلّ شيء، ستفرض هذه الواجبات على الدولة التزامات تجاه
المواطنين الذين يخضعون لسيطرتها، لكنّها ستطال كذلك واجباتها تجاه الإسرائيليّين، والمستوطنين من بينهم.

لقراءة النص الكامل لورقة التداعيات، إضغطوا هنا

Share and Enjoy:
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Facebook
  • Print
  • email

קטגוריות: حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة

مفتاح :.

Comments are closed.