معطيات وحقائق: تدهور الوضع الاجتماعي الاقتصادي في اسرائيل

التعاضد والتكافل؛ المساواة؛ العدالة. خطّ واحد يجمع ما بين النضالات المختلفة من أجل حقوقنا الاجتماعيّة. ففي جميع مجالات الحياة، تُمارَس منذ عَقدين سياسة حكوميّةٌ تتمثّل في تقليصات في الميزانيّة وخصخصة بالغة التطرّف. أفْضت هذه الخطوات إلى تراجُع الدولة تراجعًا حادًّا عن مسؤوليّتها عن مجالات الإسكان والصحّة والتربية والتعليم والتشغيل والرفاه. حُوّلت “المسؤوليّة” إلى القطاع الخاصّ دون تقديم بدائل أو إمكانيّة حقيقيّة لمواطني إسرائيل لمواجهة التآكل في حقوقهم الإنسانيّة. وماذا كانت النتيجة؟ أدّى تجفيف الخدمات الاجتماعيّة إلى سحق حقوقنا الاجتماعيّة، وانتهاك المساواة وإفشال الأهداف التي نتقاسمها جميعًا.

هل الوضع خطير؟ وكم ابتعدت الحكومة في تنكّرها لمسؤوليّتها عن رفاهيتنا؟ هاكم مجموعة حقيقيّة ومؤلمة لبعض البيانات. بيانات؟ أعداد؟ مِن وراء كلّ رقم وبيان يقف إنسان من لحم ودم.

الإسكان:

·  خلال عَقد واحد، جرى تقليص المساعدة التي تقدّمها وزارة الإسكان للإسكان بـِ 56%.

مبلغ المساعدة في أجر الشقّة الشهريّ للمستحقّين تَراجَعَ بمقدار النصف في العام 2003؛ ومنذ ذلك الحين تآكلت قيمة هذا المبلغ بـِ 30%.

·  على الرغم ممّا حُدّد في القانون، لم تُعرَّف أيّ من الشقق في مناقصات البناء التي طرحتها دائرة أراضي إسرائيل بأنّها مسكن مُتاح أو مسكن شعبيّ. تُواصل الدولة بيع الأراضي للمبادرين بدون رؤيا مستقبليّة أو سياسة محدّدة حول طابع الشقق التي سيجري بناؤها، ولا تتدخّل في الاتّجاهات السائدة في السوق، لا بل تشجّعها في بعض الأحيان.

النتيجة:«

نسبة القاطنين في شقّة بملكيّتهم آخذة بالتراجع (من 73% في العام 1995 إلى 66% في العام 2008).

ارتفاع في الاستقطاب الاجتماعيّ، حيث لا يستطيع مستحقّو المساعَدة السكن إلاّ في المناطق التي تفتقر إلى مصادر اكتساب كافية، أو في تجمّعات الفقر على هوامش المدن.

بقيت طبقات سكّانيّة كثيرة بدون شقق متاحة (تلك التي تستطيع تسديد ثمنها). وبدل أحياء متجانسة يتوافر فيها الإسكان للجميع، تُبنى أحياء متجانسة للميسورين فقط، ممّا يزيد الفجوات الاجتماعيّة.

الصحّة:

منذ نهاية التسعينيّات، تآكلت الميزانيّة الفعليّة للتزويد بسلّة الخدمات العامّة بنحو 40%.

تقبع إسرائيل اليوم في المرتبة الـ 25 من بين الدول المتطوّرة في كلّ ما يتعلّق بالاستثمار في الصحّة.

في موازاة التقليص في التمويل الحكوميّ للجهاز الصحّيّ، حصل ارتفاع متواصل في نسبة الإنفاق الخاصّ على الخدمات الصحّـيّة.

عدد الأسرّة لكلّ ألف نسمة في المستشفيات تراجع من 2.3 في العام 1990 إلى 1.9 في العام 2010. وتراجع عدد الأطبّاء لكلّ ألف نسمة من 3.7 في العام 1995 إلى 3.4 في العام 2010. هذه البيانات تقلّ على نحوٍ ملحوظ عن معدّلات دول الـ  OECD.

النتيجة:

الفجوات الصحّيّة في إسرائيل آخذة في الاتّساع- بين المجموعات السكّانيّة، وبين مناطق المركز ومناطق الأطراف، وكذلك بين الفقراء والطبقة الوسطى وتلك الميسورة.

تجد الطبقة الوسطى نفسها مرغَمة على إنفاق مبالغ طائلة على التأمينات الخاصّة وعلاجات الأسنان وغيرها.

يُرغَم الكثير من أبناء الطبقة الفقيرة، -لا سيّما المسنّين منهم- على التنازل عن خدمات صحّـيّة ضروريّة والأدوية من ضمنها، وذلك بسبب الكلفة الباهظة. يتنازل نحو ثلث السكّان عن خدمات صحّة الأسنان، ونسبة المسنّين عديمي الأسنان كلّيـًّا تقدَّر بأكثر من 50%.

التربية والتعليم:

في العَقد الأخير، جرى تقليص 250 ألف ساعة تدريسيّة، وأعيدت منها في العامين الأخيرين 100 ألف ساعة فقط. معدّل الإنفاق على التلميذ في إسرائيل أقلّ من المعدّل في الدول المتطوّرة.

التمويل الخاصّ في مجال التربية والتعليم وصل إلى 25% من الإنفاق القوميّ على التعليم، مقابل 15% في دول OECD وَ 10% فقط في دول أوروبا. الإنفاق على التلميذ الواحد في الخُمس الأعلى يزيد بـِ 1.7 مرّة عن الإنفاق على التلميذ في الخُمس الأدنى.

أكثر من نصف السلطات المحلّـيّة تقيم في المدارس الرسميّة مسارات تعليم خاصّة تقترن المشاركة فيها بعمليّات تصنيف وَ/أو متطلّبات ماليّة.

النتيجة:

تنعكس نتائج التقليص في ميزانيّة التربية والتعليم في أجر المعلمين، وهو الأدنى (على نحو حادّ) مقارنة بالدول الغربيّة، وتنعكس في تدهور مكانة مهنة التدريس، وفي تراجع بالغ في إنجازات الطلاّب العلميّة، والتي ما زالت أقلّ من المعدّل في امتحانات PISA العالميّة.

  • هنالك جهازا تعليم منفصلان داخل إطار التعليم الرسميّ، واحد للأغنياء وآخر للفقراء، وفي المدرسة ذاتها -في بعض الأحيان-. هذه الحالة تُكرِّس التراتبيّة الاجتماعيّة – الاقتصاديّة القائمة بدل محاربتها ومنْح جميع الأولاد فرصًا متساوية في التعليم  والتطوّر.
 

خدمات الرفاه الاجتماعيّ :

في العَقدين الأخيرين، جرت خصخصة جزء كبير من خدمات الرفاه، بدءًا من الردّ الهاتفيّ، ومرورًا بمؤسّسات رعاية الأولاد والبالغين، ووصولاً إلى إدراج الأولاد الذين فُصلوا عن عائلاتهم في مؤسّسات الرعاية. في العام 2004، خُصّص 96% من ميزانيّة قسم الخدمات الاجتماعيّة والفرديّة وَ 93% من ميزانيّة قسم إعادة التأهيل لشراء خدمات من منظّمات وجمعيّات مختلفة.

تعاني خدمات الرفاه الاجتماعيّ نقصًا في أكثر من ألف مِلاك. المسؤوليّات التي تُلقَى على عاتق العاملين الاجتماعيّة كثيرة جدًّا والرواتب شديدة الهزال.

النتيجة:

الرقابة على الخدمات التي خضعت للخصخصة شديدة الضعف، وقد جرت خصخصة جزء منها (أي من آليّات الرقابة)، الأمر الذي زاد من الشكاوى المتعلّقة بالخدمات الممنوحة، بما في ذلك الإضرار بالمعالَجين.

ثمّة غياب للمساواة بين خدمات الرفاه التي تقدّمها سلطات محلّـيّة مختلفة لشرائح سكّانية مختلفة.

العمل:

معدّل البطالة في إسرائيل متدنٍّ نسبيًّا. تكمن المشكلة أساسًا في الأجر المتدنّي للعاملين وبشروط العمل الاستغلاليّة.

في العام 2008، بلغ أجر نحو 60% من الأجيرين في الاقتصاد أقلَّ من 6,389 شيكلاً شهريًّا، ويشكّل 75% من معدّل الأجر في السوق. 40% من الأجيرين تقاضوا أكثر من نصف معدّل الأجر. معدّل أجر النساء يشكّل 66% من أجر العاملين الرجال.

نسبة عاملي المقاول في إسرائيل تتراوح بين 5% وَ 10% من مجموع العاملين، وتُقدَّر هذه النسبة في القطاع العامّ بنحو 20% مقابل نحو 1.5% في الدول المتطوّرة.

النتيجة:

·        في السنوات الأخيرة، لا يُخلِّص العملُ الناسَ في إسرائيل من الفقر. “البروفيل” المتوسّط للشخص الفقير في إسرائيل لا يصوِّر العاطلَ عن العمل، بل يصوِّر العاملَ الأجير، وصاحب مستوى تعليميّ فوق ثانويّ.

·        يظهر من تقرير الفقر للعام 2009 أنّ نسبة العائلات العاملة من مجموع الفقراء العامّ تبلغ 49%. وتَبيَّنَ من التقرير كذلك أنّ رأس العائلة في غالبيّة العائلات التي انزلقت إلى دائرة الفقر ليس عاطلاً عن العمل. يعكس هذا الأمر غيابًا للسياسات الكافية، نحو: فرض قوانين العمل بغية تحسين مقابل العمل.

 

شبكة الأمان الاجتماعيّة:

في العَقد الأخير، أصبحت شروط استحقاق الحصول على رسوم البطالة أشدَّ قسوة، وقُصِّرت فترة الاستحقاق على نحوٍ ملحوظ، وتقلّصت مبالغ المخصَّصات.

قُلّصت مخصّصات ضمان الدخل تقليصًا حادًّا في العام 2003 بمعدل 30% للعائلة. بالإضافة إلى ذلك، جرى تقليص أو إلغاء التسهيلات المرافقة، نحو: التخفيض في ضريبة الأرنونا وفي المواصلات العامّة، والدعم في أجر الشقّة المستأجرة.

قُلّصت ميزانيّة مصلحة الاستخدام حتّى وصلت إلى مستوى يقلّ بعشرين مرّة عن دول OECD. الكثير من صلاحيات مصلحة الاستخدام حُوّلت إلى شركات خاصّة  مع الموارد الحكوميّة المرافقة. وأُلغِي الكثير من الخدمات الأخرى (نحو: ورشات البحث عن عمل).
النتيجة:

غالبيّة مَن لا يعملون ليس لهم استحقاق الحصول على رسوم البطالة. تراجعت نسبة الحاصلين على رسوم البطالة من بين غير المشغَّلين من 50% في العام 2003 إلى 27% في العام 2010.

يقبع واحد من كلّ أربعة مواطنين في إسرائيل، وواحد من كلّ ثلاثة أولاد تحت خطّ الفقر.

 فشلت خطّة فيسكونسين الإسرائيليّة. نحو 30% من المشاركين غادروها أو تسرّبوا منها ووجدوا أنفسهم مرغَمين على العيش دون دخل من مخصّصات أو عمل. 28% فقط ممّن وُجّهوا إلى البرنامج عملوا عند إغلاقه. تَحدَّثَ المشاركون في البرنامج عن مَهانات ومضايقات وتهديدات وتخويف. على الرغم من أنّه في العام 2010 ألغى الكنيست البرنامجَ، لم تُعَدِ الميزانيّات إلى مصلحة الاستخدام.

 

تحويل الماء من منتَج أساسيّ إلى سلعة استهلاكيّة

منذ العام 2010، ارتفعت أسعار الماء للمستهلك ما بين 40% وَ 50%. سَبَبَا ذلك: قرارُ الحكومة إيقاف الدعم الحكوميّ لقطاع الماء، ونقلُ إدارة سوق الماء إلى روابط الماء والصرف الصحّـيّ.

النتيجة:

يُفيد آلاف المواطنين أنّ روابط الماء تَقطع عنهم الماء دون أيّ اعتبار لحالتهم الاقتصاديّة، ودون تمكينهم من الاستئناف على القرار أو التقسيط. على هذا النحو يُحرم هؤلاء من الحقّ الأساسيّ في التزوّد بالماء تزوّدًا منظَّمًا.

 

رؤيانا الاجتماعيّة: التعليم والصحّة والإسكان والتشغيل والرفاه ليست منتجات استهلاكيّة، بل هي حقوق أساسيّة يحقّ لكلّ فرد منّا الحصول عليها. يمكن لمنهجيّات اقتصاديّة عديدة ومتنوّعة أن تعمل على تحقيق هذه الرؤيا على نحوٍ عادل، لكن التخلّي عن حقوق الإنسان هذه وتسليمها لقوى السوق ليس واحدًا من هذه المنهجيّات. على الدولة أن تتحمّل المسؤوليّة وأن تضمن لكلّ فرد القدرةَ على ممارسة حقوقه الاجتماعيّة بمستوى لائق. بغية تحقيق ذلك، ينبغي تطبيق سياسة حكوميّة تَدفع العدل الاجتماعيّ قُدُمًا، وتَعمل على تقليص الفجوات، وتَرصد أكبر قدر من الموارد العامّة لصالح الخدمات الاجتماعيّة اللائقة.

Share and Enjoy:
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Facebook
  • Print
  • email

קטגוריות: الحق في الصحة, الحق في العيش الكريم, الحق في المسكن اللائق, العمل والبطالة, حقوق اجتماعيّة

مفتاح :.

Comments are closed.