من أهم المخالفات التي ترتكبها الشرطة الإسرائيلية في تعاملها مع الأطفال المقدسيين المشتبه في إلقائهم الحجارة هو اعتقال الأطفال في جنح الظلام واقتيادهم لمراكز التحقيق دون مرافقة والديهم، استعمال العنف الكلامي والجسدي ضدهم، بالإضافة إلى توقيف الأطفال دون سن المسؤولية الجنائية والتحقيق معهم
أصدرت جمعية حقوق المواطن نشرة حول قضية اعتقالات الأطفال الفلسطينيين سكان القدس من قبل الشرطة الإسرائيلية، توضح فيها مخالفة الشرطة لقانون الأحداث الإسرائيلي في انتهاكها للحقوق المحمية للاطفال وفقا لهذا القانون الذي تم فرضه على السكان الفلسطينيين مع احتلال القدس الشرقية، إضافة إلى مخالفة اتفاقية حقوق الطفل الدولية، التي قامت إسرائيل بالتوقيع عليها في تاريخ 3.7.1990.
تفيد بيانات الشرطة الإسرائيلية أن أكثر من 1,200 قاصر فلسطيني، من سكان القدس الشرقية، قد جرى استجوابهم خلال السنة الماضية، للاشتباه في مشاركتهم برمي الحجارة. كما وتم اعتقال 759 طفل, وتقديم لوائح اتهام واعتقالات حتى استكمال الإجراءات القضائية ضد 226 طفلا.
وأوضحت المحامية نسرين عليان كاتبة النشرة أنه وعلى الرغم من أن قانون الأحداث يمنح القاصرين حماية خاصة خلال الاعتقال، أو التوقيف، أو استجواب الشرطة لهم، فقد حرمت الشرطة الكثير من الأولاد الفلسطينيين من الحقوق التي يتمتعون بها في إطار الإجراء الجنائي. حيث يُستشَف من شكاوى القاصرين وإفاداتهم لجمعية حقوق المواطن أن الشرطة لا تطبق تعليمات قانون الأحداث عند تعاملها مع القاصرين المشتبه فيهم من سكان القدس الفلسطينيين، وأن الاستثناءات في تعليمات القانون تحتل مكان التعليمات نفسها وتستعمل روتينيا.
وتوضح النشرة ما ورد في القانون الإسرائيلي (أو باسمه الرسمي: قانون الأحداث (المقاضاة، والعقاب، وطرق المعالجة) – 1971) من حماية للأطفال ضمن الإجراءات الجنائية، لمجرد كونهم قاصرين، وذلك وفقا لإملاءات اتفاقية حقوق الطفل العالمية، كما وترصد الخطوات غير القانونية التي تتخذها الشرطة الإسرائيلية ضد الأطفال الفلسطينيين في القدس. تحذر جمعية حقوق المواطن في النشرة من الإسقاطات الخطيرة وبعيدة المدى، النفسية منها والسلوكية، على هؤلاء الأطفال، وتوصي الشرطة بالتوقف فورا عن انتهاك حقوق الأطفال الفلسطينيين المحمية.
وترصد الجمعية في نشرتها المخالفات التي تقترفها الشرطة الإسرائيلية، مستعرضة في نفس الوقت نص القانون الإسرائيلي والبنود التي تقوم الشرطة بمخالفتها. وقد تم توثيق المخالفات بناء على إفادات تم جمعها من أطفال جرى التحقيق معهم ومن أهاليهم من سكان عدة أحياء في القدس الشرقية. فيما يلي أهم ما ورد في النشرة:
تلخيص لأهم ما ورد في النشرة:
الحالات الاستثنائية في القانون تحتل محل التعليمات
استبدلت الشرطة قواعد القانون ومبادئه بتقاريرها واستبياناتها التي لا تستوفي متطلّبات القانون الجذرية، بل تفي باستثناءاته. بكلمات أخرى، تطبق الشرطة الشروط الاستثنائية للقانون بشكل اعتيادي متذرعة بتوفر الشروط لذلك, على سبيل المثال، في إحدى الحالات المذكورة في إفادات الأطفال يرد أن جمال أشقر، والد لطفل تم توقيفه والتحقيق معه، قد طُرد من غرفة التحقيق بعد أن احتج على أسلوب وطريقة معاملة المحقق لابنه. وبهذا اعتبر المحقق أن الوالد قد شوّش مجرى التحقيق، وهي الحالة التي يسمح القانون فيها بإبعاد الوالدين عن التحقيق مع أولادهم.
الاعتقال كملاذ أخير: الاستدعاء أولا
تملي تعليمات القانون باستدعاء القاصر المشتبه فيه للتحقيق عوضا عن اقتياده إلى مركز الشرطة، وتشدد أن الاعتقال يجب أن يكون الملاذ الأخير بعد استنفاد جميع الوسائل الأخرى. وعلى الرغم من أن الاعتقال يشكل الوسيلة الأكثر انتهاكا لحرية الإنسان، ارتأت الشرطة الإسرائيلية أن تعتقل الكثير من القاصرين الفلسطينيين من القدس الشرقية بغية إحضارهم للتحقيق، وذلك رغم توافر إمكانية تحقيق غايات الاعتقال من خلال استدعائهم للتحقيق أو توقيفهم. يعترف القانون بأهمية أداة الاستدعاء إذ أنها تعطي الأطفال فرصة للتهيؤ نفسيا للتحقيق، كما تمكن الوالدين من التفرغ مسبقا بغية مرافقة أطفالهم إلى مراكز الشرطة. وقد ورد في نشرة جمعية حقوق المواطن أن توقيف القاصر أو اعتقاله لغرض إحضاره للتحقيق يشكلان خطوة متطرفة، يرافقها انتهاك خطير لحريته، كما تشجع على وضع وصمة المجرم عليه، وقد تلحق به أضرارا نفسية. وعلى الرغم من أن الحديث يدور عن أداتين خطيرتين واستثنائيتين، فإن التوقيف والاعتقال أصبحا الأداتين الروتينيتين في التعامل مع القاصرين من القدس الشرقية عند الاشتباه في رميهم للحجارة.
أرادت الشرطة توقيف م. ر. (وهو قاصر في الثانية عشرة من عمره)، بغية استجوابه. وصلت الشرطة إلى بيته بقوات معززة في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل. عند وصولهم إلى البيت، بدأ أفراد الشرطة بطرق أبواب البيت بشدة ودون توقف، مما أدى إلى إيقاظ الجيران. عندما فتح والد القاصر الطاقة الصغيرة التي في بوابة البيت، ليرى من ذا الذي يطرق الباب بعنف، حصل تلاسُن وصراخ بين أفراد الشرطة وبين الوالد الذي لم يقبل هذا التصرف من قِبل الشرطة. استمر الجدال بين الطرفين لمدة عشر دقائق، ولم يوافق الأب على فتح الباب. عند ذاك فقط، سلمته الشرطة أمر استدعاء للولد يقضي بوصوله إلى مركز الشرطة خلال 24 ساعة. |
تواجد الوالدين في التحقيق
يلقي القانون الإسرائيلي على الشرطة واجب السماح بتواجد أحد والديِ القاصر خلال استجوابه، ويحدد القانون كذلك أن على الشرطة أن تعلل وتفصل خطيا أسباب الامتناع عن دعوة أحد الوالدين إلى الحضور خلال التحقيق. على الرغم من ذلك، كما يرد في نشرة جمعية حقوق المواطن، تستخدم الشرطة استثناءات القانون بصورة روتينيّة، وتمنع بذلك تواجد الوالدين خلال التحقيق. تعلل الشرطة عدم السماح لأحد الوالدين بالتواجد في غرفة التحقيق مع أطفالهم على نحو سطحي وعام لا توفر فهما فعليا للأسباب الحقيقية التي حالت دون ذلك وعلى هذا النحو تعفي الشرطة نفسها من الامتثال للقاعدة الأساسية المدرجة في القانون.
شهد جمال الأشقر (وهو أب لولدين جرى اعتقالهما) بأنه بقي واقفا طَوال ثلاث ساعات في مدخل مركز شرطة “المسكوبية”، إلى أن سمحوا له بالدخول. بعد إدخاله، جرى التحقيق معه بشبهة تحريض أبنائه، ولم يسمح له بحضور التحقيق مع أي من ابنيه إلا بعد ذلك. عندما أخذ المحقق بالصراخ على الولد وبتهديده كي يعترف بما ينسب إليه، أبدى الوالد معارضته لهذه الطريقة من التحقيق، ونشبت بينهما مواجهة كلامية انتهت بطرد الأب من غرفة التحقيق. |
الاعتقال ليلا
تنص القاعدة على تنفيذ التحقيق مع القاصرين واعتقالهم خلال ساعات النهار فقط، ولا يسمح بالخروج عن هذه القاعدة إلا في حالات استثنائية. وحسب القانون الإسرائيلي، فإن ساعات النهار بالنسبة للقاصرين دون سن 14 هي من الساعة السابعة صباحا وحتى الساعة الثامنة مساءً. أما بالنسبة للقاصرين فوق 14 عاما ا، فتمتد ساعات النهار ساعتين أكثر وتنتهي في الساعة العاشرة ليلا. على الرغم من أن مرسوم الشرطة الإسرائيلية يشير على نحوٍ واضح وصريح إلى وجوب تنفيذ اعتقال الأولاد في ساعات النهار فقط، فإن الكثير من عمليّات اعتقال الأطفال في القدس الشرقيّة تحصل خلال ساعات الليل، كما يتبيّن في مجمل الشهادات التي بحوزة جمعية حقوق المواطن. لا تنفي الشرطة حقيقة اعتقالها للقاصرين واستجوابهم خلال ساعات الليل، ولكنها تكتفي بادعاءات عامة لتبرير اعتقالها للقاصرين واستجوابهم خلال الليل، مثل ادعاء “إفشال أو عرقلة التحقيق”، أو الادعاء أن اعتقال القاصرين يُرَدّ إلى “اعتبارات تتعلق بعمليات الشرطة أو اعتبارات تصب في صالح التحقيق”، وعلى هذا النحو تفرّغ الشرطة القانون من مضمونه.
جرى اعتقال م. ع. (البالغ من العمر 16 عامًا؛ وهو من العيساويّة) في الساعة الثالثة والنصف فجرًا. ولم يصل إلى مركز الشرطة إلاّ في الساعة الخامسة، بسبب تنفيذ الشرطة لخمسة اعتقالات إضافيّة في القرية في تلك الليلة. عند وصول القاصر إلى مركز الشرطة، بدأت عمليّة استجوابه في الساعة الخامسة فجرًا، وهي ساعة يمنع القانون فيها إجراء التحقيق مع القاصرين. |
التكبيل
يتنافى تكبيل القاصرين مع تعليمات القانون، ولا مسوغ له إلا في الحالات الاستثنائية، ولا يجري هذا إلا بعد استنفاد جميع السبل البديلة لتحقيق غاية التكبيل. ويشترط القانون ألا يتجاوز التكبيل الحد الأدنى من الوقت، وأن تؤخذ سِن الولد وتأثير التكبيل على سلامته النفسية والجسدية بعين الاعتبار، وذلك نظرا إلى الوعي للنتائج الخطيرة التي قد تنجم عن عملية التكبيل. رغم خطورة استخدام تكبيل القاصرين، اشتكى الكثير من القاصرين الفلسطينيين الذين جرى اعتقالهم أو توقيفهم في القدس الشرقية من أن أفراد الشرطة الإسرائيلية وضعوا الأغلال في أيديهم، عند اقتيادهم إلى مركز الشرطة، أو وهم في داخل هذه المراكز. ما يجدر التشديد عليه، في هذا السياق، هو أن القانون يسمح بتكبيل المعتقَلين، مما يعني حظر تكبيل الموقوفين. مع ذلك -وكما يظهر من إفادات الأولاد الذين أوقفتهم الشرطة-، إن هذه الأخيرة لا تميز أبدا بين الاعتقال والتوقيف، وتَدْرج على تكبيل القاصرين عند توقيفهم واقتيادهم إلى مركز الشرطة. إضافة إلى ما ذكر، يؤدي تكبيل القاصر بالسلاسل الحديدية أو البلاستيكية (عند الاشتباه فيه فقط، ولم يَجْرِ إثبات تهمته بعد)، وتنفيذ الاعتقال والتكبيل في محيط سكناه، وعلى مرأى ومَسمع من معارفه، يؤدي إلى إلصاق وصمة المجرم به، وإلى إذلاله على نحو فائق، إلى درجة تبلغ حد المساس بكرامة هذا القاصر.
في 28.2.2011، قرابة الساعة 15:20، قامت الشرطة بتوقيف خمسة قاصرين من حيّ سلوان. وقد أفاد شهود عيان أن الشرطة قامت بدفع الأولاد وجرهم بعنف إلى أعلى الشارع، وقامت بتكبيل أيديهم بالسلاسل أمام عيون الجميع. وذكَرَ بالغ جرى توقيفه أيضًا في نفس الحادثة في شهادته أنّه عند دخوله إلى مركز الشرطة في نحو الساعة الرابعة بعد الظهر، شاهد الأولاد الخمسة وقد جرى حجزهم بمحاذاة المصعد، وكانوا جميعًا مكبلين بالسلاسل. جلس اثنان منهم على الأرض، ورُبط آخرُ إلى كرسيّ، بينما جلس الرابع على كرسي ويداه مكبلتان بقيد بلاستيكي محْكم الإغلاق، مما تسبب له في الكثير من الأوجاع. جلس الولد الخامس بين سائر الأولاد، وقد كبل هو كذلك بالسلاسل. |
إعتقال القاصرين دون سن المسؤولية الجنائية
القانون الإسرائيلي واضح في تطرقه لاعتقال القاصرين دون سن المسؤولية الجنائية:
“لا يُحمَّل إنسانٌ مسؤوليّة جنائيّة لعمل قام به ما لم يبلغ الثانية عشرة من العمر”.
وكذلك الأمر مع مرسوم الشرطة الإسرائيلية حول العمل مع القاصرين:
“يُمكن توقيف قاصر دون سن المسؤولية الجنائية بهدف فحص تفاصيله، أو بهدف ترتيب لقاء له مع موظف الشؤون الاجتماعيّة الذي يُدعى للتحقيق”.
على الرغم من وضوح تعليمات القانون ونُظُم الشرطة، قامت هذه الأخيرة بتوقيف واعتقال قاصرين في القدس الشرقية هم دون سن المسؤولية القانونية، وتعاملت معهم كمشتبه فيهم بكل ما تحمل الكلمة من معنى. على الرغم من إدراكها أن الحديث يدور عن قاصرين تحت سن المسؤولية الجنائية، لا تفرق الشرطة في طريقة تحقيقها بين قاصرين دون سن المسؤولية الجنائية وأولاد فوق سن المسؤولية الجنائية. يقوم أفراد الشرطة بتوقيف الأولاد لساعات طويلة، ويكبلونهم بالسلاسل، ويقومون بتهديدهم خلال التحقيق، ويصرخون بهم، ويحاولون الحصول منهم على معلومات حول ما يدور في أحيائهم السكنية بسبل عديدة. من الجدير ذكره، في هذا السياق، أن احتمالات إلحاق الاعتقال للأذية النفسية والصدمة تتعاظم كلما كان الطفل أصغر سنا. بالإضافة إلى ذلك، عند قدومها لاعتقال قاصر ما، لا تهتم الشرطة الإسرائيلية بفحص ما إذا كان في سن المسؤولية القانونية أم لا. في الكثير من الحالات، لا يكتشف أفراد الشرطة أن القاصر تحت سن المسؤولية القانونية إلا عند وصوله إلى المركز، الأمر الذي كان بالإمكان تفاديه لو أنهم قاموا بعملية الفحص منذ البداية.
في 9.2.2011، حضرت الشرطة إلى بيت القاصر أ. أ. (وله من العمر 9 أعوام؛ وهو من سلوان)، في الساعة الخامسة صباحًا، وقامت باستدعاء الطفل للتحقيق للمرّة الثالثة رغم صغر سنّه. في كلّ مرّة، يدور التحقيق حول أسماء الأولاد الذين يُشتبَه في اشتراكهم في أحداث تحصل في الحيّ الذي يسكنه الطفل. بعد ساعة ونصف من التحقيق، جرى إطلاق سراح الطفل، بعد أن طُلب من والديه التوقيع على كفالة بمقدار 3,000 شيكل. |
النشرة كاملة: اضغط هنا