الدعوة إلى “تسطيح” قرى بلبنان تكاد تصل إلى الدعوة إلى تنفيذ جرائم حرب

أبدت جمعية حقوق المواطن، في الرسائل التي أرسلتها بتاريخ 12.8.06، احتجاجها على التصريحات السافرة التي صرح بها وزير الصناعة والتجارة ووزير العدل، حول الحاجة إلى “تسطيح” منازل وقرى في لبنان، يتم منها إطلاق النار باتجاه إسرائيل: مثل هذه التصريحات تتعارض تعارضا تاما وتعليمات القانون الإنساني، ومن شأنها أن يُنظر إليها وكأنها تعبير عن سياسة إسرائيل لتنفيذ جرائم حرب

13 آب، 2006
حضرة
السيد حاييم رامون
وزير العدل

تحية طيبة وبعد،

الموضوع: دعوتك إلى “تسطيح” قرى كاملة في لبنان

نتوجه إليك معبرين عن احتجاجنا الشديد على تصريحاتك السافرة التي أدليت بها في مقابلة أجريت معك بتاريخ 9.8.06 في برنامج “حميش عم يارون فيلينسكي” الذي يُبث في “غالي تساهال”، حيث صرحت في هذا البرنامج:

“… [أن] أي مكان، أي قرية يتم منها إطلاق قذائف الكتيوشا باتجاه إسرائيل، يجب لهذه القرية والمنطقة المحيطة بها أن تتعرض إلى قصف مدفعي عنيف أو قصف آخر، فهذا يتماشى مع كافة قوانين الحرب، حيث هناك حق للرد بكل قوة في الأماكن التي يتم إطلاق النار منها. هذا ما يجب عمله دائما. على فكرة، إنهم يقصفون من قرى كثيرة، ولا يقصفون من محميات طبيعية فقط، حيث لا توجد هناك أية مشكلة في الرد بكل القوة، غير أن الأمر هناك أكثر تعقيد، ولكنهم يطلقون النار من البيوت في كل قرية تقريبا، في بنت جبيل تحولت البيوت والقرى إلى مسيطر عليها، ويجب “تسطيح” كل هذه البيوت، هذا ما أكرر قوله، أقول هذا لوزير الدفاع ولرئيس الحكومة، وآمل في أن يحدث ذلك بالفعل”.

أقوالك هذه، التي قلت فيها أن بيوتا وقرى كاملة قد تحولت إلى حلبة لإطلاق قذائف الكاتيوشا، ولذلك يجب “تسطيحها”، تتنافى تنافيا تاما مع تعليمات القانون الإنساني الدولي، وهي لا تثير السخط بسبب حدتها فحسب، بل لأن من تفوه بها هو وزير كبير في الحكومة، من المتوقع منه أن يكون مؤتمنا على الحفاظ على القانون.

أولا، يفرض القانون الإنساني الدولي واجبا واضحا على القوة المقاتلة في توخي الحذر الدائم لمنع إصابة السكان المدنيين الأبرياء. هذا الواجب هو فكرة مركزية في التعليمات الأساسية من القانون الإنساني الدولي. إن تصريحاتك الواضحة بشأن إطلاق قذائف الكاتيوشا من المنازل، وبشأن السيطرة على منازل وقرى كاملة بهدف إنجاز إطلاق هذه الصواريخ هي ادعاءات ثبوتية، يجب أن ترتكز على حقائق ثبوتية أيا كانت، كما ينص واجب توخي الحذر. إن الجزم البديهي بأن منازل وقرى كاملة قد تحولت إلى حلبة لإطلاق القذائف، يتعارض تماما مع واجب الحذر. يلزم واجب توخي الحذر بأنه فيما يتعلق بأي عملية عسكرية، فإن من واجب القوى المقاتلة التأكد بأن الهدف الذي تنوي إصابته، يشكل في تلك اللحظة هدفا عسكريا.

إن فحص العملية العسكرية ليس مطلوبا بهدف التأكد فحسب بأن الحديث هو عن هدف عسكري، بل كذلك بهدف التأكد أن إصابة هذا الهدف، حتى وإن كان هدفا عسكريا، هي إصابة معيارية. يمنع القانون الإنساني الدولي ضرب أهداف عسكرية حين يكون من المتوقع أن هذا الهجوم يمكن أن يؤدي إلى “خسارة ترافقه في الأرواح، مس مرافق بالمدنيين، ضرر مرافق بالمنشئات المدنية، أو الدمج بين كل هذه الأمور، بحيث يكون مبالغ بها مقارنة بالامتياز العسكري العيني والمباشر المتوقع” (البند 57(2) (ب) من البروتوكول الأول لميثاق جينيف من عام 1977).

ثانيا، قتل المدنيين أو المس المقصود بهم هو خرق سافر لميثاق جينيف الرابع. يقيم الخرق السافر لميثاق جينيف الرابع صلاحية المحاكمة الشمولية، التي تتيح للدول الأجنبية محاكمة كل من يُشتبه به بخرق سافر لتعليمات الميثاق. المحاكم الجنائية الدولية التي أقامتها الأمم المتحدة، قد أقرت بشكل لا خلاف فيه، أنه يمنع تفسير مصطلح “العمد” (willful) بشكل جزئي، يتطلب قصدا عمدا لقتل المدنيين أو المس بهم، بل أن الإسراع يكفي لقيام الأساس النفسي للمخالفة. إن الجزم البديهي بأن بيوتا وقرى كاملة تشكل هدفا عسكريا شرعيا، هو بمثابة تجاهل وجود الإمكانية بأن يلقى مدنيون أبرياء حتفهم أو أن يلحق بهم أذى بالغ في أعقاب إصابة بيوتهم وقراهم، وهي تقيم الأساس النفسي المطلوب لإنجاز مخالفة القتل العمد أو المس المقصود بالمدنيين.

أي أن الجزم البديهي بأن بيوتا وقرى كاملة تشكل هدفا عسكريا شرعيا، والدعوى إلى “تسطيحها”، معناها الدعوة إلى ارتكاب جريمة حرب شنيعة جدا، ومن شأنها أن تعتبر تعبيرا عن سياسة إسرائيل في تنفيذ جرائم حرب.

إضافة إلى ذلك، حتى وإن كان الحديث يجري عن منازل قد أخلاها ساكنوها، فإن دعوتك إلى “تسطيح” القرى، تكاد تصل إلى حد ارتكاب جرائم حرب، كما هي معرفة في القانون الإنساني الدولي. يشتمل القانون الإنساني الدولي على تعليمات كثيرة، تمنع إلحاق الدمار المكثف بالممتلكات الشخصية وبالأهداف المدنية. إضافة إلى ذلك، يتم تصنيف “تدمير ومصادرة الممتلكات بشكل واسع النطاق، حيث لا تنم هذه الأمور عن حاجة عسكرية تبررها، وقد تم تنفيذها من دون الحصول على إذن وبغير مسؤولية” كخرق سافر لميثاق جينيف.

ناهيك عن أن “تسطيح” القرى الكاملة يجر وراءه خرقا سافرا آخر لميثاق جينيف، لأن تهجير سكان القرى من منازلهم وللأبد، يخرق هو أيضا حقوق هؤلاء السكان، كما هي مرسخة في ميثاق جينيف.

على ضوء ما تقدم، نطالبك بالعدول فورا عن دعوتك للخروقات السافرة لتعليمات القانون الإنساني.

باحترام،

دان يكير، محام
المستشار القانوني

Share and Enjoy:
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Facebook
  • Print
  • email

קטגוריות: القانون الإنساني الدولي, حقوق مدنيّة

مفتاح :, , .

Comments are closed.