عندما تدوي المدافع… حقوق الإنسان في أوقات الحرب

عندما تدوي المدافع… حقوق الإنسان في أوقات الحرب*

“الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين
ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي
سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو
للون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر. ولهذا الغرض،
تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات
والأماكن:
( أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة
القاسية، والتعذيب; (ب)أخذ الرهائن; ( ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة
المهينة والحاطة بالكرامة; ( د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام
محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة”.
(البند الثالث المشترك لإتفاقيات جنيف الأربع)

حقوق الإنسان – من أجلنا حقوق الإنسان هي حقوق تمنح للفرد من منطلق عام وشمولي وتجسّد المفهوم الأخلاقي القاضي بأن لكل إنسان الحق في التمتع بحقوق أساسية لكونه إنسانا. لا تنبثق الحقوق عن دولة أو عن قوانينها، بل عن مصدر دولي وفوق دولي. إن الحفاظ على حقوق الإنسان مهم في أوقات السلام، لكن تكبر أهميته في أوقات الحروب، لأن المعايير الأخلاقية المتبعة تنهار في مثل هذه الأوقات وتبدلها معايير جديدة. في مثل هذه الأزمات, تُنتزع من السكان المدنيين قدرة السيطرة على ما يحدث ومن الممكن أن تُخرق حقوقهم خرقًا تعسفيًا ومبالغًا به.

القانون الإنساني الدولي رغم المعاناة الكبيرة التي تتعرض لها الإنسانية نتيجة الحروب، يبين لنا التاريخ أنه من الصعب منع نشوب نزاعات جديدة. أدى تطوير الوسائل القتالية الحديثة في القرون الماضية إلى مضاعفة الضرر الذي يلحق بالمدنيين[1]. لذلك, هنالك محاولات لتحديد إطار من القواعد يهدف إلى الحد من المعاناة التي يتعرض لها المدنيين الذين لم يشاركوا في القتال. في النصف الأول من القرن التاسع عشر، بادرت شخصيات ومنظمات عدة الى بلورة معايير ملزمة لإدارة الحروب، تعرف باسم “القانون الإنساني الدولي” والذي يشمل المعاهدات الدولية بشأن حقوق الإنسان في أوقات الحرب.

المعاهدات الدولية – إشارة أخلاقية تحذيرية في وجه الإنسانية في الأساس تشدد هذه المعاهدات على عدم شرعية جميع الوسائل في أوقات الحرب. وتهدف المعاهدات إلى بلورة قواعد تصرف، قواعد افعل ولا تفعل في أوقات الحروب. تأتي هذه المعاهدات لخلق توازن بين المصالح العسكرية للدولة وحقوق الأساس والاحتياجات الإنسانية لدينا كمجتمع إنساني وكأفراد. تفصّل المعاهدات قواعد النزاع المسلح بين الدول وفي النزاعات الداخلية، النزاعات في البر والبحر، كما تحدد كيفية التعامل مع أسرى الحرب وحماية المدنيين غير المشاركين في القتال. إضافة إلى ذلك، تحدد هذه المعاهدات جهات محلية (رسمية) ودولية وظيفتها مراقبة تنفيذ ما ورد فيها.

المدني ليس مقاتلا تكمن الرسالة الأساسية في المعاهدات في كون المدنيين ليسوا، ولا يجوز أن يكونوا في أي وقت من الأوقات، هدفا عسكريا شرعيا أو هدفا لعملية رد أو هدفا لعقاب جماعي. كما تنص المعاهدات على أن أطراف النزاع ملزمون بالحفاظ على الحقوق الأساسية للمدنيين ومن بينها الحق في الحياة و الحق في التقاط الرزق و الحق في تلقي العلاج الطبي والحق في التعليم. وتناشد هذه المعاهدات واضعي السياسات عدم اتخاذ قرارات يتمخض عنها المس بحياة وأمن المدنيين أو المس بوتيرة حياتهم. ما ينطبق على المدنيين ينطبق أيضا على أسرى الحرب وعلى طواقم وعمل مؤسسات المساعدة الإنسانية مثل المستشفيات والطواقم الدينية.

الوضع في دولة إسرائيل وقعت دولة إسرائيل على المعاهدات الأساسية للقانون الإنساني الدولي وصادقت عليها (ما عدا اتفاقية أوتاوا، دستور روما والبروتوكولان، الأول والثاني من معاهدة جينيف)، لتتبنى بذلك القواعد المحددة بها. تمنح المصادقة على هذه المعاهدات اسرائيل صبغة وثائق موجِّهة في القضاء الإسرائيلي بهدف تفسير التشريعات الداخلية وإجراء الرقابة على السلطات. رغم ذلك، على الكنيست تبني هذه الاتفاقيات في إطار تشريع إسرائيلي يسري مفعوله بشكل ملزم في إطار القضاء الإسرائيلي الداخلي. يسري مفعول الاتفاقيات التي تتناول الدفاع عن المواطنين المدنيين في المناطق المحتلة بمقتضى القانون الدولي العرفي.

في الكثير من الأحيان يصاب مدنيون في النزاع المسلح الدائر بين إسرائيل والفلسطينيين، رغم عدم مشاركتهم في القتال[2]. يدفع المجتمعان، الفلسطيني والإسرائيلي، ثمنا باهظا لهذا النزاع وذلك بحياتهم، أمنهم، تعليمهم، صحتهم ومصدر رزقهم.

للتثقيف قدرة على التغيير تناشد المعاهدات الدولية الدول الأطراف بتثقيف مواطنيهم وجنودهم حول جوهر هذه المعاهدات، انطلاقا من الإيمان بأن التثقيف سيؤدي في نهاية الأمر إلى بناء مجتمع أخلاقي وأكثر عدلا.

المعاهدات الرئيسية التي تتناول الحقوق في أوقات الحرب والتي وقعتها إسرائيل وصادقت عليها:

  • معاهدة لاهاي (1907) بشأن أحكام وسلوكيات القتال في اليابسة.
  • معاهدة بشأن منع جرائم إبادة شعب والمعاقبة عليها (1948).
  • معاهدات جينيف الأربع (1949): تحدد المعاهدة الأولى قواعد التعامل مع الجرحى والمرضى والأطقم الطبية والدينية والدفاع عنهم. توسع المعاهدة الثانية هذه القواعد لتشمل الحرب في البحر، أما الثالثة فترسخ حقوق أسرى الحرب، فيما تحدد الرابعة قواعد حماية المواطنين المدنيين.
  • معاهدة لاهاي (1954) بشأن الدفاع عن المؤسسات التربوية.
  • معاهدة CCW (Certain Conventional Weapons) (1980): بشأن تقييد استخدام الأسلحة التقليدية، كاستخدام الألغام المضادة لبني البشر وعيارات “دُم-دُم”.
  • معاهدة حقوق الطفل (1989).
  • المعاهدات الرئيسية التي تتناول الحقوق في أوقات الحرب والتي لم تصادق إسرائيل عليها:

  • بروتوكولان مرفقان (1977) بمعاهدة جينيف (1949)، يبرزان التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ويلزمان بحماية المواطنين المدنيين في أوقات الحروب بين الدول وفي النزاعات الداخلية.
  • اتفاقية أوتاوا (1997) بشأن منع إنتاج الألغام المضادة لبني البشر أو استخدامها والمتاجرة بها (معطى[3]).
  • دستور روما (1998) بشأن إقامة محكمة جنائية دولية.
  • ——————————————————————————–

    * يتطرق مصطلح “حقوق الإنسان” المبين في العنوان إلى الحماية المكفولة للمدنيين في أوقات الحرب بمقتضى القانون الإنساني الدولي.

    [1] في الحرب العالمية الأولى، وصلت نسبة الضحايا من المدنيين الى 5%، وفي الحرب العالمية الثانية الى 50%؛ أما اليوم فإن 90% من الضحايا في الحروب هم من المواطنين (عن معطيات الصليب الأحمر).

    [2] منذ بداية الانتفاضة الثانية، قتل أكثر من 4,500 شخص، منهم حوالي 3,500 فلسطيني، وحوالي 1,000 إسرائيلي. معظم الضحايا كانوا من المدنيين غير المسلحين (عن معطيات “بتسيلم”).

    [3] حوالي 83% من المصابين جراء الألغام المضادة للبشر هم من المواطنين، والجزء الأكبر منهم من الأولاد (عن معطيات اليونيسيف).

    Share and Enjoy:
    • LinkedIn
    • Twitter
    • Facebook
    • Print
    • email

    קטגוריות: الحق في الحياة وسلامة الجسد, القانون الإنساني الدولي, حقوق مدنيّة

    مفتاح :.

    Comments are closed.