صورة الوضع القائم كانون أول 2005 – الجزء الثاني

اصدارات

حقوق الإنسان في إسرائيل: صورة الوضع القائم- كانون أول 2005 – تابع للجرء الأول

Update:01/02/2006

إجحاف في الجنائيات

تحقيق مهين
تواصلت في السنة المنصرمة نزعة التشريع التي تعطي السلطات صلاحيات واسعة للمس بحقوق الانسان، دون ضمانات كافية لإجراء نزيه. تشمل هذه النزعة، عبر قسم من القوانين، ميلا للقيام بخطوات مانعة، والتي تمس بحكم طبيعتها بالأبرياء، بدلا من معاقبة المخالفين بعد ادانتهم في المحكمة؛ فرض تقييد وعقاب على الشخص من خلال الاستناد الى معلومات سرية لا يستطيع الشخص الدفاع عن نفسه إزاءها؛ تآكل المبدأ الأساسي بأن الانسان بريء طالما لم تثبت إدانته؛ تحويل صلاحيات تطبيقية الى جهات لا تشكّل جزءًا من سلطات فرض القانون. وقد بادرت الحكومة الى سلسلة من هذه القوانين المهينة. صحيح انه تم تخفيف قسم من تلك القوانين، بهذه الدرجة أو تلك، خلال مناقشتها في لجان الكنيست وفي اعقاب نشاط جمعية حقوق المواطن ومنظمات حقوق انسان أخرى، ولكن يجب ان ننظر بقلق الى مجرّد الاستعداد المتزايد للمسّ بحقوق الانسان “باسم الأمن”. هذا الاستعداد هو جزء من نزعة عالمية، وبحسبها فإن الهدف العام المتمثل بمحاربة الارهاب يجيز وسائل شرسة. فيما يلي نقدم بعض الأمثلة.

صلاحيات شرسة باسم محاربة الإرهاب
بادرت وزارة القضاء الى سنّ قانون لمنع تمويل الإرهاب، بهدف مواجهة جانب التمويل في إطار محاربة الإرهاب. تمّ سنّ قوانين مشابهة في دول أخرى، وأرادت اسرائيل ملاءمة تشريعها لتلك القوانين. وقد وفّر مشروع القانون الذي قدمته الحكومة صلاحيات واسعة للمس بحقوق الانسان، فمثلا يسعى القانون الى تخويل الحكومة بالاعلان عن شخص كـ “ناشط في الارهاب” استنادًا الى الشبهات فقط، وفرض مقاطعة اقتصادية تامة عليه والسيطرة على املاكه بشكل دائم عبر قرار اداري. عملت لجنة القانون والقضاء والدستور البرلمانية على تحسين التوازنات الدستورية في القانون وتقرر في النهاية ان قسمًا كبيرًا من الاجراءات التي تتضمن مسًا، تسري فقط على جهات ارهابية غير مرتبطة بإسرائيل. ذلك لأنه في اعقاب المعارضة التي أُسمعت والتعديلات على نص مشروع القانون، فضّلت الحكومة مواصلة العمل وفقًا للاجراءات الشرسة المنصوص عليها في أمر منع الارهاب وأنظمة الدفاع (الطوارئ)، ولم ترغب في اسراء مفعول المشروع المعدّل على نشاطها الجاري. في النص النهائي الذي تمت المصادقة عليه لا يزال هناك مس بحقوق الانسان في اسرائيل. فوفقًا للقانون:تعريف تنظيم ارهابي داخل اسرائيل يستند الى الصلاحية المنصوص عليها في أمر منع الارهاب وانظمة الدفاع (الطوارئ)، وبحسبها تستطيع الحكومة أن تقرّر ان تنظيمًا هو تنظيم ارهابي (في انظمة الدفاع – “اتحاد غير مسموح”)، من دون اجراء نزيه.ينص القانون على ان كل انسان يطلب منه استعمال املاك خلال عمله، ويكون لديه اشتباه معقول بأنها املاك ارهاب او تمويل للارهاب – يجب عليه ان يبلغ الشرطة، واذا لم يبلّغ فقد يتعرض للسجن لمدة سنة. ليس من وظيفة المواطن أن يتعقّب اعمال الزبائن ومزوّدي البضائع. فالمواطنون العاديون ليسوا مؤهلين بفحص الشبهات وتقدير احتمالاتها. واجب التبليغ هذا قد يؤسس لثقافة التبليغ المبالغ به والتشكّك. بطبيعة الحال فالخشية هي من توجيه هذه الريبة بالاساس الى العرب وتشجيع ظاهرة “صيد الساحرات”.

تقييد لقاء السجين مع محامٍ
صادقت الكنيست على تعديل لأمر السجون، يحدّد اجراءات خاصة لمنع اللقاء بين سجين معيّن وبين محاميه. وفقًا للتعديل يمكن منع لقاء كهذا في حال وجود “شبهة حقيقية” بأن اللقاء قد يمكّن من القيام بمخالفة تهدد أمن شخص، أمن الجمهور، أمن الدولة أو أمن السجن، أو تمكّن من مخالفة انضباطية تمس مسًا حقيقيًا بالانضباط في السجن وقد تؤدي الى تشويش خطير في نظام السجن وادارته. في المرحلة الأولى (24 ساعة) تكون صلاحية المنع معطاة لسلطة السجون، في المرحلة الثانية (5 أيام) يتطلب الأمر تخويل مدعي اللواء وفي المرحلة الثالثة يحتاج الامر تصريحًا من قاضٍ. وفقًا لتعديل القانون فإن تسويغات منع اللقاء يمكن أن تكون سريّة في حالات معينة.إن الصلاحية التي يعطيها القانون لكبار مسؤولي سلطة السجون، تحمل في طياتها امكانيات هائلة بحيث تُستغل بشكل سلبي. فالسجن هو مؤسسة “مطلقة”، تسيطر على كافة جوانب السجناء المقبوض عليهم فيه، وهم مكبلون الى حدّ بعيد بجمائل سجّانيهم. ويعتبر التوجه الحر والسريع لتلقي استشارة قانونية بالنسبة للسجناء بمثابة وسيلة حيوية للدفاع عن حقوقهم خلف جدران السجن، وحتى وسيلة مركزية لدى الجمهور لاجراء رقابة متواصلة على ما يجري فيه. من غير اللائق ان تكون للجهة المسؤولة عن عملية السجن صلاحية لمنع هذه الامكانية الحيوية. صحيح أنه بعد أيام معدودة يتطلّب الأمر رقابة قضائية، ولكن في ضوء حقيقة ان المواد قد تكون سرية، لا يضمن هذا الا يكون هناك مسّ غير مبرّر بالحقوق.

التمييز بحقّ مشتبه بهم بمخالفات أمنية وهم ليسوا مواطني الدولة
من المفترض أن تبحث الكنيست قريبًا في اقتراح بادرت اليه الحكومة لتعديل قانون نظام الحكم الجنائي. يسعى مشروع القانون الى اقرار أوامر خاصة ومميِّزة لاعتقال واجراء تحقيق مع مشتبه بهم بمخالفات أمنية، من غير سكان الدولة. ان المعنى الخطير الذي يكمن في التعديل هو منح الشاباك والشرطة ترخيصًا للتحقيق مع هؤلاء المشتبه بهم وهم مقطوعون عن العالم الخارجي ولفترة جديّة. إنّ اقتراح التعديل هذا هو مناقض للديمقراطية، ويمسّ بشكل فادح بحقوق الانسان، ويفتح الأبواب على استعمال وسائل تحقيق باطلة وحتى تقديم اعترافات كاذبة.
في حال تم قبوله فإن هذا القانون سيسمح بما يلي:احتجاز مشتبه بهم لمدة اربعة ايام رهن الاعتقال من دون إحضارهم أمام محكمة، طالما كانت “ضرورات التحقيق تلزم بذلك”. وفقًا للقانون المعمول به أيضًا، حين يدور الحديث حول مخالفة أمنيّة، يمكن إرجاء إحضار معتقل ما أمام قاضٍ لفترة تصل حتى 48 ساعة، حين “تكون هناك حاجة طارئة مطلوبة بخصوص التّحقيق”. وهكذا فإنّ البند المقترح يسعى الى السماح بارجاء إحضار معتقل اجنبي مشتبه به بمخالفة أمنية أمام قاضٍ، حتى حين لا تكون هناك حاجة في عملية طارئة، مطلوبة بخصوص التحقيق.التداول في المحكمة بقضايا هؤلاء المشتبه بهم وتمديد اعتقالهم في غيابهم في ظروف مختلفة. من شأن هذا ان يمس بشكل بالغ بحقّ المعتقل في إجراء نزيه، وينتهك بفظاظة المبدأ الأساس الذي يستحقّ الانسان بحسبه أن يكون حاضرًا في الجلسات القضائية التي تخصّ قضيّته.منع هؤلاء المشتبه بهم من التقاء محامٍ لمدّة 50 يومًا منذ يوم اعتقالهم في ظروف مختلفة.ان محاربة الارهاب والمخالفات الأمنية، رغم التهديد البالغ النابع منهما، لا يمكنه أن يسوّغ تشريعًا كهذا، ولا مكان له في نظام قضاء ديمقراطي. نشير الى انه في العام 2004 رفض مجلس الشيوخ في بريطانيا المصادقة على اجراء يتعلّق باعتقال المشتبه بهم بالارهاب، لكونه يميِّز ضد الاجانب.

مجمع “دي إن إيه”
صادقت الكنيست على تعديل لقانون نظام الحكم الجنائي، وهو يسمح، أيضًا، بأخذ عينات DNA من كل انسان يشتبه به، اتُّهم او أدين بواحدة من المخالفات التي يسري عليها القانون. يسمح القانون بأخذ وسائل لتحديد الهوية وعينات بيولوجية من مشتبه بهم ومتهمين، من خلال دوس المبدأ القائل بأنّ الإنسان هو بريء طالما لم تتمّ إدانته. صحيح أنّه في أعقاب مناقشات لجنة الدستور والقانون والقضاء التابعة للكنيست أُدرج في القانون تحفّظ يلزم بإبادة العينة الجينية وبمحو معطيات تحديد الهوية لهؤلاء المشتبه بهم والمتهمين في حال لم يدانوا خلال 7 سنوات، ولكن سيكون من الصعب جدًا ضمان تنفيذ ذلك.ان اقامة مجمع DNA يساعد سلطات القانون على تطبيق القانون في التحقيق بالمخالفات ومنعها، غير باطل قانونيًا. فمجمع كهذا من شأنه ان يشكّل وسيلة هامة في العمل الشُّرَطي وحتى المساهمة في حماية حقوق الانسان، سواء كانت حقوق ضحايا محتملين أو حقوق أشخاص كان سيتمّ استدعاؤهم لتحقيقات زائدة لولا هذا المجمع. ولكن القانون الذي تم سنّه جارف ويمس بشكل غير متوازن بحقوق أساس.

المس بحقوق معتقلين في فترة فك الارتباط مع قطاع غزة
قبيل فك الارتباط مع قطاع غزة اقيمت الى جانب مواقع الاعتقال في جنوبي البلاد ومركزها قاعات محاكم خاصة، وخلال تنفيذ فك الارتباط في شهر آب، عقدت في هذه القاعات جلسات لتمديد اعتقال المتظاهرين الذين اعتقلوا، بينهم الكثير من القاصرين. خلال الجلسات في هذه القاعات وقعت قصورات مختلفة مثل عدم تمكين محامين من التقاء ممثليهم، وجلسات جماعية لتمديد اعتقال عشرات الفتية من دون استيضاح فردي لكل واحد من المعتقلين. ان المناقشة القانونية يجب ان تعقد في المحكمة وليس بمحاذاة مواقع الاعتقال. خلال الجلسات تبين أن المحكمة الخاصة لا تحلّ معظم المشاكل التي بسببها اقيمت. فقد اتضح أنّ إحضار معتقل من موقع الاعتقال منوط باجراءات معقدة ومتواصلة سواء كانت المسافة بين قاعة المحكمة وبين موقع الاعتقال 20 مترًا أو 20 كيلومترًا. فالنتيجة هي أن عناصر سلطة السجون والشرطة حاولوا أن يوفروا على انفسهم مهمات احضار المعتقلين الى قاعة المحكمة، وقدموا لهذا الغرض ادعاءات فارغة وكأن المعتقلين هم من يرفضون المثول.لقد توجهت جمعية حقوق المواطن الى مدير المحاكم وطلبت منه الإنهاء الفوري لعمل المحاكم الخاصة الواقعة بمحاذاة المعتقلات، بسبب المس بحقوق المعتقلين، لكن الطلب رُفض، من خلال اعطاء تعهد بأن يتم استعمال قاعات المحاكم الخاصة بشكل استثنائي فقط، فيما لو استُعملت أصلاً. في تشرين الاول 2005 اتضح ان تقريرًا داخليًا أعدّ في المرافعة الجماهيرية، حذر هو الآخر من المشاكل المذكورة.

تمثيل للمتهمين ذوي الامكانيات المحدودة
لقد غيّر قانون المرافعة الجماهيرية، الذي صودق عليه قبل عشر سنوات، بشكل جوهري من نسبة المعتقلين والمتهمين الذين يحظون بتمثيل في المحاكم، وهكذا فقد ساهم في صنع العدالة والحفاظ على حقوق الانسان. لكن المعايير التي تحدد مَن يستحقون تمثيل المرافعة الجماهيرية لا تضمن حق متهمين معدومي الامكانيات في التمثيل. فالحق في المرافع الجماهيري اقتصر على متهمين بمخالفات لا تتجاوز عقوباتها السجن لخمس سنوات وللمتهمين الفقراء جدًا (ابن لأسرة من ثلاثة افراد يستحقّ التمثيل فقط اذا كان الدخل الاجمالي للأسرة يقل عن 4666 ش.ج. و/أو لا تزيد قيمة املاك هذه الأسرة عن 21000 ش.ج.). هذه المعايير غير معقولة وتبقي متهمين فقراء كثيرين من دون تمثيل.في عام 1999 التمست جمعية حقوق المواطن ضد هذه المعايير بادعاء ان كل متهم عديم الامكانيات يجب ان يكون له الحق في التمثيل بواسطة محامٍ. في اعقاب الالتماس اصدر المستشار القضائي للحكومة تعليمات (ضُمنت مؤخرًا في أحد الأنظمة) وهي تلزم النيابة بلفت نظر المحكمة الى ان المتهم غير الممثَّل بسبب انعدام امكانياته قد يُرسل للسجن.في هذه الأيام يتواجد، في مراحل تشريع متقدمة، مشروع قانون خاص قدمه النواب يتسحاق ليفي، ايتي لفني، وميخائيل ايتان ووفقًا له لا تقوم المحكمة بفرض عقوبة السجن على متهم غير ممثَّل بمحامٍ، إلا اذا اعلن المتهم انه غير معنيّ بتمثيل قانوني. وقد حظي مشروع القانون بدعم الحكومة وفي حال تم قبوله سيتم وضع حد لوضع معيب يتم فيه ارسال اشخاص فقراء للسجن من دون ان يكون لهم تمثيل قانوني لائق.مناقشة الالتماس المذكور أعلاه، والمشاكل المختلفة النابعة من نص النظام، جُمّدت لمدة نصف سنة، حتى يتمّ استكمال اجراءات التشريع.

خصخصة في السجون
عام 2004 صادقت الكنيست على قانون بخصوص خصخصة السجون. خلال مناقشات القانون عرضت جمعية حقوق المواطن وجهات كثيرة أخرى موقفا حازمًا معارضًا لنقل ادارة السجون الى جهات خاصة. فهذه السجون تعمل قبل كل شيء وفقًا لاعتبارات اقتصادية قوامها الربح والخسارة، ولذلك فإن منح هذه الجهات تفعيل صلاحيات الحكم الحساسة المنوطة بادارة سجن، قد تؤدي الى مسّ خطير بحقوق الانسان الاساسية للسجناء، والتآكل الجدي في مستوى الخدمات – المنخفض أصلا – التي يتلقونها. خلال مراحل التشريع تمّ قبول قسم من التعديلات التي اقترحها معارضو الخطوة، ولكن لم يكن هذا كافيًا لازالة احتمالات المسّ الكبيرة التي يتضمنها مجرد القيام بهذه الخصخصة. في اعقاب سن القانون أعلنت وزارة الأمن الداخلي عن مناقصة لتفعيل السجن الخاص الأول.في الوضع الذي نشأ هناك أهمية جماهيرية كبرى بتلقي معلومات كاملة حول الحد الأدنى لشروط السجن التي يطالب بتوفيرها الفائز بالمناقصة، مقدار خدمات المعالجة والتأهيل التي ستُعطى للسجناء، شكل الرقابة الحكومية على من سيفعّلون هذا السجن والطرق التي ستستعملها الدولة في مواجهة حالة يتم فيها انتهاك شروط المناقصة من قبل الفائز بها. ولكن مضمون المناقصة ظلّ سريًا، وأثار هذا المخاوف من ان السلطات تسعى للتنصّل من رقابة جماهيرية على نشاطها وتحاول “فرض حقائق ناجزة”. فقط حين قدمت جمعية حقوق المواطن التماسًا بواسطة برنامج حقوق الانسان في كلية القانون التابعة لجامعة تل ابيب، استنادًا الى قانون حرية المعلومات، وبعده استئناف للمحكمة العليا، وافقت الدولة على كشف قسم كبير من وثائق مناقصة خصخصة السجن الأول في اسرائيل. هذه الاجراءات مستمرة لأن وزارة المالية وسلطة السجون لا تزالان ترفضان كشف الوثيقة بأكملها. المعلومات التي توفرت حتى الآن لا تبعث على الارتياح، ويتضح منها، أيضًا، ان مساحة العيش المعطاة للسجين تقل عن المقياس الدولي المنصوص عليه. إن حقيقة عدم كشف معلومات بخصوص العلاج الطبي للسجناء والغرامات المالية التي ستفرض على الفائز بالمناقصة على عدم الايفاء بالتزامته، هي حقيقة مثيرة للقلق.استنادًا الى التجربة من مجالات أخرى جرت خصخصتها (يُنظر مثلا في هذا التقرير، البند الذي يتناول المستشفيات النفسية) هناك أساس للتخوّف الشديد بخصوص قدرة صلاحيات الرقابة، المحفوظة للدولة بحكم القانون، على ضمان حماية حقوق السجناء. واتضح في هذه الأيام أن الفائزين بمناقصة تفعيل السجن الخاص الأول في اسرائيل لمدة 25 عامًا هم مجموعة “أفريقيا اسرائيل” وشركة العقارات “منرف”. في عام 2005 قُدّم التماس فرع حقوق الانسان في الكلية الأكاديمية رمات غان ضد تعديل القانون الذي تتم الخصخصة استنادًا اليه، بادعاء ان اقامة سجون مخصخصة تمس بالمبدأ المنصوص عليه في قانون أساس: الحكومة، ووفقًا له “الحكومة هي السلطة التنفيذية في الدولة” وذلك أنه يتم تحويل صلاحيات حكم الى عمّال الفائز بالمناقصة. هذه المناقصة لا تزال قيد البحث، وقد أمرت المحكمة الحكومة بتقديم ردها بحيث يشمل التطرّق الى موقفها من حدود خصخصة الصلاحيات العامة.

عنف الشرطة وتحقيقات ماحش
طُرح في فصول أخرى من هذا التقرير (يُنظر “التمييز ضد الأقلية العربية” و “حرية التعبير”) نقد لعنف يمارسه شرطيون وللنواقص في التحقيق بحالات كهذه من قبل قسم التحقيق مع الشرطيين.أقيم قسم التحقيق مع الشرطيين (ماحش) من أجل إخراج التحقيق مع الشرطيين من بين أيدي الشرطة. ولكن من الناحية الفعلية، ففي حين أن القسم تابع لوزارة القضاء فإن المحققين في ماحش يبقون شرطيين، تتم إعارتهم الى ماحش ثم يعودون الى الشرطة في ختام عملهم في ماحش. منذ العام 1992 تشهد وزارتي القضاء والأمن الداخلي جلسات حول الحاجة في تمدين ماحش، لكن الاعتراف بهذه الحاجة لم يلاقِ أي تعبير فعلي حتى الآن.يكشف تقرير مراقب الدولة الصادر في آب 2005 معطيات مقلقة حول نسبة الملفات العالية التي تم إغلاقها في ماحش: 65% من ملفات الشكاوى على الاستعمال غير المبرّر للقوة بين السنوات 2002 و 2003. ويحذّر المراقب: من أن” عدم التحقيق في نسبة عالية الى هذا الحد من الشكاوى والتحفّظ عليها دون مواصلة معالجتها… قد تلقى تفسيرًا لدى الشرطيين كإعطاء صلاحية للسلوك الباطل، وبين الجمهور – كاستخفاف بخطورة الشكاوى على الاستعمال الشاذ للقوة خلافًا للقانون..”. من الحقائق المقلقة الأخرى التي تتضح من التقرير أن نسبة عالية من محققي ماحش، الذين تمت استعارتهم من الشرطة، ليسوا من ذوي الرتبة المطلوبة في الوظيفة التي يقومون بها؛ والعديد من الشرطيين يتقدّمون ويتم ترفيعهم في سلّم الرّتب حتى لو كانت الشكاوى ضدهم لا تزال رهن التحقيق.في اعقاب صدور تقرير مراقب الدولة قُدّم للحكومة في تشرين الثاني 2005 مشروع قرار للمصادقة عليه، اتخذته لجنة الوزراء لشؤون مراقبة الدولة، برئاسة الوزير حاييم رامون، وينصّ على جعل ماحش جسمًا مدنيًا تامًا من دون أية علاقة بينه وبين الشرطة.

إنتهاك حقوق الانسان في المناطق المحتلة
الظواهر الأبرز من حيث انتهاك حقوق الانسان في المناطق المحتلة، في الفترة الأخيرة، ليست جديدة. في جمعية حقوق المواطن يتم تلقي تقارير بشكل يومي عن حوادث تعبّر عن استمرار وزيادة الاستهتار بحياة الانسان والممتلكات، تقييد متزايد لحرية الحركة واعتداءات يومية لمستوطنين، تقف سلطات فرض القانون ازاءها مكتوفة الأيدي. هذا الفصل يتناول قسمًا فقط من تلك الانتهاكات التي تقع يوميا في المناطق المحتلة (1) .أدى فك الارتباط عن قطاع غزة الى تغييرات معينة في انتهاك الحقوق في هذه المنطقة، لكنه لم يوقفها. فإسرائيل تواصل السيطرة على حدود القطاع، وتمنع بشكل تام تقريبًا انتقال الناس من قطاع غزة الى الضفة الغربية؛ منع الخروج الى اسرائيل والمس بقدرات النشاط الاقتصادي لقطاع غزة بواسطة فرض تقييدات على التجارة بينه وبين الضفة الغربية، على التجارة الدولية وعلى حركة العمال العاملين في اسرائيل. وتواصل اسرائيل السيطرة على، واستعمال المجالين الجوي والبحري للقطاع (ما عدا مقطع ضيق قرب الشاطئ). طالما تواصل اسرائيل السيطرة الفعلية على الدخول الى القطاع والخروج منه، وطالما ترفض السماح لسكان غزة بتطوير الاقتصاد وكسب رزقهم، تظلّ ملقاة على عاتقها المسؤولية الانسانية عن المدنيين في غزّة. ويتوجّب على إسرائيل ان تسمح بالانتقال بين قطاع غزة والضفة الغربية، لأنّ هاتين المنطقتين هما وحدة واحدة. وهو ما أقرّته محكمة العدل العليا في قرار حكمها بخصوص طرد أبناء عائلة شخص نفّذ عملية، من الضفة الغربية الى قطاع غزة، حين قبلت ادّعاء سلطات الجيش الاسرائيلي في هذا الخصوص.في الأشهر اللاحقة منذ تنفيذ فك الارتباط، وبموازاة هجمات سلاح الجو التي جاءت وفقًا لادعاء الناطق العسكري لاحباط اطلاق صواريخ قسام وضرب البنى التحتية التي تستعمل لإطلاق هذه الصواريخ، جرى استعمال أسلوب جديد من فرض الارهاب، الخوف والرعب على السكان المدنيين في قطاع غزة، وذلك بواسطة التفجيرات فوق الصوتية التي تنفذها طائرات سلاح الجو بشكل مقصود. وقد قدم كل من منظمة أطباء حقوق الانسان والمركز الجماهيري للصحة النفسية في غزة التماسًا الى محكمة العدل العليا ضدّ هذا الأسلوب، الذي يشكّل عقابًا جماعيًا بحقّ المواطنين الفلسطينيين.
الاستهتار بحياة الانسان
في أعقاب التفاهمات التي تحققت بين حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية، في قمة شرم الشيخ في شباط 2005، طرأ انخفاض معيّن في حدة العنف في المناطق المحتلة وفي عدد القتلى. ونؤكّد أنه على الرغم من هذا الانخفاض فقد قتلت قوى الأمن خلال هذه الفترة (شباط حتى تشرين الثاني 2005) في المناطق المحتلة 118 فلسطينيا (بينهم 33 قاصرًا). في الفترة نفسها قتل فلسطينيون في المناطق المحتلة 9 مواطنين اسرائيليين (بينهم ثلاثة قاصرين) واربعة من رجال الأمن، وفي داخل اسرائيل قُتل بأيدي فلسطينيين في الفترة ذاتها 16 مواطنًا (بينهم قاصرتان) وجنديّ واحد.

يواصلون الاغتيال
أعلن رئيس الحكومة، أرئيل شارون، في قمّة شرم الشيخ أنّ إسرائيل تجمّد استعمال “الإحباط المركّز” ما عدا في الحالات القصوى والنادرة. وبالفعل فبين تشرين الثاني 2004 وحزيران 2005 لم تنفذ اسرائيل اغتيالات. لقد طرح تقرير أصدره “بتسيلم” في شهر ايار 2005 شبهات قويّة بخصوص ممارسة الاغتيالات تحت غطاء عمليات اعتقال. وفقًا للتقرير، الذي فحص عمليات عرّفها جهاز الأمن كعمليات اعتقال، أدت الى موت 89 فلسطينيًا خلال سنة 2004، فإن 17 على الأقل من بين القتلى لم يتم تعريفهم بالمرة كمطلوبين، و43 ممن اعتُبروا مطلوبين لم يحاولوا استعمال سلاحهم ضد عناصر قوى الأمن حين قُتلوا أو أنهم لم يكونوا مسلـّحين بالمرة. منذ شهر تموز عادت اسرائيل الى نهج “التصفيات”، وحتى نهاية تشرين الثاني قُتل في عمليات الاغتيال 21 انسانًا، وجُرح 27 إنسانًا خلالها. في مطلع تشرين الثاني 2005 صرّح رئيس هيئة أركان الجيش دان حالوتس ورئيس الحكومة أرئيل شارون خلال جلسة في الكنيست، أن اسرائيل ستواصل سياسة الاغتيالات.يجب إعادة التأكيد على أن سياسة التصفيات هي سياسية غير قانونية البتّة، مخالفة للقانون الاسرائيلي، وتنتهك قوانين الحرب وقوانين السيطرة على منطقة محتلة، وتناقض المبادئ الأساسية للاخلاق الانسانية. في التماس ضد سياسة التصفيات، قدمته اللجنة الشعبية ضد التعذيب بواسطة المحاميين ميخائيل سفراد وأفيغدور فيلدمان جاء: “إن اطلاق صواريخ على مشتبه به بنشاطات ارهابية، حين لا يكون يشكّل خطرًا فوريًا على انسان آخر، هو اعدام بدون محاكمة. اطلاق القناصة النار على انسان لا يقوم في ذلك الوقت بعملية عينية تهدد حياة الناس، هو اعدام بدون محاكمة. تفخيخ سيارة انسان بالمتفجرات، مهما كان مشتبها به، هو اعدام لانسان لم تتم ادانته، وعليه فإن “تصفيته” بدون محاكمة هي عملية قتل. إن الدفع بحد الدفاع عن النفس الى ما يتجاوز الخطر العيني والفوري هو المنزلق الأملس الأشدّ خطرًا الذي يمكن أن تسير فيه أي دولة. فهو يؤدي بسرعة الى عار جرائم الحرب”. بحث الالتماس يتم ببطء شديد منذ أن تم تقديمه في كانون الثاني 2002. وفي شباط 2005 تم تجميد الالتماس في أعقاب اعلان الدولة وقف سياسة التصفيات في اطار تفاهمات شرم الشيخ. وبعد تجديد الاغتيالات استجابت المحكمة لطلب الملتمسين “بفكّ تجميده”، وستنظر في الالتماس في كانون الأول 2005.

دروع بشرية
مثال آخر على الاستهتار الاجرامي بحياة الانسان هو استعمال مواطنين فلسطينيين كـ “دروع بشرية” عند تنفيذ اعتقالات في المناطق المحتلة، في اطار ما سمي بـ “نظام الجار”. وفقًا لهذا النظام فرضت قوات الجيش الاسرائيلي على مواطنين فلسطينيين، اختيروا عشوائيًا، الدفاع بأجسادهم عن جنود عند قيامهم بعمليات عسكرية. فقد أمر جنود الجيش الاسرائيلي مواطنين فلسطينيين، أيضًا، بالدخول الى مبانٍ لفحص ما اذا كانت مفخخة بالمتفجرات أو لإخراج الأهالي من البيت؛ ازالة أغراض مشبوهة من الشارع؛ الوقوف داخل البيوت التي حولها الجنود الى ثكنات عسكرية، لمنع الفلسطينيين من اطلاق النار عليهم، والمشي أمام الجنود لحمايتهم من اطلاق النار (في حين يكون الجنود مصوّبين بنادقهم الى ظهور “الحماة” ووصل الأمر في بعض الحالات الى أن الجنود كانوا يطلقون النار من فوق أكتافهم).في العام 2002 قدم مركز عدالة التماسًا ضد النظام المذكور، باسم سبعة تنظيمات حقوق انسان (2) . في اعقاب الالتماس اصدر الجيش أوامر تمنع استعمال مواطنين فلسطينيين كـ “دروع بشرية” و/أو كرهائن، لكنه سمح لجنود الجيش الاسرائيلي “بالإستعانة” بمواطن فلسطيني اذا لم يكن هناك خطر يتهدد حياته وفقًا لاعتبار الضابط العسكري الميداني. في آب 2002 قُدّم للمحكمة “نظام التحذير المبكّر”، الذي أجازه المستشار القضائي للحكومة في حينه، الياكيم روبنشطاين، وفي كانون الثاني 2003 قلـّصت محكمة العدل العليا من الأمر الاحترازي، وسمحت باستعمال “نظام التحذير المبكّر” الذي سمح للجيش “بالاستعانة” بمواطن فلسطيني في عمليات عسكرية تهدف الى تنفيذ اعتقال، شرط توفـُّر شرطين: المواطن الفلسطيني لا يرفض طلب الجيش؛ لا يوجد خطر يتهدد المواطن وفقًا لاعتبار الضابط العسكري الميداني. هذا النظام سمح للجيش بارسال مواطن الى بيت، كي يطلب من مطلوب للاعتقال أو من أشخاص آخرين الخروج من البيت، في حين تكون القوة العسكرية جاهزة للتحرك في أية لحظة خلف المواطن.قدّمت التنظيمات الملتمسة التماسًا معدّلا وطالبت بإلغاء هذا النظام، أيضًا. وممّا أشاروا إليه كان أنّ الخطر على المواطن يلوح من نصّ “نظام التحذير المبكّر” نفسه، الذي يتوقّع حدوث تبادل لإطلاق النار وينص على وقف “الاستعانة” بالمواطن في حالة تبادل اطلاق النار بين المطلوب وبين القوة العسكرية. وقد تضمن الالتماس شهادات لمواطنين فلسطينيين، أُجبروا على “تقديم العون” لقوّات الجيش الاسرائيلي. أحدهم هو مفلح مشارقة، في الـ 35 من عمره، من سكان مخيم اللاجئين نور شمس. في 14.9.2004 أمره الجنود بالتفتيش عن شقيقه فلاح (في اطار “نظام التحذير المبكّر”)، في البيوت الواقعة في منطقة سكناه. وفقًا لشهادته:”لقد جعلني الجنود أجلس لمدّة ساعة بجانب بيت أحمد. في هذا الوقت، ألقى الجنود الذين أحاطوا البيت القنابل داخله. بعد نحو ساعة، قال لي الضابط اننا سندخل الآن الى بيت أحمد حتى ننادي فلاح. في حوالي الساعة الواحدة ظهرًا دخلت بيت أحمد وأجريت تفتيشًا. حين كنت أفتّش بين التراب والركام رأيت فلاحًا يجلس في زاوية إحدى غرف البيت. بدا منهكًا تمامًا ووجهه مليء بالتراب والدخان. قلت له: “أخي فلاح، سلـّم نفسك. السجن أفضل من الموت”. فقال لي: “تعال إجلس هنا”. في هذه اللحظة دخل كلب كبير لونه بنيّ غامق ثُبّت على جسده جهاز بحزام جلدي. فلاح أطلق النار على الكلب من سلاحه، من نوع كلاشنكوف. أنا بقيت ملتصقًا بزاوية الغرفة ولم أتمكن من الحركة.في تلك اللحظات، بدأ الجنود بإطلاق النار الى داخل البيت وإلقاء القنابل اليدويّة فيه. أنا وفلاح غطّينا رأسينا بحرام خلال إطلاق النار”.في تشرين الأول 2005 قبلت محكمة العدل العليا الالتماس وأمرت الجيش بوقف استعمال “نظام التحذير المبكّر” لكونه غير قانوني. ومما أقرّه القضاة أن الظروف التي تم تحديدها في النظام، بشأن موافقة المواطن المحلي ومنع الخطر على حياته، غير قابلة للتطبيق. بعد اصدار قرار الحكم قدمت الدولة الى محكمة العدل العليا طلبًا لاعادة النظر في القضية.

تحقيقات الشرطة العسكرية
جانب آخر في القيمة المنخفضة لحياة البشر (الفلسطينيين) في المناطق يتجسّد في سياسة التحقيق لدى الجيش الاسرائيلي، التي أدت منذ أكتوبر 2000 الى عدد ضئيل من التحقيقات الجنائية في حالات موت فلسطينيين، وبهذا شجّعت “سهولة الضغط على الزناد”. وفقًا لمعطيات بتسيلم فإنه منذ أكتوبر 2000 وحتى 22.6.2005 تم فتح 131 تحقيقًا فقط من قبل الشرطة العسكرية بخصوص اطلاق النار، وانتهت 18 منها فقط بتقديم لوائح اتهام. في نفس الفترة قُتل 3185 فلسطينيًا بينهم 645 قاصرًا. المئات منهم لم يكونوا مشاركين في عمليات قتالية ضد جنود أو مواطنين اسرائيليين.منذ بداية الانتفاضة الحالية غيّر النائب العسكري الرئيسي سياسة الجيش الاسرائيلي في هذا الشأن، التي كان يتمّ بحسبها فتح تحقيق لدى الشرطة العسكرية في كل واحدة من حالات قتل مدنيين فلسطينيين. وتحت زعم أن الحديث يدور عن “نزاع مسلـّح لا يصل حد الحرب” قررت النيابة العسكرية أن يتمّ فتح تحقيق لدى الشرطة العسكرية فقط في الحالات التي يتضح فيها من التحقيق العسكري الميداني “اشتباه بانحراف خطير عن قواعد السّلوك المـُلزمة”.ولكن ما وصل الى أسماع النائب العسكري الرئيسي بشكل عام كان جزءًا فقط من حالات الموت، ولم يُحوَّل اليه سوى جزء من التحقيقات الميدانية. أما ما وصل اليه فعلا، فقد وصل متأخّرًا، وبسبب عدم ملاءمة وسيلة التحقيق الميداني، أساسًا، لغرض استيضاح اتهامات بخصوص المسّ بفلسطينيين (خلافًا للمس بجنود، مثلا)، فلم يكن بمقدور هذه التحقيقات الميدانية أن تساعد في اتخاذ القرار بخصوص فتح تحقيق جنائي. ليس هذا فحسب، بل إنّ التحقيق الميدانيّ يتمّ بواسطة أشخاص لم يتلقّوا التأهيل للقيام بتحقيق مهنيّ، وهم تابعون لنفس القوّات التي يجب أن تقوم الشرطة العسكرية بفحص سلامة سلوكها. لذلك فإنّ استناد النائب العسكري الرئيسي على نتائج التحقيق الميداني كشرط لفتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية يُحبط، عمليًا، هدف التحقيق الجنائي نفسه – تقصّي الحقيقة.لقد التمس كلّ من جمعية حقوق المواطن وبتسيلم الى محكمة العدل العليا ضدّ هذه السياسة منذ عام 2003، وطالبا بأن تصدر النيابة العسكرية أوامر بفتح تحقيق في كل حالة يُقتل فيها مواطن فلسطيني لم يشارك في القتال. في الرد الذي قدّمه الملتمسون جرى اقتباس أقوال صدرت عن مسؤولين سابقين كبار في الجهاز القضائي بشأن ثقافة المداهنة والتستُّر المعمول بها في الجيش الاسرائيلي، وخاصة في ما يتعلّق بممارسات ساقطة تجاه فلسطينيين. في تشرين الثاني 2005 أصدر رئيس هيئة أركان الجيش نظامًا يُدخل تحسينات على آليّة التبليغ للنائب العسكري الرئيسي حول حوادث يصاب فيها مواطنون فلسطينيون، لكنّ الإجراء بعيدٌ عن توفير الردّ على القصورات القاسية في آليات التحقيق التي عُرضت في الالتماس.

سلب الحقّ في المطالبة بتعويض
في أواخر شهر تموز صادقت الكنيست على تعديل لقانون الأضرار المدنية، الذي يمنع من الفلسطينيين المطالبة بتعويضات من دواة اسرائيل على الحاق الأضرار بهم، والتي تسببت بها لهم قوات الأمن، حتى لو جرت خارج اطار النشاط القتالي، أو نتيجة لممارسات عنف، تنكيل ونهب. القانون يسري بشكل تراجعي على الأضرار التي وقعت منذ 29.9.2000 وعلى الشكاوى التي لا تزال أمام المحاكم.يُستدلّ من هذا القانون بلاغ قيمي مفاده أنه لا توجد قيمة لحياة وحقوق المتضررين من سكان منطقة المواجهة، لأن المحكمة لن تمنح مقدميها أي عون ولأن من مس بهم سيخرج معفيًا تمامًا. أوامر القانون تشطب، قولا وفعلا، الرقابة على نشاطات الجيش في المناطق المحتلة. وهي تحضّ على عدم القيام بتحقيق ولا تقديم المسؤولين عن حالات موت وإصابة، تسببت بفعل اطلاق نار بدافع الاهمال أو بقصد، الى المحاكمة، ولا عن تنكيل وتعذيب، ونهب وتدمير لممتلكات مدنية.لقد التمست جمعية حقوق المواطن، عدالة ومركز الدفاع عن الفرد ضد القانون الى محكمة العدل العليا، بالاشتراك مع منظمات نظيرة(3) . وطالب الملتمسون من محكمة العدل العليا بالغاء القانون لأنه يمس بشكل فظ بمبادئ القضاء الانساني ومحكمة حقوق الانسان الدولية، التي تسري على مناطق محتلة، ويمس بحقوق أساسية بشكل يناقض قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته. لقد قررت محكمة العدل العليا منذ زمن غير بعيد في قرار حكمها بخصوص قانون خطة فك الارتباط، أن قانون أساس: كرامة الانسان وحريته يسري أيضًا على المستوطنين الذين يسكنون في المناطق المحتلة. وتُطالب محكمة العدل العليا في هذا الالتماس بأن تقرّ أن قانون الأساس يسري أيضًا على الفلسطينيين في المناطق المحتلة، لأن أي قرار آخر يخلق نظامًا من الأبرتهايد الدستوري.

حرية الحركة – لليهود فقط
يسود الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين مستويات عديدة. أحدها هو شبكة الشوارع التي تقطّع المناطق المحتلة. وفقًا لمعطيات نشرها “بتسيلم” فإنه في 41 مقطًعا من هذه الشوارع، بطول حوالي 700 كيلومتر، هناك تقييدات على مرور الفلسطينيين فيها، وهي مسموحة لمرور الاسرائيليين فقط.وماذا بشأن السكان الفلسطينيين؟ حرية تحرّك الفلسطينيين ألغيت رسميًا عبر أمر أصدره الضابط العسكري في تشرين الأول 2000 حين فُرض طوق على كافة المناطق A في الضفة الغربية. رغم تغيّر الوضع الميداني في السنوات الأخيرة بشكل ملموس – فإنّ هذا الأمر العسكري لا يزال ساري المفعول ولم تطرأ عليه أية تغييرات. فبغية ضمان حرية تحرّك المستوطنين، الذين يسكنون في عمق الضفة الغربية، تُفرض أشكال غير إنسانية من منع وتقييد الحركة على مجموعة سكانية كاملة، من خلال تخريب النسيج الانساني، الاقتصادي والاجتماعي.تم تقييد حركة الفلسطينيين في كافة أرجاء الضفة الغربية الى خانات جغرافية صغيرة جدًا، وظلت هناك طريق واحدة فقط تؤدي الى كل “كتلة قرى”. مداخل ومخارج البلدات الفلسطينية مغلقة بكتل إسمنتية، أو بأكوام من التراب، بخنادق وبوابات معدنية، أو بحواجز عسكرية. خروج الفلسطينيين من المنطقة التي تم تحديدها لهم يتطلب عبور الحاجز تلو الحاجز، والحصول على تصريح للتقدّم أو العودة من حيث أتوا. كل رجل وامرأة وطفل يضطرون لابتلاع الاهانات على الحواجز، والانتظار ساعات طويلة من دون معرفة ما إذا كانوا سيتمكّنون من مواصلة طريقهم، ومتى، الى غايتهم – زيارة عائلية، مدرسة، علاج طبي، عمل، مشتريات.. ولأنه ليس على كل حاجز يمكن العبور بسيارة، ولا حتى سيارة عمومية كسيارة أجرة، يضطر العابرون – حتى لو كانوا معاقين، مرضى أو مسنين، أو لديهم حمل ثقيل من الأغراض – أن يقطعوا مشيًا على الأقدام عشرات أو مئات الأمتار، وفي بعض الأحيان يضطرون لتسلّق أكوام ترابية راكمها الجيش، حتى يصلوا الى سيارة الأجرة في الطرف الثاني من الحاجز، كي تقلّهم الى الحاجز التالي، وهكذا.. فما يحدث هو أن الطريق التي تستغرق في ظروف عادية بضع دقائق، قد تتطلب ساعة بل أكثر وتكلـّف عشرات الشواقل (وهو سعر لا يتمكّن معظم السكان من دفعه). في هذه الظروف تتضرّر بشدة قدرة سكان المناطق المحتلة على كسب العيش – العمل في الزراعة أو الصناعة، التجارة أو الخدمات، شراء الأغراض وتوفير الحاجيات.

ولادات الحواجز
أحد الاسقاطات الخطيرة للمس بحرية الحركة يتجسّد في ظاهرة ولادات الحواجز والولادات في البيت، غير الآمنة. في آب 2005 نشر المفوّض السامي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة تقريرًا حول ولادات نساء فلسطينيات على الحواجز، وبحسبه فإن 61 مرأة فلسطينية أنجبت على الحواجز بين أيلول 2000 وحتى نفس الشهر عام 2004، ونتيجة لذلك توفي 36 مولودًا على الحواجز(4) . يشمل التقرير قصة امرأة من قرية سالم، في منطقة جنين، أنجبت على الحاجز بعد أن تم احتجاز سيارة الاسعاف التي جاءت لتقلـّها، على الطرف الثاني للحاجز. زوج السيدة يضطرّ لقطع حبل السرّة بواسطة حجر، وتوفيت المولودة. يتّضح من التقرير أيضًا أنه في العام 2005 سُجّل ارتفاع بنسبة 7.9% في عدد النساء الفلسطينيات اللاتي ينجبن في بيوتهنّ في الضفة الغربية، مقابل ارتفاع بلغ 0.5% بين النساء اللاتي ينجبن في بيوتهن في غزة.في هذه الأيام يدور جدل في اسرائيل حول السؤال ما اذا كانت النساء اللاتي يخترن الانجاب في بيوتهن، يستحققن منحة الولادة، التي تدفعها الدولة لمن تنجب في مستشفى. موقف مؤسسة التأمين الوطني، الذي تبنته المحكمة هو أنه من أجل ضمان سلامة المواليد والوالدات، يجب تشجيع الولادة في المستشفيات، وعليه من المبرّر عدم دفع منحة ولادة لمن تقرر الانجاب في البيت(5) . من اللائق أن يقف هذا القلق على المواليد والوالدات في رأس جدول اهتمامات الدولة، أيضًا حين يكون الحديث عن سكان المناطق المحتلة، التي يتوجّب عليها تأمين سلامتهم وفقًا لتعليمات القضاء الانساني.

مستوطنات واعتداءات
تسبّبت عشرات البؤر الاستيطانية التي أقيمت في أرجاء الضفة الغربية بزيادة جديّة في اعتداءات مستوطنين على مزارعين فلسطينيين. بدلا من الدفاع عن الضحايا الفلسطينيين من هذه العدوانية، فضّل الجيش الاسرائيلي المسّ بهم أكثر وسدّ الطريق أمامهم نحو حقولهم المحاذية للمستوطنات والبؤر الاستيطانية.في آذار 2005 نُشر تقرير حكوميّ حول “البؤر غير المرخّصة في المناطق” (تقرير ساسون)، الذي كشف الأساليب الباطلة لإقامة البؤر والدعم الذي وفرته أذرع الحكم في اسرائيل لهذه البؤر. “إنّ اقامة بؤرة على أرض خاصة بالفلسطينيين هي مس لا يُطاق بالحقّ في الملكية، ومن واجب ضابط المنطقة منع ذلك”، جاء في تقرير ساسون، ولكن، كما يتّضح، فإن الجيش ليس أنه لم يمنع المستوطنين من السيطرة على أراض ليست لهم فحسب، بل ان الادارة المدنية في يهودا والسامرة خصّصت أراضي خاصة يملكها فلسطينيون لإقامة بؤر استيطانية، وخصّص الجيش الاسرائيلي جنودًا لحراسة سكان يخالفون القانون. على الرغم من أن الحكومة هي التي طلبت اعداد التقرير، وعلى الرغم من نشره، فقد قررت جهات في وزارة القضاء وجهاز الأمن التحفّظ على قسم من التوصيات المبدئية، التي جاءت لمنع اقامة بؤر استيطانية جديدة وفرض عقوبات رادعة على المستوطنين الذين يخالفون القانون.في مقابلة للقناة السابعة في 4.9.2005 عبّر احد سكان البؤر الاستيطانية بشكل مباشر عن استراتيجيتهم بقوله: “…كل منطقة محاذية لمزرعة وهضبة نقوم بالسيطرة عليها، ولا يهم لو كانت أرض دولة أو أراضي عربية، وذلك من أجل استيطان المكان. على الهضبة التي نعيش فوقها لا يوجد واقع يقوم فيه عربي بالتجوّل في المنطقة. لأنهم فهموا أنه من غير الصحي لهم أن يقتربوا. في اعقاب الصدامات المتكرّرة معهم، اضطررنا أن نشرح لهم وقد خرجوا خاسرين”.بعد فرض حقائق ناجزة على الأرض وإقامة بؤرة استيطانية، يوفّر الجيش الاسرائيلي للمستوطنين حماية ويغلق طريق الوصول الى الحقول المحاذية للمستوطنات والبؤر، في وجه أصحابها، بزعم أن الأمر مطلوب بهدف حمايتهم من عنف المستوطنين. في أعقاب التماس قدمته جمعية حقوق المواطن وجمعية حماة القانون – ربانيم من أجل حقوق الانسان باسم مزارعين فلسطينيين، غيّر الجيش الاسرائيلي تسويغاته وادعى أن اغلاق الاراضي مطلوب لحماية بلدات اسرائيلية في المناطق، وأن الجيش ينوي اصدار أوامر لإغلاق 1197 دونمًا من الأراضي الزراعية التابعة لسكان القرى الملتمسة. وقد تم اغلاق معظم هذه الاراضي تحت ادعاء أن الأمر مطلوب لحماية بؤر غير مرخّصة وطرق الوصول اليها. في فترة لاحقة غيّرت الدولة تفسيرها ثانية، وبحسب التفسير الرسمي فإن اغلاق أراض في وجه أصحابها الفلسطينيين يتم سواء أكان الأمر مطلوبًا لحماية المستوطنين، بما في ذلك مستوطنات وبؤر غير قانونية، أو لغرض مواجهة عنف المستوطنين. في أعقاب هذا الالتماس تقلـّص رسميًا استعمال اغلاق الأراضي أمام الفلسطينيين من قبل الجيش، ولكن ميدانيًا لم يطرأ تغيير حقيقي: فالجيش يواصل إبداء عجزه مقابل العنف المنهجي الذي يمارسه مستوطنون ضد مزارعين فلسطينيين، ولا يزال فلسطينيون كثيرون يخشون الخروج الى الحقول والكروم، والتعرّض لاعتداءات المستوطنين التي شمل قسم منها اطلاق الرصاص. من الملائم أن نشير الى أن كثيرين من بين المستوطنين المعتدين يحملون سلاحًا تلقّوه من الجيش. والجيش، كما ذُكر، يغض الطرف عن الاعتداءات بل يقوم بإغلاق اراض زراعية في وجه أصحابها الفلسطينيين. وفوق هذا يقوم جنود الجيش الاسرائيلي أيضًا بتكبيل أيدي الفلسطينيين الذين يحاولون الدفاع عن أنفسهم في وجه الاعتداءات. فقد حدث، مثلاً، وفقًا لشكوى تتم معالجتها هذه الأيام في جمعية حقوق المواطن أنّه في أواخر آب 2005، وصلت مجموعة مستوطنين الى موقع كان فيه مواطنان من خربة سوسيا يرعيان قطيعهما في ارضهما. بحسب أقوال الراعيين فقد قذفهما المستوطنون بالحجارة وحاولوا الاستيلاء على القطيع، وقد حاولا الدفاع عن النفس وعن قطيعهما. بعد وقت قصير جاء جنود الى المكان وطلبوا من أحد السكان مرافقتهم. تم اعتقال الراعيين لمدة أسبوع لدى الشرطة، ويتوقَّع اتخاذ اجراءات ضدّهما في محكمة عسكرية بتهمة الاعتداء، وقد يتم ارسالهما لقضاء فترة طويلة في السجن. مقابل هذا، فمن غير المعروف إن كانت اتخذت أية إجراءات ضد المستوطنين المعتدين.في تلك الحالات، التي تم فيها فتح تحقيقات مع المستوطنين، لم يؤدّ الأمر الى استكمال الاجراءات أو الردع. فمثلا، يتضح من معطيات قدّمتها شرطة اسرائيل الى جمعية حقوق المواطن، أنه في فترة قطف الزيتون عام 2004 جرى فتح 40 ملف تحقيق ضد اسرائيليين على المسّ بسكّان عرب و/أو بممتلكاتهم. حتى أيّار 2005 لم يتمّ تقديم حتى لائحة اتهام واحدة في تلك الحوادث (تم اغلاق 16 ملفًا لعدم معرفة هوية المخالف؛ تم اغلاق 6 ملفات لعدم كفاية الأدلة؛ تم اغلاق 6 ملفات لعدم أهميتها بالنسبة للجمهور؛ تم اغلاق ملف واحد لانعدام التهمة؛ تم التحفّظ على ملفين؛ ولم تنته بعد معالجة 4 ملفات، بينما هناك 5 ملفات في النيابة والشرطة لفحص مواد الأدلة).

عائق الفصل
منذ ثلاث سنوات تقوم اسرائيل ببناء عائق فاصل، جاء، من الناحية العلنية، لأهداف أمنية مفادها الدفاع عن المجال الاسرائيلي، ولكنه من الناحية الفعلية يضم أراضي واسعة من الضفة الغربية الى اسرائيل، يهجّر الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم ويزيد تقييد الفلسطينيين سكان المناطق المحتلة، الذين كانت حركتهم مقيّدة بدون هذا العائق أصلا. يُظهر تقرير نشره بتسيلم وبمكوم في أيلول 2005 أنه خلافا لادعاء الدولة، وبحسبه تم اقرار مسار العائق استنادًا الى اعتبارات أمنية فقط، فإن المعيار المركزي خلف اقرار مقاطع كثيرة من مسار العائق كان الرغبة في ضم مساحات معدّة لتوسيع المستوطنات واقامة مستوطنات جديدة، في الجهة “الاسرائيلية” منه. يُستدل من التقرير أنه ليس فقط أن المعايير الأمنية كانت ثانوية في مناطق عديدة، بل انه في المواقع التي كان فيها تناقض بين الاعتبارات الأمنية وبين الرغبة في توسيع المستوطنات، اختار المخططون مسارًا يضم المساحة المعدة لتوسيع المستوطنات في الجهة “الاسرائيلية”، حتى بثمن المس بالأمن. إنّ إيلاء الاهتمام الكبير لمخطّطات توسيع المستوطنات أدّى الى زيادة المسّ بحقوق الانسان بين سكّان القرى الفلسطينية المحاذية لتلك المستوطنات.في حزيران 2004 أمرت محكمة العدل العليا بتغيير مسار مخطط للعائق، على طول 30 كيلومترًا، في منطقة بيت سوريك (غرب وشمال غرب القدس). فقد قبلت محكمة العدل العليا التماسًا قدّمه سكّان القرية بواسطة المحامي محمد دحلة، وقرّرت أن التوازن في هذه الحالة بين الحاجات الأمنية وبين احتياجات السكّان غير لائق، ويوجب على الضابط العسكريّ تقليص مدى المس بالسكّان المحليين (وإن كان من غير الممكن منعه تمامًا). بعد قرار محكمة العدل العليا أعاد الجيش الاسرائيلي فحص مسار العائق، وتم تغييره في بعض المواقع.في تمّوز 2004 أقرّت المحكمة الدولية في لاهاي أن بناء عائق الفصل على أراضي الضفة الغربية وحول القدس هو عمل يخالف القانون الدولي. فقد قررت المحكمة أنه يتوجّب على اسرائيل وقف بنائه في الاراضي المحتلة، بما في ذلك القدس ومحيطها؛ تفكيك كافة الأجزاء التي تمّ بناؤها فيه؛ إلغاء كافة التشريعات التي وضعت بخصوص بناء العائق ونظام التصاريح الذي رافقه، والتعويض على الأضرار التي وقعت بسبب بنائه. رئيس الحكومة أرئيل شارون أعلن أن إسرائيل ترفض وجهة النظر هذه. بناء العائق يتواصل.

ابتلعتهم المناطق المحصورة
تم الاعلان عن المنطقة المحصورة ما بين مسار العائق وبين الخط الأخضر “منطقة عسكرية مغلقة”. المكوث فيها يتطلب، حتى ممن يعيش في هذه المنطقة، حيازة تصريح من الجيش. إن اغلاق المنطقة ونظام التصاريح يقيّدان بشكل بالغ من حرية الحركة ويشوّشان تمامًا حياة السكان المدنيين الفلسطينيين، الذين يعيشون بمحاذاة الجدار.يُفترض بالبوّابات الـ 47 التي وُضعت على طول الجدار من سالم الى مستوطنة ألكنا، أن تسمح بحركة يومية للمزارعين الى اراضيهم، الطلاب والمعلمين الى مدارسهم، أصحاب المصالح والتجار الى أماكن عملهم. يتم فتح هذه البوابات في ساعات غير ثابتة (لمدة نصف ساعة على الأكثر)، وجزء منها غير مستعمل بالمرة. أما الجلسات الكثيرة في محكمة العدل العليا حول التماسات تناولت أنظمة الانتقال عبر البوّابات فلم تؤدِّ الى تحسّن فعليّ.في ايلول 2005 قررت تركيبة مؤلفة من تسعة قضاة قبول التماس قدمته جمعية حقوق المواطن باسم سكان فلسطينيين في المنطقة المحصورة عند الفي منشيه، ضد مسار العائق في منطقتهم. جاء في الالتماس أن مسار جدار الفصل يشكّل انتهاكًا فظًا للقانون الدولي ويمسّ بشكل غير قانوني بحقوق الانسان، وأن وجهة نظر المحكمة الدولية في لاهاي تجسّد القانون الدولي، الذي يُلزم اسرائيل. وأقرّت محكمة العدل العليا بأن مسار الجدار باطل لأنه يمس بشكل غير متوازن بحقوق السكان الفلسطينيين في خمس قرى، تمت احاطتها بالجدار وقُطعت عن الضفّة الغربية. وعليه أمر القضاة بتفكيك العائق في المنطقة. الى جانب هذا رفضت المحكمة ما جاء في الرأي الاستشاري الذي أقرّته المحكمة الدولية في لاهاي، وبحسبه، إقامة الجدار ونظام التصاريح المرتبط به يناقضان القانون الدولي. فقد قرّرت محكمة العدل العليا أن الرأي الاستشاري استند الى بنية حقائق غير كافية.هناك أهمّية كبيرة لهذا القرار الصادر عن محكمة العدل العليا، من ناحيتين: الأولى هي أنّه للمرة الأولى يتم قبول التماس بمطلب تفكيك قسم تم بناؤه من الجدار؛ والثانية هي تأكيد المحكمة أن وجود خطة لتوسيع مستوطنة لا تشكل اعتبارًا قانونيًا يمكنه التأثير على تحديد مسار العائق. عمليًا، لم يتم تفكيك العائق بعد، لأن الدولة لم تحدد مسارًا بديلا بعد. خلال جلسات مناقشة الالتماس تم اصدار أوامر هدم لخمسة مبان في قرية وادي الرشا، بينها ثلاثة مبان تابعة لثلاثة من السكان الذين كانوا شركاء شخصيًا في تقديم الالتماس ضد مسار العائق في المنطقة، وذلك عبر اطلاق بلاغ واضح مفاده “هذا ما سيحدث لمن يجرؤ على الإصرار على حقوقه والخروج في نضال قانونيّ ضد الجيش والمستوطنين”. بعد أن التمست جمعية حقوق المواطن في هذا الشأن أصدرت محكمة العدل العليا أمرًا احترازيًا يمنع الهدم.استنادًا الى قرار الحكم الذي صدر بشأن المنطقة المحصورة عند ألفي منشيه، قدمت جمعية حقوق المواطن التماسًا الى محكمة العدل العليا ضد مسار العائق في منطقة قرى جيوس وفلامية، والذي تقرر أيضًا، وفقًا لمخططات توسيع مستوطنات محاذية.في القسم الشمالي من المسار الغربي لعائق الفصل تقع منطقة برطعة المحصورة (غربي قرية يعبد ومدينة جنين والى الجنوب الشرقي من وادي عارة وأم الفحم). ويعيش فيها حوالي 4300 فلسطيني، معظمهم في قرية برطعة الشرقية والباقون (حوالي 1000 نسمة) في أربع قرى إضافية. مسار جدار الفصل يمر بين هذه المنطقة المحصورة وبين بقية اقسام الضفة الغربية، في حين لا يوجد أي عائق مادي بين قرى هذا الموقع وبين الداخل الاسرائيلي، وتتم الحركة باتجاه اسرائيل دون عقبات، مع انه يسمح بها فقط لمن يحمل هوية اسرائيلية وليس لسكان هذه القرى من الفلسطينيين. فهؤلاء الأخيرون معرضون لعقوبات قاسية اذا ما تجرأوا على العبور الى داخل اسرائيل.إن القيود المفروضة على فتح البوابات والعبور بينها، تسبب بقطع هذه المناطق المحصورة عن بقية أجزاء الضفة الغربية، تمس بحرية الحركة، بالقدرة على فلاحة الأراضي والوصول الى اماكن العمل، الى مؤسسات التعليم والخدمات الطبية. في شهر تموز 2005 توجهت جمعية حقوق المواطن الى رئيس الحكومة ووزير الأمن بطلب الغاء المنطقة المحصورة عند برطعة، حتى الآن لم يتم تلقي رد نهائي في القضية.

جدار القدس
جدار الفصل في القدس هو جدار عالٍ يُبنى بشكل يخلق فصلا مصطنعًا بين الأحياء الفلسطينية الموجودة داخل المسطّح البلدي للمدينة وبين أحياء، ضواحٍ وقرى تقع حولها، وتشكل عمليًا جزءا من القدس التي يقع فيها مركز حياة سكانها. في كفر عقب، وهي الحي الأبعد شمالا من القدس، هناك اليوم حوالي 25000 من سكان المدينة في الناحية الثانية من الجدار. في هذه الاثناء يتواصل العمل لاتمام الجدار في احياء راس خميس وضاحية السلام ومخيم اللاجئين شعفاط.في حي الرام، شمالي القدس، تمت اقامة جزء كبير من العائق الذي سيحيط، عند اتمامه، الحي من جهتيه الغربية والجنوبية بسور، ومن جهته الجنوبية الشرقية بجدار. هذا الحي الذي يعيش فيه حوالي 58000 نسمة سيتم فصله عن القدس بطريقة تمس بشكل فادح بسكان الرام والمناطق المجاورة، ممن يعملون في المدينة.ان بناء الجدار حول حي الرام هو وضع لحدّ عشوائي داخل مساحة بلدية متواصلة جغرافيًا، تشكل جزءًا من متروبولين القدس، من خلال قطع ضاحية عن المدينة، فيها عشرات آلاف السكان الذين يعتمدون عليها في مختلف أوجه الحياة. هذا العائق سيمس بجوانب حياة السكان كافة، ومعظمهم ذوو مكانة سكان دائمين في اسرائيل.أجرت محكمة العدل العليا مناقشات بتركيبة موسّعة من 9 قضاة للالتماسين اللذين قُدّما ضدّ إقامة العائق في منطقة الرام، واللذين قدّمتهما جمعية حقوق المواطن وجمعية بمكوم – مخططون من أجل حقوق التخطيط، وسكان الرام بواسطة المحامي محمد دحلة. لم يبتّ القضاة في الالتماسين بعد، ويتواصل العمل في المكان مما يهدد بفرض نتائج غير قابلة للتغيير.يتبيّن بوضوح من وجهة نظر وضعتها جمعية بمكوم – مخططون من أجل حقوق التخطيط، أنّ الرام هو حي كبير ومزدهر، مع انه مرتبط بالقدس بشكل قد يؤدي الى تراجع أوضاعه في حال تم فصله عن المدينة. معظم الخدمات العامة لسكان الحي متعلقة بالقدس، منها الكهرباء، إزالة النفايات والخدمات الدينية، الى جانب نواحٍ مختلفة تتعلق بسير حياة الحي، مدينيًا واجتماعيًا.مع إتمام اقامة العائق سوف تطول مدة السفر من الحي حتى المدينة، التي تستغرق اليوم دقائق معدودة، بأضعاف مضاعفة. وهذا من دون أن نأخذ بالحسبان إعاقة المسافرين على الحواجز ونقاط العبور. بالاضافة، ستطول مسافة السفر من الرام الى البلدات المجاورة في الضفة الغربية بعشرات الكيلومترات. هذا الوضع سيؤدي الى تأخير يمتد ساعات طويلة لآلاف البشر، ذوي مكانة السكان الدائمين في اسرائيل والذين يقطنون ضمن المسطح البلدي شمالي القدس ويسافرون يوميًا من والى المدينة. في هذه المرحلة، قبل اتمام اغلاق الجدار نهائيًا، تضررت خدمات التعليم بشدة، وأغلقت ثلاث مدارس في الرام بعد أن انخفض بشكل جدي تسجيل الطلاب فيها، والذين سيكونون مقطوعين عن مدارسهم مع انهاء العائق. فإقامة السور ستمس بحق السكان في تلقي خدمات طبية، لأنهم يعتمدون على مستشفيات وعيادات المدينة، وعلى مراكز معالجة للمعاقين تقع خارج الرام.الرام هو أحد مراكز الحياة الاقتصادية في الضفة الغربية، وهناك علاقة متبادلة بينه وبين سكان الضفة الغربية الذين تشكل المصالح في الرام مركزًا تجاريًا بالنسبة اليهم، بينما يتعلق اقتصاد اهل الرام الى حد بعيد بعبور أهالي القدس والضفة الغربية في حيّهم.لقد ادعت الدولة في البداية أن العائق يقام بمسار أمني. لا يوجد أي منطق في هذا الادعاء لأنه وفقًا للمنطق الأمني الصرف، كان الجدار سيفصل بين أحياء فلسطينية وأحياء يهودية، وليس على حد مسطّح المدينة بشكل يفصل عشوائيًا بين الفلسطينيين أنفسهم. إن التسويغات الأمنية التي قدمتها الدولة لتفضيل المسار القائم على اقتراحات عينية بديلة نشرتها جهات مثل مجلس السلام والأمن و- IPCRI (مركز اسرائيل/فلسطين للبحث والمعلومات) غير مقنعة. في مرحلة لاحقة من البحث في محكمة العدل العليا اعترفت الدولة بأن مسار الجدار في منطقة القدس وُضع وفقًا لاعتبارات سياسية وليس حسب اعتبارات أمنية مجردة.

الحق في التعبير
وضع فك الارتباط عن المستوطنات في قطاع غزة، السنة الأخيرة، سلطات تطبيق القانون والجمهور برمته في الامتحان. وشمل ذلك مؤيدي فك الارتباط ومعارضيه. ان الجدل الجماهيري والاعلامي جسّد صعوبة ترسيم الحد بين الاحتجاج الشرعي وبين الحضّ على التمرّد، التحريض على العنف وانتهاك القانون. في قسم من الحالات اتخذت السلطات خطوات مبالغًا بها من خلال المس غير المبرّر بالحق في التعبير السياسي والاحتجاج.قبيل فك الارتباط وخلاله اتخذت السلطات خطوات حادة ضد معارضي فك الارتباط، منها محولات لإحياء مخالفات عفا عليها الزمن وتشريع محظورات جنائية جديدة. فمثلا بادرت وزارة القضاء الى مشروع قانون يشدّد القيود الجنائية على الحق في التعبير ويوسّع مفهوم مخالفة التحريض. وهكذا، فقد تم اقتراح أن تتم محاكمة من قاموا بإغلاق الشوارع بتهمة “الحض على التمرّد”، وهو حظر جنائي من عهد الانتداب البريطاني، كانت وزارة القضاء نفسها قد اعترفت بخطورته على الديمقراطية. وقد توجهت جمعية حقوق المواطن الى وزيرة القضاء وعبرت عن قلقها من نية المس بالحق في التعبير.في تموز 2005 اوقفت شرطة اسرائيل حافلات كانت تقلّ متظاهرين الى نتيفوت حيث كان من المفترض تنظيم مظاهرة كبيرة ضد فك الارتباط. وفقًا لتقارير صحفية، جرت حتى مصادرة رخص السياقة من بعض سائقي الحافلات كي لا يتمكنوا من قيادة الحافلات. محاولة منع مجموعة مواطنين من السفر من مدينة الى أخرى في دولة اسرائيل، فقط بسبب الخشية من انهم سيواصلون من هناك، كلهم أو قسم منهم، الى مكان آخر، بعيد عن هدفهم (حاجز كيسوفيم في هذه الحالة)، وفيه يخشى أن يخلوا بالنظام العام – ليس فقط أنه غير قانوني بل انه يشكل مسًا خطيرا عديم التوازن بحق الانسان في حرية الحركة. أما الادعاء، وكأن الخشية من سيناريو محتمل لعنف من جهة قسم من المتظاهرين، هو ما يبرر اتخاذ خطوات وقائية حادة من قبل الشرطة ضد حلقة واسعة من المتظاهرين، فهو بالضبط ذلك المنزلق الأملس الذي يجب أن يثير الخشية من المس الجارف بالحق في التظاهر. في الوقت الذي جرى فيه الحدث توجهت جمعية حقوق المواطن الى مفتش الشرطة العام بدعوة مستعجلة لإلغاء كل أمر بوقف الحافلات في الطريق الى نتيفوت، وأيضًا بالعمل من أجل ضمان عدم منع المواطنين الراغبين بذلك من الوصول الى المدينة.في الوضع المركّب في ظل فك الارتباط توجّب على سلطات تطبيق القانون خلق التوازن ما بين الحفاظ على السلام والنظام العام وبين حماية حريات الفرد. لقد جرت في هذه الفترة انتهاكات كثيرة للنظام وانتهج قسم من المتظاهرين فعلا نهجًا عنيفًا، ولكن الرد كان مبالغًا به في عدة حالات. طيلة فترة فك الارتباط اعتُقل 6000 شخص وقُدمت لوائح اتهام ضد حوالي 700 شخص (في بعضها متهمون أفراد أو كثيرون). كان بين المعتقلين قاصرون وقاصرات اعتُقلوا لفترات متواصلة ومُنع بعضهم من التقدم الى امتحانات البجروت. هناك طفلة عمرها 14 عامًا شاركت في مظاهرة غير قانونية من خلال انتهاك شروط التظاهر، لكنها لم تستعمل العنف، وتم ارسالها الى الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات القانونية (حول المس بحقوق المعتقلين يُنظر فصل الإجحاف في الجنائيات).

تحقيق مع صحفيين عرب في “الشاباك”
في شهر تشرين الثاني 2005 جرى استدعاء ثلاثة صحفيين عرب الى التحقيق لدى جهاز الأمن العام (الشاباك). تم التحقيق مع الصحفيين بالأساس حول علاقاتهم بصحفيين ووسائل إعلام من العالم العربي، وحول علاقاتهم الشخصية بصحفيين معينين، هم وفقًا لزعم “الشاباك”، متماثلين مع تنظيمات معادية. أحد الصحفيين الذين تم استدعاؤهم للتحقيق يعمل بوظيفة رئيس موقع إخباري بالعربية. جرى التحقيق معه حول هوية مراسلي الموقع، الطريقة التي يُدار بها وكيف يتم طلب التقارير التي تظهر فيه. وقد طالبه المحققون بالامتناع عن نشر مقالات لصحفي معين، ليس بسبب مضمونها، بل بسبب هوية كاتبها فقط.في رسالة بعثتها جمعية حقوق المواطن بهذا الخصوص الى المستشار القضائي للحكومة جرى التأكيد على أن تدخُّل “الشاباك” في المضامين التي تُنشر في الاعلام العربي هو انتهاك خطير لحرية التعبير وحرية الصحافة. والتحقيق مع صحفيين حول الطريقة التي تدار بها وسيلة الاعلام هذه أو تلك، والتهديد باستعمال عقوبات جنائية ضدهم لمجرد علاقاتهم الصحفية مع العالم العربي، سواء أكان ذلك تهديدا مباشرًا أو غير مباشر، يخلق جوًّا من الخوف قد يردع وسائل اعلام عربية من نشر مضامين لا تنال إعجاب السلطة، بحيث تملي عليها من فوق بلاغاتها، التي يفترض بوسائل الاعلام نقلها الى جمهور قرائها.

حقوق الأشخاص ذوي المحدوديات

قوانين لدفع حقوق الأشخاص ذوي المحدوديات
صادقت الكنيست في السنة المنصرمة على عدد من القوانين الهامة التي تضمن حقوق الأشخاص ذوي المحدوديات بالمساواة. في آذار 2005 صادقت الكنيست على قانون بدائل وصول ذوي المحدوديات الى اماكن عامة وخدمات عامة (والذي سيتم تطبيقه تدريجيًا خلال السنوات الـ 14 القادمة). ان المصادقة على القانون هو انجاز هام من حيث مبدأ المساواة في اسرائيل. ينص القانون على أنه يجب وضع بدائل كي يتمكن ذوو المحدوديات من الوصول الى مكاتب، مبان سكنية، مدارس، قاعات أفراح، شواطئ سباحة، بنوك، وكالات تأمين، مستشفيات، فنادق، مطاعم، محاكم، ارصفة، وقائمة اضافية من المرافق الاخرى. وفقًا للقانون يجب وضع بدائل كي يتمكن ذوو المحدوديات من وصول كل نوع من الخدمات المعطى للجمهور، كالخدمات الدينية، التجارة، الترفيه، الضيافة، الرياضة والصحة. حسب القانون، توفير امكانية الوصول يجب أن تأخذ بالحسبان احتياجات الاشخاص مع كافة أشكال المحدودية: معبر في مداخل المباني للأشخاص الذين يتنقلون على كرسي عجلات؛ توفير مترجمين بلغة الاشارات للصم، والتي تشكل لغتهم؛ وضع خدمات صوتية في المصاعد للاشخاص ذوي المحدوديات في الرؤية؛ معلومات بلغة مفهومة لأشخاص ذوي محدودية عقلية؛ تسهيل الأنظمة بحيث تلائم الأشخاص ذوي محدودية نفسية، وغير ذلك.في تموز 2005 صادقت الكنيست على قانون يلزم بتمكين ذوي المحدودية في السمع بالتواصل مع بث القنوات التلفزيونية كافة، سواء بواسطة ارفاق البرامج بنص مكتوب أو عبر الترجمة للغة الاشارات. في تشرين الثاني 2005 سُن قانون متميز يهدف الى تمكين الوصول الى الاجراء الجنائي لأشخاص ذوي محدودية عقلية ونفسية. ينص القانون على سلسلة من الملاءمات التي تسمح لأشخاص مع محدوديات عقلية ونفسية بتقديم إفادة لدى الشرطة وفي المحكمة وفقًا لاحتياجاتهم الخاصة (كمتضررين من مخالفة، كشهود وكمتهمين).وفقًا لما أفاده تنظيم “بزخوت” الذي قاد اجراءات التشريع المذكورة، فإن هذا التقدم الهام يجب أن يترافق مع تخصيص موارد وإجراءات تطبيقية.

خدمات الصحة النفسية
تجري في السنوات الأخيرة خطة اصلاح شاملة في معالجة المصابين بأمراض نفسية. وتقوم على فكرة تدعو الى تأهيل المتضررين النفسيين داخل الجمهور بدلا من ابعادهم الى مؤسسات العلاج النفسي. تشمل خطة الاصلاح تطوير أطر جماهيرية-علاجية، تستبدل الحجر الصحي، ونقل المسؤولية التأمينية للخدمات في مجال الصحة النفسية من وزارة الصحة الى صناديق المرضى. إن تأهيل المصابين النفسيين هو أحد المجالات الأبرز في الخدمات الاجتماعية في اسرائيل، التي أجريت عليها مؤخرًا خصخصة جزئية: قسم من التأهيل يتم عبر جمعيات جماهيرية والقسم الأكبر عبر عشرات المبادرين الخصوصيين.نقل الاشخاص ذوي المحدوديات النفسية من الحجر الصحي في مستشفى الى التأهيل بين الجمهور، يتقدم بشكل لافت، وعدد المتواجدين في مستشفيات العلاج النفسي الذي وصل حتى قبل سنوات قليلة الى 7000، تقلّص بشكل ملموس، ويفترض أن يبلغ عددهم 3500 في نهاية العام 2005 (وفقًا لاتفاق بين وزارة الصحة ووزارة المالية). ولكن حتى يتسنّى تأهيلهم بين الجمهور هناك حاجة لأطر ملائمة تستوعبهم. حسب تقارير وسائل الإعلام(6) ، كشفت معطيات غير نهائية لفحص داخليّ أجراه طاقم برئاسة المراقب الداخلي في وزارة الصحة، عن وجود تدهور مقلق في مستوى قسم من مؤسسات تأهيل المصابين النفسيين الى درجة ان جزءًا من المصابين يتلقون علاجًا فاشلا، غير جدي، وغير لائق. وفقًا لما نُقل، السبب في التدهور هو الضغوط والاملاءات السياسية من جهة مسؤولين كبار في وزارة الصحة، ممن تسببوا في اختيار مشوّه لقسم من المبادرين الذين يفعّلون مؤسسات تأهيل المصابين النفسيين.في هذا الحين قررت وزارة الصحة وقف الارتباط بالمستشفيات النفسية الخاصة، وإخراج معظم المصابين منها ونقلهم الى مستشفيات حكومية. وقد التمست أربعة من بين المستشفيات النفسية الخمسة الخاصة في اسرائيل ضد القرار، بادعاء أنه تم اتخاذه وسط تناقض في المصالح، وطالبوا باستصدار قرار ينص على اجراء التقليص في المستشفيات النفسية الحكومية وليس الخاصة. وتدعي وزارة الصحة، ازاء ذلك، انها قررت ما قررته لأن الخدمات المقدمة للمصابين في المستشفيات الخاصة تقل بمستواها عما يُعطى لهم في المستشفيات الحكومية. وادعت الوزارة أيضًا أنه في حين تسرّح المستشفيات الحكومية 98% من المصابين خلال سنة واحدة، فإنه في المستشفيات الخاصة التي قدمت الالتماس هناك 88% من المعالَجين الذين يتواجدون فيها منذ 4 سنوات. ومحاولة وزارة الصحة فحص ما يدور في هذه المستشفيات قد وُوجهت بمعارضة فاعلة وأحيانًا بعنف. تبين في السنة الأخيرة أن حوالي 70 من النساء والرجال محتجزون في مستشفيات نفسية خاصة دون حاجة طبية تبرر ذلك. معنى الأمر هو سلب كرامة وحرية هؤلاء الأشخاص دون أي مبرّر. بعض الذين يدور الحديث عنهم يعيشون هذا الوضع منذ عشرات السنين، بسبب مصالح اقتصادية لأصحاب المستشفيات. يفترض بوزارة الصحة أن تقوم بفرض رقابة على ما يدور في هذه المستشفيات، وهي المؤتمنة على سلامة ورفاهية جمهور المصابين النفسيين، لكنها أظهرت عجزًا ولم تنجح حتى كتابة هذه السطور (كانون الأول 2005) في نقل أولئك الأشخاص الى أطر ملائمة بين الجمهور.

المساواة على خلفية الميل الجنسي والهوية الجندرية
نشهد اعترافًا متزايدًا في حقوق اللوطيين والسحاقيات وذوي الهوية الجنسية الثنائية والمغيَّرين وفي الزوجية من نفس الجنس، سواء في الحياة اليومية أو في المستوى القضائي.

مساواة وكرامة
في تشرين الثاني 2004 صادقت الكنيست على تعديلين مهمين في التشريع، يهدفان الى الدفاع عن حقوق اللوطيين والسحاقيات بالكرامة والمساواة: تعديل قانون حقوق المريض الذي يمنع التمييز ضد معالَجين على خلفية ميلهم الجنسي، وتعديل في قانون العقوبات يشدّد العقوبات على مخالفة تجري بدافع عنصرية أو عداء تجاه جمهور معيّن، بما في ذلك الميل الجنسي.مع ذلك فإن اللوطيين والسحاقيات وذوي الهوية الجنسية الثنائية والمغيّرين لا يزالون يتعرضون للتمييز من جانب سلطات الحكم وأجسام خاصة. في السنة الأخيرة تم تقديم شكوى الى محكمة العمل القطرية، للمرة الأولى في اسرائيل، باسم امرأة مغيَّرة فُصلت من عملها بسبب مباشرتها بعملية لتغيير جنسها(7) . وبفعل حقيقة أنه لا يوجد في القانون الاسرائيلي الحالي أي تطرّق للتمييز على خلفية الهوية الجندرية، استندت الشكوى على حظر فصل شخص بسبب الجنس أو الميل الجنسي. وانتهت الشكوى بتسوية تنازلت بحسبها العاملة عن مطلب العودة الى عملها، ومقابل هذا تلقت تعويضًا يعادل 24 مرتبًا شهريًا.الى جانب التقدّم اللافت في المجال القانوني لا تزال تنتشر مصطلحات وسلوكيات ترفض وجود اللوطيين والسحاقيات وذوي الهوية الجنسية الثنائية والمغيّرين، يلوح منها هدر دمهم. رئيس بلدية القدس أوري لوبوليانسكي يميّز بشكل منهجي ضد تنظيم الجمهور الفخور في المدينة، جمعية “البيت المفتوح”، خلافا لموقف الجهات المهنية والقانونية في البلدية. عام 2004 عبّر لوبليانسكي عن موقف حازم ضد مسيرة الفخر التي ستقام في المدينة. وفي عام 2005 تسنى القيام بالمسيرة فقط بعد استصدار قرار من محكمة، في التماس اداري قدمه “البيت المفتوح” الى المحكمة اللوائية. وقد نُظّمت المسيرة في مناخ عنيف، بعد أسابيع من تحريض شنه رابانيم ورجال دين والجمهور المتدين اليهودي المتشدد في المدينة، والذي وصل ذروته حين انقضّ شخص متدين متشدد على المشاركين بسكين وجرح ثلاثة أشخاص. واتهم الفاعل بمحاولة القتل، وتتم محاكمته هذه الأيام.

الزوجية
في كانون الأول 2004 قبلت محكمة الشؤون الادارية في تل ابيب التماسًا قدمته جمعية حقوق المواطن باسم زوجين، مواطن اسرائيلي ومواطن أجنبي، طلب منه مغادرة اسرائيل قبل فحص طلبه بتنظيم مكانته. وقررت المحكمة أن حظر فرض انفصال على زوجين حتى معالجة طلبهما، يسري أيضًا على زوجين معروفين للجمهور، بما في ذلك زوجان من نفس الجنس. مع ذلك فحتى الآن لا يوجد في اسرائيل اعتراف تام بزوجية ابناء نفس الجنس كخلية عائلية، وبحق اللوطيين والسحاقيات في الزواج والأبوة والأمومة. لقد التمست جمعية حقوق المواطن باسم زوجين لوطيين تزوجا في كندا وطلبا تسجيل زواجهما في سجل السكان. ردًا على هذا الالتماس والتماسات أخرى ادعت الدولة ان زواج شخصين من نفس الجنس ليس خانة قانونية معترفًا بها من قبل الدولة، وعليه لا يمكن تسجيلهما. موقف المستشار القضائي للحكومة هو أن المسألة اجتماعية- قيمية يُفترض أن تحسم الكنيست فيها. حول الفكرة الطاغية في الكنيست يمكن التعلم من حقيقة أن مكانة الزوجين من نفس الجنس غائبة عن اقتراح قانون اتفاق الزواج، الذي بلوره عدد من نواب الائتلاف الحكومي بهدف توفير بديل للأزواج الذين لا يستطيعون الزواج وفقًا للقانون الديني.

أبوة وأمومة
في كانون الثاني 2005 قررت المحكمة العليا في سابقة قضائية في التماس لزوجتين سحاقيتين بواسطة المحامية عيرا هدار أنه لا يوجد في القانون ما يمنع تبني الابناء البيولوجيين لمرأة من قبل شريكتها الزوجية. واهتمت المحكمة بأن تؤكد على أن حكمها يستند الى معايير مصلحة الطفل، وليس خلق مكانة جديدة لخلية أسريّة من زوجين من نفس الجنس، او اعترافًا بزوج كهذا كـ “رجل وزوجته”. ولا يزال عالقًا أمام المحكمة طلب لبحث إضافي، قدمته الدولة بعد قرار المحكمة في أيار 2000 في التماس قدمته جمعية حقوق المواطن، وألزم وزارة الداخلية بتسجيل مرأة سحاقية، تبنت خارج البلاد الابن البيولوجي لشريكتها الزوجية، كوالدة له في سجل السكان وفي الهوية. منذ أن قبلت المحكمة اجراء بحث اضافي ترفض وزارة الداخلية تسجيل أشكال مشابهة من التبني.

الملكية
في السنة الفائتة تواصلت بكثافة نزعة الجهاز القضائي وسلطات الدولة الاعتراف بحقوق الملكية لزوجين من نفس الجنس:في تشرين الثاني 2004 بتت المحكمة المركزية في الناصرة في استئناف قُدّم من برنامج حقوق الانسان في كلية القانون في جامعة تل أبيب، يطالب بالاعتراف باستحقاق زوجين من نفس الجنس بنفس حقوق الميراث المعطاة بحكم القانون للمعروفين بين الجمهور من ابناء اجناس مختلفة.في كانون الأول اعلن المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، انه قرر عدم الاستئناف على قرار حكم محكمة الناصرة، لأنه حسب رأيه، يجب ان تكون مكانة زوجين من نفس الجنس في شؤون الملكية والميراث مماثلة للمعروفين بين الجمهور من أجناس مختلفة.في اعقاب شكوى قدّمتها جمعية حقوق المواطن، باسم أرمل، لتلقي مخصصات من التأمين الوطني بعد وفاة شريكه الزوجي، أعلن المستشار القضائي للحكومة في شباط 2005، أن موقفه هو أنه يجب الاعتراف بالزوج من نفس الجنس كأرمل وبزوجة من نفس الجنس كأرملة، يستحقان المخصصات.في أيار 2005 سمح مكتب الترخيص لبنات من نفس الجنس بتسجيل سيارة على اسميهما دون اضافة “يد” في تسجيل الملكية، كما يتم مع أزواج من جنسين مختلفين.

Share and Enjoy:
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Facebook
  • Print
  • email

קטגוריות: الحق في التربية والتعليم, الحق في الصحة, الحق في العيش الكريم, الحق في المسكن اللائق, النقب, حقوق الأسرى, حقوق الأقلية العربية, حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة, حقوق العاطلين عن العمل

مفتاح :.

Comments are closed.