صورة الوضع القائم كانون أول 2005 – الجرء الأول

مقدّمة

تنشر جمعية حقوق المواطن، كما دأبت على ذلك عامًا تلو عامٍ، تقريرًا يحاول أن يجسّد وضع حقوق الإنسان في إسرائيل وفي المناطق المحتلة، من خلال التطرّق الى الظواهر الأبرز في مجال حقوق الإنسان خلال السنة المنصرمة. ونعكف في هذا التقرير على التحذير من الانتهاكات الأكثر فظاظة لحقوق الإنسان، والإشارة إلى اتجاهات التحسُّن، قدر ما تتوفر اتجاهات كهذه، والتأشير على سيرورات مركزية تترك بصماتها علينا كمجتمع يطمح إلى أن يكون إنسانيًا وديمقراطيًا.
تتميز السنة الفائتة بكونها تجمع ما بين المساس الفظ بحقوق مواطني دولة اسرائيل في العيش بكرامة، وبين توجهات مقلقة من التشريع الذي يمسّ بحقوق الإنسان، إنتهاكات قاسية لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة وتشدّد في التعامل العنصري والمميِّز ضد الأقلية العربية في إسرائيل.
فالسياسة الإقتصادية الحكومية تمس بحقوق الإنسان، وقبل كل شيء، بالحق في العيش بكرامة. هناك مسنون، ممن لا جدال على حقهم في العيش بكرامة في سنواتهم المتقدّمة، يضطرون على التنازل عن الغذاء والدواء بفعل وضعهم الاقتصادي؛ لا تكتفي أيديولوجية الخصخصة لدى الحكومة بخصخصة شركات اقتصادية، بل تنتقل الى مجال صلاحيات الحكم في قطاعات الخدمات الاجتماعية كالصحة، التعليم، الرفاه، التشغيل والسجون، أيضًا؛ هذه السياسة الاقتصادية تؤدي، أيضًا، إلى المسّ القاسي بحقوق بعض العمّال، وخصوصًا عمال المقاولين وشركات القوى البشرية، وبحقوق متلقي ضمان الدخل.
إن سياسة الهجرة لدى دولة اسرائيل ما زات تتبوَّأ قائمة أولويات حياتنا اليومية. ففي حزيران العام 2005 قرّرت حكومة اسرائيل إحداث تغيير في تشريعات الهجرة وتشديد قواعد حيازة المكانة في اسرائيل. وقد انضاف هذا القرار الأخير الى السياسة المتّبعة في السنوات الأخيرة التي تمنع منح مكانة في اسرائيل لأزواج فلسطينيين من سكان المناطق المحتلة، لكونهم فلسطينيين، والى الحرب التي أعلنتها دولة اسرائيل في السنوات الأخيرة ضد مهاجري العمل.
في حين تتواصل ظواهر استغلال المشغّلين للعمال الأجانب، فإن الدولة تنشط بالعمل ضد العمال المستَغَلين ولا تستكمل الاجراءات القانونية ضد المشغّلين المُستغِلين. وأيضًا، يتواصل المسّ بحقوق المشتبه بهم بالمكوث دون ترخيص، مثل غياب الترجمة في جلسات المحاكم حول الاعتقال والطرد، والصعوبات في وجه ممارسة حق المعتقل اللقاء مع محامٍ.
التمييز ضد الأقلية العربية مستمرّ، من خلال تجاهل توصيات لجنة أور التي تبنّتها الحكومة. فتعامل السلطات مع المواطنين العرب يتميّز بالنظر إليهم كجمهور معادٍ و”مشكلة ديمغرافية” وليس كمواطنين متساوي الحقوق. ما يثير القلق بشكل خاص هو مأسسة التمييز في القانون وتواصُل التمييز في تخصيص الأراضي وفي إقامة البلدات.
في المجال الجنائيّ تتواصل وجهة التشريع الذي يمنح السلطات صلاحيات واسعة للمس بحقوق الانسان، دون ضمانات كافية لوجود إجراء قضائيّ نزيه. فالاستعداد المتزايد للمسّ بحقوق الإنسان هو جزء من نزعة عالمية مثيرة للقلق، وبحسبها فإنّ غاية مكافحة الارهاب تجيز وسائل شرسة. كذلك، فمع تقدّم سيرورة خصخصة السجون تتحقق المخاوف التي سبق أن عبّرت عنها الجمعية، بتفضيل مصالح اقتصادية على حقوق السّجناء.
في المناطق المحتلة يتفاقم التوجّه المستهتر بحياة الإنسان؛ تتعاظم التقييدات على حركة الفلسطينيين لصالح أمن المستوطنين، مساحة عيشهم تتقلّص، سير حياتهم مشوّش تمامًا وحقوقهم الأساس – في الصحة، التعليم، العمل وكسب الرزق، العلاقات الأسريّة وغيرها – تتعرّض للمسّ الفعلي كل يوم؛ اعتداءات المستوطنين تتلقّى تشجيعًا من خلال بقاء سلطات فرض وتطبيق القانون مكتوفة الأيدي. جدار الفصل – الذي تمّ بناء جزء منه، ويتواصل بناء جزئه الآخر – يواصل إحلال المأساة بالفلسطينيين الذين يسكنون على مقربة منه، بسبب بناء الجدار الذي يخترق عمق الأراضي الفلسطينية.
لقد وضع فك الارتباط في قطاع غزّة، هذا العام، سلطات فرض القانون والجمهور الإسرائيلي برمّته – من مؤيدي الخطوة ومعارضيها – في امتحان. وقد جسّد الجدل بين الجمهور وفي وسائل الإعلام صعوبة ترسيم الحد بين الاحتجاج الشرعي وبين الدعوة للتمرّد، التحريض على العنف وانتهاك القانون. في عدد من الحالات أقدمت السلطات على خطوات تجاوزت حدودها من خلال المسّ غير المشروع بالحق في التعبير السياسي وفي الاحتجاج.
رأينا هذه السنة تقدّمًا لافتًا في التشريع من أجل مساواة الأشخاص ذوي المحدوديات، ومقابل هذا لمسنا مشاكل قاسية في جهاز الصحة النفسية، التي تؤدي للمس بحقوق الأشخاص ذوي المحدودية النفسية. وشهدنا أيضًا تقدمًا في الاعتراف بزوجية أبناء نفس الجنس في مجالي الملكية والأسرة.
مرّة أخرى تيقنّا من النقص في الفهم الحقيقي لجوهر الديمقراطية لدى المجتمع الاسرائيلي. ولا نجد حاجة في الاستفاضة بأهمية جهاز التعليم في رعاية ثقافة ديمقراطية ملتزمة بحقوق الانسان لكل الأفراد والمجموعات، تحت حكم الدولة.
بسبب محدودية المساحة المتاحة، فإنّ هذا التقرير يتناول جزءًا فقط من انتهاكات حقوق الإنسان في إسرائيل. كذلك، ففي القضايا التي عولجت في التقرير تم إيراد معلومات ملخّصة فقط، وهي تتطرّق الى السّنة المنصرمة بالأساس. وندعو المعنيين في الاستزادة إلى زيارة موقع جمعية حقوق المواطن على الإنترنت (www.acri.org.il) حيث يمكنهم العثور على معلومات كثيرة ووافية وعلى روابط لمواقع تنظيمات زميلة.

العيش بكرامة

تؤدّي سياسة الحكومة الاقتصادية – تقليص المخصّصات، تقليص الدعم في السكن، تراجع مشاركة الدولة في تكاليف الصحة والتعليم – الى زيادة سقوط مسنين، أطفال وعائلات كاملة في الفقر واليأس. فالمس بالحق الأساس لمواطني اسرائيل في العيش بكرامة يتزايد، ويبرز بشكل خاص المسّ المتعاظم بحق أولئك الذين يعملون من أجل العيش بكرامة، بسبب الأجر المتدنّي وعدم تطبيق القوانين التي تحميهم.
وفقًا لتقرير مركز “طاوب لدراسة السياسة الاجتماعية”، ففي حين تم الإعلان بوضوح عن أهداف التعزيز الاجتماعي في ميزانية العام 2005 وفي مشروع ميزانية العام 2006، فقد تراجعت مصروفات الحكومة الاجتماعية على أرض الواقع. الفوارق الاقتصادية في اسرائيل اتّسعت وتواصل التدهور في وضع الطبقات الضعيفة، وذلك نتيجة للطابع غير المتوازن في النموّ الاقتصادي ولسياسة الحكومة في مجال الضرائب.
في كانون الثاني من العام 2003 قدّمت جمعيّة حقوق المواطن، “التزام بالسلام والعدالة الاجتماعية” و “حركة مكافحة الفقر” التماسات ضد التقليصات في مخصصات ضمان الدخل، التي تم إقرارها في إطار قانون التسويات العام 2003. وأثيرت في لبّ الالتماسات مسألة الحق في العيش بكرامة، ومدى هذا الحق. في هذه الأيام يُنتظر اصدار قرار في الالتماس، بتركيبة مؤلفة من سبعة قضاة. نحن نأمل أن تعزّز المحكمة العليا الحق في العيش الانساني بكرامة كحق أساس وأن تعترف بواجب الدولة اعتماد هذا المعيار حين تُقدم على اتخاذ قرارات اقتصادية.
في هذا الفصل سنقدّم وصفًا لعدد من حالات المسّ القاسي بالحق في العيش بكرامة، التي تؤدّي إليها السياسة الاقتصادية للحكومة.

الخصخصة، أو: حقوق الإنسان من خلال “خـُرم القرش”

لا تكتفي أيديولوجية الخصخصة لدى الحكومة بخصخصة شركات اقتصادية، بل تنتقل الى مجال صلاحيات الحكم في مجالات الخدمات الاجتماعية كالصحة، التعليم، الرفاء، التشغيل، والسّجون. ممنوع أن يكون المعيار المركزي بشأن هذه المجالات هو النجاعة الاقتصادية، حتى لو ثبت أن الخصخصة تزيد من النجاعة، وهو ما لم يُثبت.
تعكس نزعة الخصخصة تغييرًا جوهريًا في فهم واجبات الدولة تجاه مواطنيها. تقع حقوق الانسان على المحور ما بين المواطن والدولة. ومعنى الخصخصة هو تفضيل قيم التنجيع الاقتصادي على حقوق المواطن، ونقل الأدوار التي تقع ضمن مسؤولية السلطة التنفيذية الصرفة الى أيدي شركات خاصة – بعضها شركات أجنبية. إن إدخال مبادئ الاقتصاد الحر الى المحور ما بين الدولة والمواطن هو عمليًا مصادرة لحقوق الانسان وتحويل كل واحد/ة منا من صاحب حقوق الى مستهلك.
نحن نشهد الخصخصة الزاحفة في كثير من المجالات إذ تقوم الحكومة بتقليص الخدمات التي تقدّمها بينما تُنبت أجهزة السوق خدمات بديلة خاصة. فالدولة، في محاولة منها لتسويق مفاهيم الخصخصة، تعرض نفسها كوسيط وليس كمزوّد للخدمات، مع أنّ التجربة تعلمنا أنّ الدولة تتنصّل من القيام بدورها ولا تمارس الرقابة في المجالات التي يفترض بها مراقبتها وضمان التزام القائمين عليها بالمعايير المرتبطة بحقوق الانسان. وهكذا، فقد أفشلت الحكومة تشريع قانون يلزمها بممارسة رقابة على التزام المقاولين بتوفير الحقوق لعمّالهم (يُنظر الى تتمّة هذا الفصل)، وتبيّن أن الدولة تماطل في إسراء مبدأ الشفافيّة على المناقصة التي تحدّد شروط الاتصالات بين الدولة وبين الشركة التي ستقيم وتفعّل السجن الخاص الأول (يُنظر البند الذي يتناول الخصخصة في السجون).
مثال آخر هو مجال الحجر الصحي النفساني، الذي تمت خصخصته جزئيًا وتعمل فيه الى جانب المستشفيات الحكومية، مستشفيات خاصة. وقد تكشّف هذه السنة أن وزارة الصحة تعلم بوجود 70 إنسانًا في مستشفيات خاصة، من دون حاجة علاجيّة لإبقائهم في الحجر الصحّيّ. بل يتمّ إبقاؤهم قيد الحجر بسبب المصالح الاقتصادية لأصحاب هذه المستشفيات. فالمفروض بوزارة الصحّة أن تمارس رقابة على ما يجري في هذه المستشفيات، وهي الجهة المؤتمنة على سلامة ورفاهية المتضرّرين النفسيين، لكن الوزارة أظهرت تقاعسًا ولم تنجح حتى كتابة هذا التقرير (كانون الأول 2005) في نقل الأشخاص المذكورين الى الأطر الملائمة (يُنظر الفصل حول حقوق الأشخاص ذوي محدوديات).
إن خصخصة الخدمات الحكومية تمسّ ليس بالمواطنين الذين يتلقّون تك الخدمات فحسب، بل بالعاملين في مجال هذه الخدمات أيضًا، ممن تتردّى شروط تشغيلهم، بذريعة مبدأ النجاعة الاقتصادية.

حق المسنين في العيش بكرامة

يتشكّل أساس الحقوق الاجتماعية من مسؤولية الدولة على توفير ظروف للعيش بكرامة، أيضًا لمن لا يملك قدرة على العمل. ولا جدال على أنّ المسنين يستحقّون في خريف عمرهم العيش بكرامة. من واجب الدولة أن توفّر لهم ذلك، ولكن مما يتكشّف في مختلف الأبحاث فإن الوضع الاقتصادي للعديد من المسنين في اسرائيل صعب للغاية، الى درجة أنّهم يضطرّون الى التنازل عن احتياجات أساسيّة كالدواء والغذاء.
في السنوات الأخيرة مسّت خطط اقتصادية وضعتها الحكومة بمخصّصات المسنين. عام 2002 تم تقليص مخصصات الشيخوخة المقدمة من التأمين الوطني وجرى تجميد نسبتها حتى نهاية العام 2006؛ بموازاة ذلك جرى تجميد مخصصات استكمال الدخل للمسنين الذين يستحقونها. عام 2004 بُدئ برفع جيل الخروج الى التقاعد وبرفع جيل استحقاق مخصصات الشيخوخة.
وفقًا لمعطيات مؤسسة التأمين الوطني، فإن 27% من المسنين في اسرائيل يتلقون استكمالاً للدخل كإضافة لمخصّصات الشيخوخة. في تمّوز 2005 بلغت مخصصات الشيخوخة مع استكمال الدخل 2052 ش. ج. للفرد أو 3052 ش. ج. للزوجين. ويستحقّ استكمال الدخل مسنون يتلقون مخصصات الشيخوخة (ممن هم ليسوا أعضاء في كيبوتس أو بلدة تعاونيّة)، ولا يملكون سيارة (ما عدا سيارة يستعملونها هم أو أبناء أسرتهم لأغراض طبيّة)، ويتألف دخلهم من مخصصات التأمين الوطني فقط أو ممّن لديهم دخل إضافي قليل جدًا (حتى 13% من معدل الأجور للفرد، وحتى 17% من معدل الأجور لزوجين). مخصّصات المسنين في اسرائيل هي من الأكثر انخفاضًا في الدول المتطوّرة.

أشارت نتائج استطلاع أجراه معهد بروكديل عام 2003 الى أنّه من جرّاء الصعوبات الاقتصادية يضطرّ المسنّون الى مواجهة خيارات قاسية مثل مخصّصات التدفئة، الكهرباء، الأدوية والعلاج الطبي وبين شراء الغذاء الضروري. أظهر الاستطلاع أن ما يفوق ربع المسنين (26%) اضطروا للقيام بهذه الاختيارات القاسية في السنة التي سبقت القيام بالاستطلاع. وقد تنازلت غالبيتهم (64%) عن قسم من الغذاء. 18% من المسنين ممن لهم أقرباء أبلغوا أنهم تنازلوا عن المحادثات الهاتفية معهم لتوفير بعض النقود، و17% قالوا أنهم تنازلوا عن زيارة أقربائهم لأنهم لم يتمكنوا من دفع تكاليف السفر. 8% أفادوا أنهم لم يعالجوا مشاكل البصر أو السمع لأسباب اقتصادية، و 16% قالوا أنهم لم يعالجوا أسنانهم لنفس السبب.

دلّت نتائج الاستطلاع الاجتماعي لدائرة الإحصاء المركزية (التي تتطرّق الى نهاية العام 2003 (1) أيضًا على أن 65% ممن هم في جيل 65 فما فوق كانوا بحاجة في نفس السنة الى أدوية بوصفة من طبيب. وقد تنازل 15% منهم عن الأدوية نتيجة لمصاعب اقتصادية. ويضاف الى صعوبة تمويل الأدوية والأجهزة الطبية المساعدة، حقيقة أن الدولة لا تموّل تكاليف ادخال المسنّ الى حجر علاجي، وهي تتنصّل بذلك من مسؤوليتها عن تطبيق الحقّ في الصحّة للمسنين وتلقي بها على كاهل العائلة.وفقًا للاستطلاع المذكور فقد كان لربع المسنين فقط دخل تقاعدي. هؤلاء المسنّون متلقو مخصصات التقاعد لديهم احتمالات أفضل لتجاوز “هوّة الفقر”. من أجل تغيير هذا الوضع وتقليص حدة الفقر لدى المسنين في اسرائيل يقترح معهد أدفا(2) اجراءات تدريجية، يتمّ خلالها على المدى القصير إعادة المبالغ التي تم تقليصها، في السنوات الأخيرة، من المخصّصات واستكمال الدخل.ومن شأن خطوة كهذه أن تخرج قسمًا من المسنين من وضعهم القاسي، أن تنتشلهم فوق خط الفقر وتحافظ على كرامتهم. على المدى المتوسّط، ثمة اقتراح بزيادة مخصصات المسنين وبالتالي انتشال مجموعة اخرى من المسنين فوق خط الفقر. أما على المدى الطويل، فقد جاء في البحث أنه يجب توسيع سريان التقاعد على كلّ جمهور العاملات والعمّال.

العمل والبطالة

وفقًا لمعطيات مؤسسة التأمين الوطني، ففي العام 2004 تراجعت نسبة المعطّلين عن العمل ممن تلقوا مخصصات البطالة، من بين كافة غير المشغّلين الى 20% مقابل 45% في العام 2001. وتراجع أيضًا عدد المعطّلين عن العمل الذين استنفدوا حقهم في مخصصات البطالة وتوجهوا لتلقي استكمالا للدخل، وكذلك نسبة المعطلين عن العمل الذين عادوا لتلقي مخصصات البطالة. هذا التراجع نابع جزئيًا ليس من كون المعطلين عن العمل قد اندمجوا في سوق العمل بل من جراء التشدد الكبير في شروط استحقاق البطالة خلال السنوات الأخيرة. معنى ذلك أنه بدلا من أن يتحول الناس من معطّلين الى عاملين، كثيرون من بينم يتدهورون ويصبحون محتاجين لمخصصات استكمال الدخل. نسبة البطالة في اسرائيل ونسبة العمال غير القادرين على العيش بكرامة من عملهم، لا تزال مرتفعة، لأنه لا يكفي اطلاق الدعوات للخروج الى العمل بل يجب التحرّك كي تكون فرص العمل في متناول اليد، وكي يصبح بالامكان العيش من العمل.

ثالوث غير مقدس

في السنوات الأخيرة ازداد بشكل كبير نطاق تشغيل عمال بواسطة شركات القوى البشرية والمقاولين الثانويين، بواسطة “نمط العمل الثلاثي”، وبحسبه يتوجه طالب الخدمة الى مقاول خدمات أو شركة قوى بشرية، ويتوجه المقاول بدوره الى العمال. هؤلاء الأخيرون يشكّلون عمليًا “الخدمات” بينما “المستعمل الفعلي” لا يُعتبر مشغلاً لأولئك العمال. طريقة التشغيل هذه تُضعف قوة العمال لأنها تقطع العلاقة ما بينهم وبين المشغّل وتسمح للمشغّل بالاستفادة من امتيازات اقتصادية على حساب العمال، الذين يأتون بغالبيتهم من الشرائح المستضعفة في المجتمع الاسرائيلي، ككبار السن والمهاجرين الجدد. فمعظمهم يتلقى أجرًا بمعدل الحد الأدنى، في أفضل الأحوال، ولا يتلقون أيًا من الامتيازات الاضافية حتى تلك التي ينص عليها القانون. كثيرون منهم لا يعرفون حقوقهم، مما يسمح للمشغلين بانتهاك تلك الحقوق. يزداد هذا الوضع حدّة حين يجري الحديث عن المهاجرين الجدد، خاصة من اتحاد الجمهوريات (الاتحاد السوفييتي سابقًا) وأثيوبيا، الذين يعانون أصلا من مصاعب في اللغة وفي المعرفة الأساسية للنظام القانوني في إسرائيل. وكذلك فإنّ العديد من العمال يخشون خشية حقيقية على مصير مصدر رزقهم في حال تجرأوا على قول ما لديهم ومقاضاة مشغليهم، وهكذا يمتنع معظمهم عن التوجه الى محكمة العمل والمطالبة بحقوقه، التي يستحقها وفقًا للقانون.
بحسب التقديرات، التي تستند الى المعطيات الرسمية لوزارة الصناعة والتجارة، فإنّ نحو 5% من مجمل العمّال في إسرائيل يُشغَّلون بهذه الطريقة (مقابل حوالي 1.5% في دول غرب أوروبا والولايات المتحدة). 4% فقط من عمال القوى البشرية مؤمّنون في تأمين تقاعدي، مقابل 60% من مجمل الأجيرين في الاقتصاد الإسرائيلي.
شكّلت شركات القوى البشرية في السّابق عاملا مصنّفًا، مجنّدًا وتأهيليًا للتنظيمات التي احتاجت اليها لفترة قصيرة نسبيًا، لكنها تحولت بمرور السنين الى قناة تشغيلية لأجسام تسعى الى تبخيس تكاليف تشغيل العمال بكلّ ثمن. وهكذا فيمكن للشركات الرائدة في الاقتصاد – بما في ذلك البنوك التي تربح أموالا طائلة – أن تستعمل حججًا مثل “النجاعة” و “المصدر الخارجي”، حتى تتنصّل من مسؤوليتها عن ظروف تشغيل عمال لديها.
في تشرين الثاني 2005 ردّت الكنيست اقتراح قانون يهدف الى الدفاع عن حقوق عمال المقاولة في اسرائيل. هذا الاقتراح الذي قدمه النائب يغآل يسينوف (شينوي) بمبادرة من اطار تطبيق حقوق العمال (الذي تشارك فيه جمعية حقوق المواطن كعضو فعّال) هدف الى ضمان عدم تمكين الجهات التي تستعمل خدمات عمال المقاولة من التنصّل من مسؤوليتها. فحتى لو تنصّل المقاول، كما ثبت على أرض الواقع، من مسؤوليّة احترام حقوق العمال التي ينصّ عليها القانون وامتنع عن دفع الحدّ الأدنى من الأجر لهم، مخصّصات النقاهة، الساعات الإضافية، بدل العطلة السنوية وما أشبه، فبإمكان العامل وفقًا لمشروع القانون التوجّه لمن طلب خدمات العمل والاستعانة بالمحكمة لهذا الغرض. هذا القانون من شأنه المساعدة على منع مسبق للعديد من أشكال المسّ بالعمّال، لأنه يفترض به أن يشجّع طالب الخدمات على التأكّد قبل توقيع الاتفاقية مع المقاول من أنه ستُدفع للعمال حقوقهم كافة، ومن شأنه منع نشوء وضع يصبح فيه مبنى التشغيل الثلاثي – العمال، طالب الخدمات وشركة القوى البشرية/ مقاول الخدمات – أداة تسمح بالمس بحقوق العمال. ولكن الائتلاف الحكومي قرر اصدار تعليمات لأعضائه بمعارضة مشروع القانون، في حين فضّل موقف وزارة المالية على موقف وزارة الصناعة والتجارة في هذا الشأن. تفسير هذه المعارضة بسيط: إن الدولة هي أكبر مشغلي عمال المقاولة في اسرائيل، ولو قبلت مشروع القانون – بعد أن نشطت طيلة السنوات الماضية على ابعاد نفسها قدر مستطاعها عن المسؤولية عن العمال بواسطة تشغيل عمال شركات القوى البشرية وعمال المقاولة – لكان عليها أن تبذل موارد حين توقيع الاتفاقيّات مع المقاولين وخاصة في جانب فرض القانون، حين ينتهك هؤلاء الأخيرون حقوق العمال.
تتفشى في فرعي الحراسة والنظافة بشكل خاص طريقة تشغيل العمال بواسطة شركات المقاولة، التي تقدم خدمات لطرف ثالث. وقد قدّمت جمعية حقوق المواطن مؤخّرًا شكوى في محكمة العمل اللوائية في تل أبيب باسم خمسين عاملاً في الحراسة يتمّ تشغيلهم في فروع “سوبرسال” بواسطة شركة الخدمات شاس. هذه الشكوى التي تصل الى 188,721.21 ش.ج. (بدون احتساب التعويضات على تأخير دفع الأجور، تعويضات عقابية، ربط بالفائدة وغيرها..) قُدّمت بسبب المس الكبير بحقوق العمال. فالمشتكون، وجميعهم مهاجرون جدد من الاتحاد السوفييتي السابق، لا يتلقون حقوقهم الكاملة من مشغليهم والتي يضمنها لهم القانون، وقد تم حجب أجرهم مقابل العمل ساعات اضافية، مخصصات نقاهة، مخصصات أعياد، اجرة السفر ومخصصات التقاعد.

دخل آمن؟ لمن؟

في شهر آب 2005 بدئ العمل بخطة مهلب “من ضمان الدخل الى التشغيل الآمن” (الشهيرة بـ “خطة ويسكونسن”). في إطار الخطة (التي يتم تفعيلها تجريبيًا لمدة سنتين، في المرحلة الحالية) أقيمت مراكز تشغيل في أربعة مواقع في البلاد (القدس، منطقة الناصرة، أشكلون وسديروت، ومنطقة الخضيرة). ويتم الزام متلقي ضمان الدخل الذين يسكنون في المواقع المذكورة بالتواجد في مراكز التشغيل لمدة 30 الى 40 ساعة أسبوعيًا، والعمل وفق خطة شخصية تُعدّ لهم. خلافًا لتوصية لجنة مهنية (“لجنة تمير”) اختارت الحكومة تفعيل هذه الخطة بطريقة الخصخصة، وهكذا فإن المراكز المذكورة تُفعّل من قبل شركات خاصة أجنبية بالتعاون مع شركات اسرائيلية.
هدف الخطة المعلن هو دمج متلقي المخصصات في العمل، ولكن مما يتكشف من تفاصيل الخطة، وكما صرّح ممثلو الحكومة مرارًا، فإن هدفها ليس تحسين جودة حياة متلقي المخصصات، بل رفع يد الحكومة من الانشغال برفاهيتهم.
لقد تقرّر ضمن الخطة أن موظف الشركة الخاصة هو من يقرر فيما اذا نجح المرشحون في امتحان التشغيل، وهو الشرط لتلقي المخصصات. فلو قرر ذلك الموظف أن مشتركًا ما لم ينفذ الخطة التي أعدّت له أو أنه رفض العمل الذي يلائمه، يتم حجب المخصصات عن ذلك المرشّح لشهر وحتى لشهرين. في النموذج الاسرائيلي وُضعت طريقة خاصة لدفع المردود للشركات التي تفعّلها، والتي تربط أرباحها بالتوفير في صرف الحكومة على مدفوعات الرفاء. وكل مشترك يخرج من دائرة متلقي ضمان الدخل، يساهم في زيادة أرباح الشركة ولا يوجد أي دافع جوهري يجعل الشركات تجد أعمالاً نوعية للمرشحين. وهكذا نشأ تناقض حاد في المصالح بين الصلاحية المعطاة للشركات كي تقرر ما اذا كان شخص ما يلبي شروط استحقاق المخصصات، وبين الأرباح التي قد تجنيها من تفعيل هذه الصلاحية. على هذه الخلفية هناك خشية حقيقية من أن تؤدي اعتبارات الربح الى مصادرة مخصّصات تشكل شبكة الأمان الأخيرة لمتلقّيها.
لا تخلق خطة ويسكونسن مصادر تشغيل جديدة. فهي تدفع بالناس الى نفس سوق العمل المُشبع، في حين ان لبّ المشكلة هو غياب أماكن العمل، خاصة للعمال من الشريحة المنخفضة لسوق العمل (التي ينتمي اليها معظم متلقي تأمين الدخل). في أحسن الأحوال سيتم دفع هؤلاء العمال الى أعمال غير مستقرة بأجر منخفض لينضموا الى طبقة العمال الفقراء التي يكبر حجمها باستمرار؛ وفي أسوأ الأحوال سيصادر منهم تمامًا أي دعم من الدولة. فالقلائل الذين سوف يُدمجون في العمل سيخرجون (ربما مؤقتًا) من دائرة متلقي “ضمان الدخل”، ولكن ستظل الشكوك كبيرة فيما اذا كان سيحظى أي منهم بـ “دخل مضمون”.
وبالفعل، فوفقًا لمعطيات نشرتها ادارة الخطة في ختام ثلاثة أشهر من تفعيل الخطة، بدأ بالعمل حوالي 11% من مجمل المشاركين فيها (حوالي 1980 شخصًا). حسب المعطيات فإن معظمهم يتلقون الحد الأدنى من الأجر ويعملون في اعمال السكرتاريا، الحراسة، التنظيف، الغذاء والفندقة. هناك مشاركون تم ارسالهم الى اعمال كان تركها مَن عملوا فيها مؤخّرًا لأنهم لم يتلقوا أجرهم، والذي كان ضئيلا أصلاً.
بالاضافة، فحوالي 5% من المشاركين (حوالي 920 شخصًا) شُغّلوا في اعمال عامة (مثل الدهان في مدارس ومؤسسات عامة، مساعدة مسنين، تنظيف شواطئ وغيرها). بحسب القانون فإن اعمال الخدمات العامة خُصصت لإكساب المشاركين عادات عمل، ولكن في الواقع يتم تحويل مشاركين الى اعمال تتلخص كل عادات العمل فيها بالنهوض صباحًا، ولا يتلقى المشاركون أي تأهيل يُذكر. وتبيّن أن هذه الخدمات التي صار اسمها على الألسن “أعمال في خدمة الجمهور”، مجدية لأماكن العمل التي تتلقى عمالاً مجانيين، لكنها ليست مجدية للمشاركين أنفسهم. فالمشاركون في الخطة ممن لديهم تجربة مهنية أو شهادة أكاديمية يُطالبون باجتياز نشاطات أساسية لإكساب التأهيل، أسوة مع مشاركين يفتقرون لأية مؤهّلات.
لقد تكشّفت من المتابعة التي قامت بها جمعيات “التزام بالسلام والعدالة الاجتماعية”، “المرافعة الجماهيرية”، “صوت العامل” و “يديد” نواقص كثيرة في الخطة، وانتهاكات يومية وقاسية لحقوق المشاركين. منها أن الشركات تلزم المشاركين بتوقيع مستندات من غير أن تكون لديها صلاحية بذلك؛ ويضطر المشاركون الى تمثيل أنفسهم في اجراء استئنافي على إلغاء المخصصات، في حين يقف أمامهم محامو الشركات الخاصة؛ هناك من يطالَبون بالوصول بالباص الى المراكز لكنهم لا يتلقون مقابل أجرة السفر؛ العديدون منهم متقدمون في السن لا يوجد احتمال للعثور على عمل لهم، أو نساء متقدمات في السن لم يعملن أبدًا خارج البيت من قبل، والبعض الآخر يعاني من مشاكل صحية جدية؛ هناك نقص كبير في المعلومات لدى المشاركين العرب او المهاجرين الجدد ولا توجد بدائل تلائم الأشخاص ذوي المحدوديات.
وهكذا ففي سياق الخصخصة وبذريعة النجاعة ترفع الحكومة يدها من المسؤولية عن خدمات الرفاء لمن يعتمدون على شبكة الأمان الدنيا. وهي تتركهم بأيدي الشركات الخاصة، وتنقل مدفوعاتها من رفاه للغالبية الى أرباح للأقلية.

سياسة الهجرة

واصلت سياسة الهجرة في دولة اسرائيل، السنة المنصرمة، إشغال متخذي القرار. في شهر حزيران 2005 قررت حكومة اسرائيل منح مكانة في الدولة لمجموعة صغيرة من أبناء مهاجري العمل ولأبناء عائلاتهم (يُنظر تتمة هذا الفصل). وقررت الحكومة في نفس الوقت اجراء تعديل في تشريعات الهجرة وتشديد سبل الحصول على مكانة في اسرائيل. وانضم هذا القرار الأخير الى السياسة المنتهجة في السنوات الأخيرة، والتي تمنع منح مكانة في اسرائيل لأزواج فلسطينيين من سكان المناطق المحتلة، لكونهم فلسطينيين (ينظر الفصل حول التمييز ضدّ الأقليّة العربيّة). لقد انضمّ القرار إلى الحرب التي أعلنتها دولة إسرائيل في السنوات السابقة على مهاجري العمل، والتي وصلت في السنة المنصرمة الى ذروة في الاعتقالات وحالات الطرد لأولاد المهاجرين، ممن تُركوا أو تيتّموا في اسرائيل. ووفقًا لما نشرته الصحافة فإن شرطة إسرائيل تجري الاستعدادات لاعتقال وطرد عائلات.
من المهم التأكيد على أنه لا توجد لدولة اسرائيل اليوم سياسة هجرة منظمة تجاه غير اليهود. سياسة تنظيم مكانة العائلات في اسرائيل – أزواج، أهالٍ وأطفال – تتغير بين ليلة وضحاها ويتم تضمينها في نظم داخلية، معظمها لا يُنشر. هناك مسائل جوهرية – كمنح مكانة في اسرائيل لمن اختاروا ممارسة حياتهم فيها أو منح مكانة للاجئين، لطالبي اللجوء وفي الحالات الإنسانية – يتم السلوك فيها دون معايير موجِّهة وعلنية، وإنما عبر مشاورات بين موظفين وبحسب اعتباراتهم. ان الخط السياسي الوحيد الذي يوجه وزارة الداخلية هو الحفاظ على الطابع اليهودي لدولة اسرائيل. لقد أقام وزير الداخلية أوفير بينيس لجنة استشارية لفحص سياسة الهجرة برئاسة بروفيسور أمنون روبنشطاين وعضوية عدد من الاخصائيين الأكاديميين، وهي تواصل عملها حاليًا، ويُفترض أن تضع الخطوط العريضة لسياسة الهجرة في إسرائيل. لكن الحكومة التي أقامت اللجنة لا تقوم بانتظار توصياتها بل بدأت بتطبيق التعديل الذي يحمل في طيّاته مساسًا، وبتشديد الشروط لنيل مكانة. وهذا، كما قيل، قبل أن تقرر دولة اسرائيل سياسة هجرة واضحة ومعلنة، تتطرق الى الجوانب الكثيرة والمختلفة في الهجرة الى اسرائيل، واجبات الدولة تجاه مواطنيها وسكانها والتزاماتها الدولية.

حرب الاستنزاف في دائرة السكان
عزّز تقرير قدّمته المراقبة الداخلية في وزارة الداخلية الى وزير الداخلية مطلع عام 2005 من استنتاجات الجمعية في تقريرها الذي نشرته السنة الماضية حول انتهاكات حقوق الإنسان من قبل دائرة السكّان(3) . فوفقًا لتقرير المراقبة الداخلية، هناك معالجات مختلفة لحالات متشابهة في مكاتب دائرة السكّان، وفي بعض الأحيان تعالج الحالات خلافًا للنّظم. ووجدت المراقبة أيضًا أنّ هناك قضايا لا يكون شكل التعاطي معها واضحًا للمكاتب، وهو ما يؤدّي الى ارجاء معالجتها لفترة أشهر. وأكدت المراقبة أنه لا توجد لدى دائرة السكان معطيات حول عدد طلبات الحصول على مكانة في اسرائيل، وليس بحوزتها معطيات عن وجهات ازدياد أو انخفاض في عدد الطلبات. انعدام هذه المعلومات يمس بوضع السياسة. ولم تنجح مراقبة الوزارة بالعثور على مجموعة النظم المحتلنة التي تشمل كافة نظم دائرة السكان. فالنظم، كما وجدت، تضعها جهات مختلفة بصيغ مختلفة وبشكل غير متجانس، ويتم تعميمها بشكل غير متجانس، أيضًا.لقد وافق وزير الداخلية أوفير بينيس على أن تقرير المراقبة “يكشف صورة قاتمة في كل ما يتعلق بالخدمات المعطاة للمتوجهين الى دائرة السكان”. وقال الوزير خلال جلسة للجنة الداخلية التابعة للكنيست في كانون الثاني 2005: “لديّ انطباع.. أنه في عدد من القضايا كانت في وزارة الداخلية سياسة من الاستنزاف. أي اننا نستنزف المواطن حتى ييأس – حتى يموت الإقطاعي، يموت الحصان ويموت الكلب. فسوف يحدث شيء ما وتحلّ المشكلة من تلقاء نفسها. وهي أحيانًا “تموت” كما تعلمون… انني غير متحمّس أبدًا من التوجه القائل: لا نريد اعطاء جواب لأن جوابنا سيكون سلبيًا. لا – أعطوا جوابًا سلبيًا، مسوّغًا وجديًا.. اذا كانت هناك نظم لا نؤمن بها فتعالوا نغيّرها. اذا كنا نقف من خلف نظم الوزارة ومعاييرها فلا يوجد سبب يجعلنا نخبِّئها. يجب أن تكون مكشوفة بشفافية أمام الجمهور. يجب أن يعرف الجمهور ما الذي سيقرّره، ما هو الصحيح، ما هو غير الصحيح، ما هو ممكن وما هو غير ممكن. بالاضافة، فإن المعالجة يجب أن تكون متجانسة”.للأسف الشديد، أظهرت الشهور الأخيرة أنه لم يتغير شيء في وزارة الداخلية. فقد نشرت دائرة السكان مؤخرًا على موقع الوزارة الشبكي أنظمته التي تمّت حتلنتها في أعقاب الانتقادات. الى جانب الأنظمة التي تم نشرها بتوسّع، نشرت مقاطع من أنظمة – مشتقة من الأنظمة الكاملة، الموجودة بأيدي موظفي دائرة السكان. ان نشر الأنظمة بهذا الشكل على موقع وزارة الداخلية غير دقيق وحتى مضلـِّل. فأنظمة دائرة السكان، ككل التعليمات الادارية، يجب نشرها كاملة وقد وجهت المحكمة مرارًا انتقادات لغياب النشر الفعّال لأنظمة دائرة السكان. يبدو أن أقوالها وقعت على آذان صماء.

وزارة الداخلية تضع قانونها بنفسها
لا تزال قرارات دائرة السكان (أو غياب قراراتها) تؤلف قسمًا جديًا من القضايا التي تنظر فيها محكمة العدل العليا ومحاكم الشؤون الإدارية. كثرة المناقشات القانونية تكفي للإشارة الى المس الخطير بسلطة القانون، ولكن في السنة لأخيرة تم الكشف عن ظاهرة اضافية، خطيرة وغير مسبوقة، في تعاطي وزارة الداخلية مع سلطة القانون. فوزارة الداخلية، كما تمّ الكشف، لا تحترم القرارات التي تشكّل سابقة، والتي اتخذتها محاكم الشؤون الإدارية، واختارت (الوزارة) عدم الاستئناف عليها معتقدة أنّها لا تلزمها. فوزارة الداخلية تتجاهل قرار محكمة الشؤون الإدارية في القدس بأنّ تسجيل ابن لسكان القدس في سجل السكان الفلسطيني لا يشكّل حاجزًا أمام فحص طلب لإعطاء الطفل مكانة في إسرائيل (4) ؛ ومن قرار محكمة الشؤون الإدارية في حيفا وبحسبها يتوجّب على وزارة الداخلية إسراء الإجراء التدريجيّ بخصوص زوجين معروفين للجمهور أيضًا على شريك اسرائيلي مرتبط(5) ؛ ومن قرار اصدرته محكمة الشؤون الادارية في تل أبيب في التماس جمعية حقوق المواطن، وبحسبه فإن مطلب وزارة الداخلية من الطرف الأجنبي لزوجين معروفين للجمهور أحدهما اسرائيلي، بأن يغادر البلاد كشرط لفحص طلب تنظيم مكانته في اسرائيل، هو مطلب غير قانوني(6) .إنّ تجاهل وزارة الداخلية لقرارات قضائية أساسية في احكام محاكم الشؤون الادارية تلغي امكانية القضاء على ظاهرة السلوك خلافا للقانون، فوفقًا لمنطق وزارة الداخلية، في كل مرة يتقرّر أن سياسة ما هي غير قانونية، يمكن للوزارة أن تختار عدم الاستئناف على هذا القرار ومواصلة تطبيق السياسة التي تقرّر أنّها غير قانونية.

تسوية منح مكانة لأبناء مهاجري العمل الذين ولدوا في البلاد
قرّرت حكومة إسرائيل في حزيران 2005 وضع تسوية لمرة واحدة، في صلبها “توفير حل على اساس قواعد انسانية لمشكلة ابناء مهاجري العمل، الذين جاءوا للبلاد أو ولدوا فيها رغمًا عنهم، لأن اخراجهم منها يعني نقلهم الى دول اجنبية لا يوجد لهم اية علاقة ثقافية بها”.الجانب الايجابي في هذه التسوية هو أن دولة اسرائيل اعترفت أخيرًا بوجود مشكلة بخصوص مكانة هؤلاء الأطفال بعد سنوات من التجاهل المطبق. لكن المعايير التي تحدد هوية من تسري التسوية عليه تحدّ من سريانها الى درجة تجعلها تخطئ الهدف الذي جاءت من أجله. فالتسوية تفصل بين مكانة الطفل وبين مكانة ابناء اسرته، وقد تمس مستقبلا بالحق في حياة أسريّة اذا ما قرر الاولاد الذين يستحقون مكانة، التزوج من مواطنين أجانب مستقبلا.وفقًا للمعايير التي وضعتها الحكومة تسري التسوية على اطفال ولدوا في اسرائيل؛ يعيشون فيها بشكل متواصل؛ عمرهم في العاشرة فما فوق؛ أهاليهم دخلوا البلاد بشكل قانوني؛ يتعلمون في مدرسة في اسرائيل؛ يتكلمون العبرية، وابعادهم من اسرائيل سيكون بمثابة تهجير ثقافي.وفقًا لتقديرات جمعية حقوق المواطن فإن التسوية توفر حلاً لحوالي 400 طفل من بين 1300 طفل من ابناء مهاجري العمل في اسرائيل (في جيل 0-18). والتمست الجمعية ومركز مساعدة العمال الأجانب الى محكمة العدل العليا ضد اثنين من المعايير التي أقرّت في تلك التسوية واوضحا أن شرطي الولادة في اسرائيل ودخول الوالدين البلاد بشكل قانوني، لا يحقّقان هدف التسوية كما أقرّته الحكومة. فالتسوية تمسّ أيضًا بمبدأ المساواة لانها تميز بين اطفال لا يوجد بينهم أي فرق من ناحية انخراطهم في المجتمع الاسرائيلي، ما عدا ان قسمًا منهم ولد هنا والقسم الآخر جاء للبلاد حين كان رضيعًا. برأي الجمعية، فإن المعايير يجب أن تتمحور في فحص مركز حياة الطفل في اسرائيل، فقط. اذا تم قبول الالتماس يُفترض تنظيم المكانة لحوالي 200 طفل وصلوا البلاد مع اهلهم في طفولتهم المبكرة، لكنهم لم يولدوا هنا. خلال كتابة هذه السطور أصدرت محكمة العدل العليا امرا احترازيًا يمنع وزارة الداخلية من طرد او اعتقال ابناء مهاجري العمل وعائلاتهم ممن هم غير مشمولين في معايير السكن الدائم التي أقرتها اسرائيل، الى حين البت في الالتماس، فيما لو قرر المذكورون تقديم طلب لنيل مكانة حتى 31.3.2006.

استمرار المسّ بحقوق مهاجري العمل
يشغَّل في اسرائيل منذ حوالي 15 عامًا مئات آلاف العمال الأجانب، وسط تجاهل السلطات لظروف الاستغلال التي يتم تشغيل هؤلاء العمال بها، وتسليم الجمهور الاسرائيلي بالظاهرة التي تشمل ظروف سكن غير لائقة، تأخير في دفع الأجور، عدم دفع مقابل ساعات العمل الاضافية ودفع ما يقل عن الحد الأدنى للأجر، مصادرة الجوازات من قبل المشغّلين، وغير ذلك.

غياب تطبيق القانون على المشغّلين يتواصل
تعمل الدولة بنشاط كبير ضد العمّال المستغَلّين ولا تطبق القانون على المشغِّلين الاستغلاليين. فتطبيق القوانين التي يفترض أن تحمي العمال يتم بتقاعس وحتى حين تفرض غرامة على مشغّل مخالف للقانون فان الدولة تمتنع عن جباية الغرامة بشكل فعلي. مثلا، خلال جلسة للجنة حول قضية العمال الاجانب في الكنيست، في كانون الثاني 2004، افاد مدير القسم المسؤول عن العمال الاجانب في وزارة الصناعة والتجارة، افرايم كوهين، بانه على الرغم من فرض غرامات كبيرة في ذلك العام على من شغّل عمالا اجانب دون ترخيص او بسبب شروط تشغيل او دفع غير نزيهة، بلغت 161 مليون ش.ج.، فقد تم فعليا جباية 11 مليون ش. ج. فقط، وهو ما يعادل 7% من المبلغ الكلّي. وعلى الرغم من انعدام الفاعلية السّافر فالدولة تمتنع عن استعمال الاداة المركزية التي تتيحها صلاحيّتها: إلغاء تراخيص التشغيل للمشغّلين مخالفي القانون. ووفقًا لمعطيات تلقتها الجمعية من وزارة الصناعة والتجارة بين كانون الثاني وحتى آب 2004 تم سحب 14 ترخيصًا، وبين آب 2004 وشباط 2005 تم سحب 40 ترخيصًا آخر. وفي الفترة نفسها جرى فرض 12303 غرامة ادارية. الجمعية التمست ضد وزارة الصناعة والتجارة بمطلب سحب تراخيص التشغيل من كل مشغّل انتهك حقوقا ينص عليها القانون للعمال الأجانب الذين يشغّلهم.

فوضى في أنظمة تشغيل العمال الأجانب
في اعقاب انتقادات وجّهت في موضوع تشغيل العمال الأجانب في اسرائيل، الذي اشتهر باسم “نظام التقييد” لأنه قيد العامل الأجنبي بالمشغل وأنتج شروطا مريحة لاستغلال المشغّل للعامل، وفي اعقاب التماس قدمه “خط للعامل” وضعت الدولة “نظام انتقال العامل من مشغّل الى آخر” والذي يسمح بالانتقال بين المشغّلين. وقد أدّى النشاط الكبير لجمعية “خط للعامل” على مدار السنة الى ادخال تحسينات كبيرة في الأنظمة. وهكذا تم ادخال توضيح صريح جرى بحسبه منع طلب رسالة تسريح من المشغّل، منع فرض تقييد على عدد الانتقالات الممكنة من مشغّل الى آخر، الغاء منع الانتقال في حالة تقديم المشغّل شكوى، وغير ذلك. الى جانب هذا فإن تطبيق هذا الإجراء على أرض الواقع إشكاليّ، ويواصل موظفو مكاتب دائرة السكان بالسلوك كأن شيئًا لم يتغيّر.إضافة الى ما ورد، فإن هذا الإجراء مطبق في فرعي الزراعة والتمريض فقط، بينما يتواصل نظام التقييد في فرعي الخدمات والصناعة. أما في فرع البناء فيتم انتهاج نظام آخر (7) ، يشغَّل العمال بحسبه من قبل شركات القوى البشرية ويمكنهم الانتقال من مشغّل الى آخر بواسطته، وفي مرحلة معينة يمكنهم الانتقال حتى من شركة الى أخرى. ومنذ الآن يظهر أن هذا النظام لم يحقق هدفه، فالعمال يجدون أنفسهم مقيدين بشركة قوى بشرية بدلا من تقييدهم بمشغّل.ميدانيًا، تسود حالة من عدم الوضوح نتيجة للأنظمة المختلفة. فمن غير الواضح أي نظام من بينها يسري على هذا العامل أو ذاك، والعديد من العمال لا علم لديهم بالأنظمة المختلفة، وفي بعض الأحيان لا يعلم بها عاملو شركات دائرة السكّان ولا موظّفو وحدة فرض القانون التابعة لوزارة الداخليّة. وكالعادة فإنّ العمّال هم من يدفع الثمن، ويتعرّضون للاعتقال على الرّغم من وجود نظام يستحقّون بحسبه استبدال مشغّلهم بمشغّل آخر.
رسوم السمسرة – تجارة بالبشر
تُعتبر جباية الرسوم مقابل توفير مكان عمل أو التجنيد للعمل، وفقًا للقانون الدولي وقانون العديد من الدول، نوعًا من التجارة بالبشر، لأنها تؤدّي، ضمن ما تؤدّي إليه، إلى خلق علاقة من “عبودية الدين” بين المشغّل والعامل، الذي يطالَب بالعمل لفترة طويلة وبشروط مزرية حتى يردّ القروض والالتزامات التي أخذها على عاتقه من أجل دفع رسوم السمسرة. بدلاً من العمل ضد هذا النهج الباطل المؤلف من جباية مبالغ كبيرة من العمال الاجانب الذين يأتون الى اسرائيل كرسوم سمسرة، وبدلا من توسيع تطبيق القانون على تلك العناصر التي تتصرّف خلافًا للقانون، فإن وزارة الصناعة والتجارة اختارت تحليل المحرّم ودفعت بتعديل قانون التشغيل الذي بات يسمح للمرة الولى لشركات القوى البشرية وللأفراد المنخرطين في عملية تجنيد العمّال الأجانب في إسرائيل والخارج، بجباية رسوم سمسرة من العمّال. وتقود جمعيّة حقوق المواطن، “خطّ للعامل” و “مركز مساعدة العمال الأجانب” نضالاً في الكنيست ضدّ وضع أنظمة لتطبيق تعديل القانون.

حماية حقوق المرشحين للطرد
نشهد في السنة الأخيرة تحسنًا معينًا في سلوك المحاكم التي تنظر في اعتقال العمال الأجانب (محاكم رقابة الاحتجاز): اضافة محكّمين؛ تقصير الفترة السابقة للإحضار امام المحكمة حتى أربعة ايام كأقصى حد؛ نقل المسؤولية عن المحاكم من وزارة الداخلية الى وزارة القضاء؛ اقامة سكرتاريا (تعمل بشكل جزئي) وغير ذلك. لقد تم تحقيق هذه الانجازات، أيضًا، في اعقاب تعليمات أصدرها المستشار القضائي في اطار التداول في التماس قدمته جمعية حقوق المواطن ومركز مساعدة العمال الأجانب (8) . مع هذا فقد ظلت هناك مشاكل كبيرة عالقة دون حل، ولا يزال الالتماس قيد انتظار البت فيه.إن احدى الوسائل الحيوية لحماية حقوق المعتقلين هي توفير خدمات الترجمة للمشتبه بهم بالمكوث غير القانوني خلال جلسات استصدار أمر الاحتجاز (الاعتقال) وأمر الابعاد (الطرد من البلاد). ورغم الوعود المتكررة لوزارتي الداخلية والقضاء، فلم تتم تسوية الأمر بعد. في غياب الترجمة، مكث عمال رهن الاعتقال مرارًا فقط لأنهم لم يفهموا سبب اعتقالهم ولم يتمكنوا من التعبير عن أنفسهم كما يجب، أو بفعل أخطاء في تحديد هوياتهم، وهو ما لاقى نقدًا حادًا في تقرير مراقب الدولة المنشور عام 2005. هناك مشاكل اضافية في اجراءات الاعتقال تواصلت هذه السنة ايضًا، ونشأت بسبب غياب أنظمة متجانسة وموحّدة بخصوص النظام المعتمد في المحاكم، وبفعل مماطلات غير مبرّرة في اصدار قرارات بخصوص طلبات اعادة النظر في قضايا القابعين رهن الاحتجاز. لقد اضطرّت مصاعب تطبيق حق المعتقل بمحامٍ، مرارًا، العمال المرشحين للطرد على التقاء محاميهم في باحة المطرودين في مطار بن غوريون، وهو ما حاولت شرطة الهجرة منعه. في اعقاب التماس الى محكمة العدل العليا، قدمته جمعية حقوق المواطن ومركز مساعدة العمال الأجانب، حضّرت الدولة نظامًا جديدًا يسمح، تحت تحفظات مختلفة، بعقد لقاءات في المطار بين المرشحين للطرد وبين محاميهم. ولا يزال الالتماس بانتظار البت فيه، لأن النظام الجديد نفسه يمس أكثر من اللازم بالحق في اللقاء مع محام.

قاصرون متروكون
رغم السياسة الراهنة فإن شرطة الهجرة تعتقل قاصرين ممن يتبيّن أنه لا يوجد لهم أهل في البلاد، ويتم ارسالهم الى المعتقل ومن هناك يُطردون الى بلادهم، حتى لو لم يكن هناك من يستقبلهم. حتى اليوم جرى اعتقال حوالي 70 قاصرًا، معظمهم متروكون؛ بعضهم طُرد وحوالي 20 منهم معتقلون حاليًا. إن الاعتقال والطرد يقفان على نقيض مع واجب دولة اسرائيل العمل من أجل جودة حياة القاصرين الذين يعيشون في الدولة، حتى لو لم يكن أهلهم من سكان البلاد. وقد التمست جمعية حقوق المواطن ومركز مساعدة العمال الأجانب الى محكمة الشؤون الإدارية في تل أبيب باسم قاصرتين متروكتين تم اعتقالهما. ادعى الملتمسون أنه يُمنع طرد القاصر طالما لم تؤكد جهة مختصة (موظف الرفاه) أن طرده يتفق مع صالحه، وطالما لم يجر تنسيق استيعابه مع الدولة التي سيُرسل اليها. بعد رفض الالتماس تقدم الملتمسان باستئناف الى المحكمة العليا. في أواخر تشرين الثاني نظرت المحكمة بتركيبة مؤلفة من 7 قضاة في الاستئناف، وبعد استكمال الادعاءات سيُتّخذ قرار في شأنه.

التمييز ضد الأقلية العربية
مرّت خمس سنوات منذ أحداث أكتوبر 2000 التي كانت تعبيرًا عن الغضب ومشاعر الاغتراب لدى المواطنين العرب في اسرائيل، نتيجة للتمييز والغبن المنهجيين منذ قيام الدولة. مرّت سنتان منذ أعلنت الحكومة أنها تتبنى توصيات لجنة أور، التي حققت في الأحداث وأوصت بالعمل على زيادة المساواة. ولكن من الناحية العملية لم يتم القيام بشيء لتطبيق التوصيات. لم يتم انتهاج عدالة توزيعية في تخصيص أراضي الدولة، لم تخصص موارد لسد الفروقات بين الوسط اليهودي وبين الوسط العربي، ولم يتم حدوث أي تغيير مؤسساتي في توجه الشرطة للوسط العربي. فاللجنة الوزارية التي أقيمت لفحص سبل تطبيق توصيات لجنة أور (“لجنة لبيد”)، أفرغت توصيات لجنة أور، الى حد بعيد، من مضمونها.لقد كان أحد اقتراحات لجنة لبيد اقامة “سلطة حكومية لدفع وسط الأقليات”. وألقى مكتب رئيس الحكومة مهمة اقامة تلك السلطة على مجلس الأمن القومي. إن مجرّد القاء مهمة اقامة السلطة المذكورة التي يفترض أن تعمل من اجل الأقلية العربية، على جسم أمني، يُظهر أنه لم يطرأ تغيير على تعامل الحكومة مع مواطنيها العرب وهي تواصل النظر اليهم كجهة معادية. ويبدو، قبل أن تبدأ هذه السلطة عملها، أنها ستكون جسمًا اضافيًا يشكّل غطاء لغياب أي نشاط حقيقي. فالسلطة المخططة لن يكون بمستطاعها أن تدير الميزانيات بنفسها. بل يفترض بها ان تنسّق بين وزارات الحكومة المختلفة، وحتى هذا ليس عبر تفضيل اصلاحي، بل عبر زيادة الميزانيات قياسًا بالميزانية السابقة، التمييزية بحد ذاتها.

تحقيق ماحش انتهى بلا شيء
ليس فقط أن التصريحات حول خطوات لزيادة المساواة ظلت يتيمة، بل ان تحقيقات الشرطة في فترة احداث اكتوبر انتهت بلا شيء. واعلن قسم التحقيقات مع الشرطيين (ماحش) أن ملفات التحقيق في مقتل متظاهرين عرب بأيدي الشرطة ستغلق بسبب غياب الأدلة الكافية في قسم من الحالات وصعوبة تحديد قسم من الشرطيين المسؤولين عن تنفيذ المخالفات.أوضح التقرير الذي نشره ماحش أنه لم يجر استيعاب المغزى ولم يتم تغيير التوجه: فبدلا من تحليل الأحداث وفقًا للمعايير التي يُفترض أن توجّه الشرطة خلال معالجة الاخلال بالنظام من قبل مواطنين داخل الدولة، يقوم تقرير ماحش على معايير تسري على نشاطات قتالية في المناطق المحتلة (أحيانًا من خلال الاستناد الصريح إلى قرارات حكم تتناول حدود مسؤولية الضابط العسكري)؛ فالتقرير ينطلق من توجه مبدئي متشدّد وخطير يمتنع عن فرض أي تقييد تقريبًا على أساليب العمل اللائقة للشرطة. فحين تم تحليل الأدلة تجاهل موظفو ماحاش افادات المواطنين العرب (“المحليون”، كما ورد في لغة التقرير المثيرة للغضب، والتي استُعيرت من التقارير عن عمليات الجيش الاسرائيلي في المناطق المحتلة)، الذين تواجدوا في وقت الأحداث، رغم أن لجنة أور وجدت فيها افادات معتمدة، وحتى حين تم ايرادها في الفصول الحقائقية من تقرير ماحش نفسه، دون أي اعتراض عليها. في اعقاب نشر تقرير ماحش توجهت جمعية حقوق المواطن الى المستشار القضائي للحكومة، فصّلت المثالب والنواقص في التقرير وطلبت منه اجراء فحص جذري لسلوك ماحش في هذه القضية وللرؤى القيمية التي توجهه في عمله. لقد واجهت شرطة اسرائيل في الفترة الأخيرة مظاهرات واسعة لمعارضي خطة فك الارتباط وأثبتت في معظم الحالات (يُنظر فصل تالٍ عن حرية التعبير) انه يمكن العمل بحزم للحفاظ على نظام الحياة، منع تهديد حياة البشر والأملاك، وتوفير امكانية سير الحياة بشكل سليم وابقاء خطوط المواصلات مفتوحة، من دون استعمال السلاح الحي. ولكن حين وصل شرطيون، خلال كتابة هذا التقرير نفسه، الى مظاهرات لمواطنين بدو في النقب، تم استعمال اطلاق النار في الهواء بكثافة، ووفقًا للافادات ليس فقط للتحذير بل ايضًا للتخويف. وقد اضطر 15 مواطنًا عربيًا، بينهم نساء حوامل، لتلقي العلاج الطبي بعد ان تلقوا الضرب من الشرطيين.يتوجب على الشرطة أن تسمح بحرية الاحتجاج والتظاهر دون علاقة للهوية القومية أو الأيديولوجية للمواطنين وأن تمتنع عن تكرار أنماط السلوك العنيفة، التي أدت الى مقتل مواطنين متظاهرين في أكتوبر 2000.

تمييز باسم القانون
أحد التوجهات الأشد إثارة للقلق على الديمقراطية وحقوق الانسان هو تكريس التمييز ضد الأقلية العربية، شرعنته ومأسسته بواسطة قوانين. فيما يلي سنتطرق الى اثنين من القوانين (يُنظر ايضًا حول التشريع الذي يتسبب بمساس في فصل انعدام النزاهة في الجنائيات).

تبديد شمل العائلات
أقرّت الكنيست في تموز 2003 أمر ساعة (9) ، يمنع بشكل جارف معالجة طلبات جديدة من مواطنين اسرائيليين لاعطاء مكانة لأزواجهن/زوجاتهم من اصل فلسطيني، وحتى يجمّد معالجة الطلبات التي سبق تقديمها (10) . وقد ادعت الدولة ان هذا التشريع مؤقت جاء لاعتبارات أمنية، بسبب وجود مؤشرات على انخراط متزايد لفلسطينيين متزوجين من اسرائيليين، في تنفيذ عمليات داخل اسرائيل. وفقًا لادعاء الدولة فإن استمرار العملية التدريجية للم شمل العائلات يمنح هؤلاء الفلسطينيين تصاريح دخول الى اسرائيل وهم يستغلونها بشكل سلبي. ولكن من الواضح ان الدولة تستعمل الادعاء الأمني كغطاء للهدف الحقيقي من وراء هذا القانون، وهو مواجهة “المشكلة الديمغرافية” ومنع زيادة عدد المواطنين العرب في الدولة.هذا التشريع عنصري، يميّز بين العائلات على خلفية الانتماء القومي لأحد الزوجين، ويمس بحق العائلة في الحماية، كونه يحكم بتبديد شمل عائلات كثيرة، أحد طرفيها هو فلسطيني. وبطبيعة الحال فإن المس هو بمواطنين عرب، لأنهم يشكلون معظم المتزوجين من فلسطينيين. بعد تمرير هذا القانون تم تقديم سلسلة من الالتماسات لمحكمة العدل العليا بطلب إلغائه، ومن بين الملتمسين جمعية حقوق المواطن، مركز عدالة، ونواب عرب. وقد انعقدت المحكمة بتركيبة 13 قاضيًا لكنها تتلكّأ في اصدار القرار.إن الادعاء بكون أمر الساعة مؤقتًا هو باطل، لأن تجميد معالجة الطلبات يتواصل منذ أربع سنوات تقريبًا، بينما تقوم الكنيست بتمديد أمر الساعة مرة تلو الأخرى، من دون اعطاء وزن لائق لواجب حماية الحق في حياة عائلية. أما التعديلات التي أُدخلت على أمر الساعة في شهر آب 2005، والتي يُفترض أن تسهّل على مقدمي الطلبات، فهي بمثابة تعديلات تجميلية ليس بمقدورها تقليص المس بالحقوق، وبعضها أضاف حتى تقييدات جديدة لم تكن فيه من قبل. في الوقت الراهن، لا تزال مئات العائلات – من نساء ورجال وأطفال – تنتظر كلمة المحكمة، في ظل التهديد الدائم بالطرد من البلاد والتمزيق الشرس ما بين أطفال وأحد والديهم وما بين زوج وزوجته.لقد تم تجميد اجراءات لم شمل العائلات بشكل جارف، كعقاب جماعي لكل الفلسطينيين ممن لديهم هذه المكانة. خلال مراحل تشريع القانون في الحكومة والكنيست لم يتم عرض أية معطيات حول مشاركة ازواج فلسطينيين في عمليات ارهابية، في المقابل، نشرت وزارة الداخلية عرضًا يشمل معطيات عن ازدياد عدد طلبات لمّ شمل العائلات، وتحليلاً ديموغرافيًّا مشوّهًا حول عدد أبناء العائلات الذين سيحظون بمكانة في إسرائيل نتيجة للطلبات التي قُدّمت. في إطار جلسات محكمة العدل العليا ادعت نيابة الدولة أن 25 من الأزواج الفلسطينيين كانوا منخرطين بهذا الشكل أو ذاك في العمليات. هذا هو الأساس لهذه السياسة العنصرية، التي تم تضمينها في القانون.في المقابل، أمر رئيس الحكومة جهاز الأمن العام (“الشاباك”) بتجميد معالجة طلبات تنظيم مكانة الأزواج/ات الأجانب، مواطني الدول العربية، التي يتم تحويلها الى “الشاباك” من وزارة الداخلية لنيل تصريح أمني. تم الغاء الأمر الذي أصدره رئيس الحكومة بعد ان التمست جمعية حقوق المواطن الى محكمة العدل العليا ضدّه.

بين دمٍ ودم
في آب 2005 نفّذ جنديّ يهوديّ عمليّة بباص في شفاعمرو. وقد قتل أربعة من ركّاب الباص وجرح 12 آخرون. بين تداعيات العملية طُرح مجددًا التمييز بين مصابي العمليات العدائية اليهود والعرب من حيث الحق في التعويض من الدولة، فوفقًا للوضع الراهن، يسري قانون تعويض ضحايا العمليات العدائية فقط على مصابي العمليات العدائية التي كانت موجهة ضد يهود. يشار في هذا السياق الى أن الجمعية سبق أن حذرت، منذ حوالي ست سنوات، بشأن الحاجة في الاعتراف بالمصابين على خلفية عنصرية كمصابي عمليات عدائية ويستحقون تعويضًا من الدولة. فالمس بالمواطنين العرب بوصفهم عربًا هو تآمر على أسس الطابع الديمقراطي للدولة، وبوصفه كهذا فيجب أن يُعرّف كعملية عدائية يستوجب التعويض عليها من خزينة الدولة. إن عدم الاعتراف بالمواطنين العرب كما سلف، أسوة باليهود الذين يصابون في ظروف مشابهة، يميّز بين دم ودم ويمس مسًا قاسيًا بكرامة المواطنين العرب. في السنة المذكورة مثـّلت الجمعية ثلاث طالبات عربيات تعرّضن للمسّ على خلفية انتمائهن القومي (11) . وقد عبر المستشار القضائي في حينه عن موقفه بالقول إنه “يجب ايجاد حل لمشكلة المواطنين العرب الذين يصابون في عملية وُجهت ضدهم على خلفية انتمائهم القومي”. بهذه الروح تقرّر في تلك الفترة اقامة لجنتين، خُوّلتا بمعالجة طلبات الحصول على تعويض بسبب الاصابة على خلفية الانتماء القومي. خُوّلت اللجنتان بمنح من تعرض لإصابة على هذه الخلفية تعويضًا بنفس النسبة التي كانت ستُمنح فيما لو أن ما تعرضوا اليه من اضرار كان مشمولا في القوانين المذكورة. بالاضافة الى ذلك، أصدر المستشار القضائي للحكومة تعليمات للحكومة تقضي بفحص تعديل القوانين بحيث تنص بوضوح على الحق في التعويض في حالات المس على خلفية الانتماء القومي. مضى أكثر من ست سنوات ولكن لم يتم تعديل تلك القوانين، على الرغم من تقديم أكثر من مشروع قانون لتعديلها ومن عقد جلسات لهذا الغرض.فور العملية في شفاعمرو توجهت جمعية حقوق المواطن الى المستشار القضائي للحكومة بطلب التحرك الفوري لتعديل القانون بحيث يسمح بالاعتراف بضحايا العملية في شفاعمرو، وبكل ضحية اصيبت جسديًا أو في أملاكها على خلفية عنصرية – قومجية، كضحايا عمليات عدائية بكل ما يعنيه هذا.أعلن رئيس الحكومة أرئيل شارون أنه ينوي تقديم تعديل للقانون، وبالفعل فقد وضع على مائدة الكنيست مؤخّرًا اقتراح لتعديل قانون التعويضات، الذي فيما لو تم قبوله سيستحق مصابو العمليات الشبيهة بعملية شفاعمرو الحصول على تعويضات وفقًا للقانون. التعديل المقترح يدفع بالمساواة بين اليهود والعرب كما جاء في اقتراح القانون، لكنه لا يخلق مساواة تامة بكل ما يتعلق بتطبيق الحق في التعويض لكل من يُصاب على خلفية انتمائه القومي. وقد قدّمت جمعية حقوق المواطن ملاحظاتها على الاقتراح الى وزارة القضاء وستواصل متابعة إجراءات التشريع.

تمييز في تخصيص موارد الأرض
كما أنه لم يحدث تحسّن في تعامل الشرطة مع المواطنين العرب، فكذلك لم يطرأ أي تغيير جوهري في مجال تخصيص الأراضي للجمهور العربي. وفي حين تخصص الدولة موارد أرض غالية الثمن، بسخاء، لليهود فقط فإن المواطنين العرب لا يزالون يعانون من التمييز المؤسساتي والاهمال الذي طالت سنواته في مجال الارض والاسكان. ان التمييز ضد المواطنين العرب في مجال تخصيص الاراضي، امكانيات البناء وشراء بيوت ودور سكنية، هو تمييز منهجي متواصل ومتعدد الجوانب. هذه السياسة التمييزية تشمل مصادرة الاراضي وتقليص حيّزات التخطيط في البلدات العربية؛ تمييز مؤسساتي في المساعدة الاقتصادية للاسكان عبر اعطاء محفزات مبالغ بها لتعزيز الاستيطان اليهودي في الجليل والنقب؛ منع امتلاك بيوت وأراض في البلدات اليهودية من قبل عرب، وتمييز تخطيطيّ يتجلّى بإقامة بلدات يهودية جديدة ورفض الاعتراف ببلدات عربية قائمة وتحضير خرائط هيكلية لها.إن الحكومة ودائرة اراضي اسرائيل، اللذين يُفترض بهما إدارة أراضي الدولة لمصلحة المواطنين كافة، يتعاملان بعدم مساواة سافر في تخصيص الأراضي المعدّة للسّكن. فعلى سبيل المثال، ووفقًا لمعطيات المركز العربي للتخطيط البديل، نشرت الدائرة خلال خمسة أشهر عام 2004 فحصها المركز، مناقصات لتسويق أراضٍ لبناء حوالي 1820 وحدة سكنية في لواء الشّمال. وكان من بينها 140 فقط للتسويق في البلدات العربية. وهذا في حين أن نصف سكّان لواء الشّمال هم عرب وعلى الرّغم من الضائقة السكنيّة الحادّة جدًا المحيقة بالبلدات العربية في الشمال في مجال الإسكان.

تمييز ممأسس في مساعدات الاسكان
تفاقمت ضائقة السكان بين الجمهور العربي بشدّة في غياب خطط حكومية من شأنها توفير حلّ، ولو في حده الأدنى، لاحتياجات السكن لدى هذا الجمهور مثل اقامة أحياء وبلدات عربية جديدة، اقامة مساكن شعبية لائقة وما شابه من خطط دعم يتمتّع بها الجمهور اليهودي. ليس هذا فحسب بل إنّ الدولة لا تبادر الى مشاريع بناء في البلدات العربية؛ المواطنون العرب يتعرضون للتمييز الأسوأ في دعم الاسكان.فمثلا، في أكتوبر 2005 أطلق نائب رئيس الحكومة شمعون بيرس خطة دعم حكومية تحت شعار “الجليل قريب منك”، وجوهرها المعلن هو إعطاء امتيازات في شراء أراض للسكن وامتيازات أخرى في السكن لمواطني الدولة. وقد عرضت الحكومة في هذه الخطة تنزيلات غير مسبوقة، بنسبة 90% من قيمة الارض، على شراء اراض للسكن في بلدات صغيرة في الجليل. كان يمكن التوقُّع ان يتم منح الامتيازات بشكل متساو لكل مواطن اسرائيلي بحاجة للسكن، ولكن يبدو أن هذه الخطة أيضًا ليست مخصّصة للعرب لأنّه من بين 104 بلدات تسري عليها الخطة – مدن تجمعات قروية وكيبوتسات – هناك اربع بلدات عربية فقط (12) . من بين الامتيازات المقترحة على من ينتقل للعيش في الجليل – تخفيضات في ضريبة الدخل في المناطق السكنية والصناعية، تخفيضات في شراء الأرض، مشاركة وزارة البناء والإسكان في تطوير البنى التحتية، منح في شراء الدار وحوافز للعاملين في التدريس والتربية في مناطق الأفضلية القومية. هذه التخفيضات المقترحة تنحصر في الجنود المسرّحين (كما هو معروف فإنّ غالبية العرب لا يُجنّدون للجيش)، بدون اية علاقة بالخدمة العسكرية. الالتماسات التي قدّمتها جمعية حقوق المواطن وعدالة لا تزال أمام المحكمة.

بلدات لليهود فقط
تدفع ضائقة السكن أحيانًا بمواطنين عرب لاتخاذ قرار بشراء بيت او بنائه في بلدات “يهودية”. قبل خمس سنوات اصدرت محكمة العدل العليا حكمًا شكّل سابقة قضائية ونص على أن الدولة لم تكن مخوّلة بتخصيص أراض للوكالة اليهودية لأجل بناء بلدة على خلفية تمييزية استنادًا الى الانتماء القومي. المقصود بهذا هو الالتماس الذي قدمته جمعية حقوق المواطن باسم الزوجين قعدان، بعد رفض طلبهما بناء بيت لهما في بلدة كتسير، فقط لكونهم عربًا. في هذه الأيام (كانون الثاني 2005)، وبعد درب مزروعة بالعراقيل على مدار عشر سنوات، يُفترض توقيع عقد تأجير الارض الذي سيمكّن عائلة قعدان من بناء بيتها في بلدة كتسير. لقد أثار قرار الحكم المذكور جدلاً جماهيريًا واسعًا حول المساواة في الحقوق للجمهور العربي، لكنّه لم يؤدّ الى تغيير في سياسة تخصيص الاراضي واقامة البلدات.يواجه مواطنون عرب آخرون رفض بيعهم الاراضي، ليس في بلدات جماهيرية صغيرة فحسب، بل في مدينة كرمئيل ايضًا، وذلك بزعم ان الأرض المعروضة في المناقصة تابعة للكيرن كييمت، وعليه فهي مخصّصة للبيع ليهود فقط (استنادًا الى الاتفاق بين الكيرن كييمت وبين دولة اسرائيل). هناك ثلاثة التماسات في هذا الشأن أمام محكمة العدل العليا (13) . ويدعي الملتمسون ان الحق الدستوري بالمساواة، الذي يُلزم دائرة اراضي اسرائيل بوصفها جسمًا جماهيريًا يعمل وفقًا للقانون، يفوق أي التزام له تجاه الكيرن كييمت. قواعد الادارة السليمة تحظر على الدائرة استعمال صلاحيات الحكم لديها ومواردها العامة، المادية والمالية على السواء، من أجل دفع شؤون مجموعة واحدة من الجمهور، من خلال تخصيص أراض لليهود فقط. فالصلاحيات والموارد مُنحت للدائرة كمؤتمنة من قبل الجمهور ومن أجل الجمهور كله، ويتوجب عليها استعمالها من خلال الالتزام بهذا المبدأ.

قبضة مشدودة تجاه البدو في النقب
سكّان البلدات غير المعترف بها في النقب هم مواطنو الدولة الذين يقيم معظمهم في بلداتهم قبل قيام الدولة وقسم منهم اقتلعتهم الدولة من أماكن سكناهم التاريخية ونقلتهم الى مكان سكنهم الحالي. لقد امتنعت الدولة على مدار عشرات السنين عن الاعتراف بهم وتنظيمهم في هذه الأماكن، إن كان من الناحية التخطيطية أو البلدية. وهي تتعامل معهم حاليًا كـ “مقتحمين”، وتتصرف بقبضة مشدودة لإخلائهم من الأراضي التي يقطنون فيها، ومن الحقول التي يفلحونها، بغية تركيزهم في البلدات القائمة وتلك التي لا تزال في مراحل التخطيط. ويتم القيام بهذه الخطوات عبر الإكراه، دون عرض بدائل ملائمة للسكن والعمل، دون تعويضات ملائمة وبمعزل عن الاجراءات النزيهة. وفي تزامن مع الخطوات لإخلاء البدو تقوم نفس السلطات الحكومية بتخصيص اراض شاسعة لليهود الذين يستوطنون في “مزارع الأفراد” حيث تسلّمهم المجالس الإقليمية وظيفة “حماية الأرض” من سكانها الأصليين.إن هذه السياسة تمييزية لأنه لو لم يكن هناك تبرير تخطيطيّ لوجود بلدة بدوية في المكان، فلن يكون بالتأكيد تبرير كهذا لبلدة يهودية.في السنة الماضية جرى تشديد سياسة القبضة المشدودة أكثر ضد البدو في النقب، وقد زادت الحكومة من نشاطاتها لتركيز المواطنين العرب في النقب في مساحة محدودة، وهذا الى جانب التطوير المتسارع للاستيطان اليهودي في النقب.في عام 2005 أقرت الكنيست تعديلا لقانون اراضي الجمهور، يزيد من الصعوبات أمام البدو في تأكيد العلاقة بالأرض و/أو مواصلة العيش فيها وفلاحتها. فالقانون وسّع من الصلاحيات، الواسعة أصلا، لدى دائرة أراضي اسرائيل وجهات أخرى التي تخوّلهم اخلاء سكان، تدمير محاصيل، وهدم بيوت في الاراضي التي تشهد خلافًا بين البدو وبين الدائرة على ملكيتها. ان اقرار هذا التعديل يمس بقواعد ديمقراطية أساسية، وأولها الحق في اجراء قضائي نزيه. وما يضاعف الجريمة هو تجاهل ازمة السكن والعيش القاسية التي تسيطر على البدو، الذين يعيشون في قرى غير معترف بها، وتجاهل حقّهم في العيش الكريم.لقد منح القانون، أيضًا، موظفي دائرة اراضي اسرائيل صلاحيات بالتفتيش، التحقيق، اصدار وتنفيذ أوامر إخلاء، وقلـّص بشكل كبير من رقابة المحكمة على نشاطات من هذا النوع. فالقانون يوفّر تحت إمرة دائرة أراضي اسرائيل جهازًا منفصلا لمهام الشرطة، المحاكمة والتطبيق، الموازية لأجهزة تطبيق القانون التي يخضع لها مواطنو الدولة كافة.في السنة الأخيرة تم تشديد الممارسات ضد البناء بدون ترخيص في النقب (اصدار، توزيع وتنفيذ أوامر بالهدم) من دون توفير حلول سكن بديلة للعائلات التي يتم هدم بيوتها، ودُمرت محاصيل في حقول فلحها البدو، على اراضٍ يدور نزاع حولها بين البدو والدائرة. وتستغل السلطات الصلاحيات المعطاة لها أيضًا كوسيلة للضغط على سكان في بلدات هناك نيّة بإخلائها، وخاصة في القرى التي يواصل سكانها التحرّك القانوني ضد أوامر اخلائهم في المحكمة العليا (مثل وادي النعم، عبدة ورقمة)؛ وكذلك في قرى صدرت قرارات بإقامة بلدات يهودية على اراضيها وفي مكانها (مثل عتير، حيران وعومريت، المخطط لإقامتها بدلا من عتير، أم الحيران وبير المشاش).المثال الصارخ على هذا النهج هنا هو قرية وادي النعم غير المعترف بها. فهذه القرية مقامة في مكانها منذ حوالي 50 عامًا، منذ أن تم نقل سكانها بواسطة سلطات الدولة، ولكن لم يتم تنظيم مكانتها تخطيطيًا ولا بلديًا. وتحاول الدولة اليوم اخلاء القرية من دون توفير أي بديل سكني لائق للسكان. قبل اكثر من سنة رفضت سلطات التخطيط الخارطة الهيكلية التي وضعتها دائرة اراضي اسرائيل لنقل سكان القرية الخمسة آلاف الى بلدة شقيب السلام، وفقًا لقرار حكومي صدر في آب 2000. وأمرت سلطات التخطيط الحكومة باقتراح موقع بديل، بالاشتراك مع السكان. على الرغم من هذا كله، فإن توجهات ممثلي السكان (بواسطة جمعية حقوق المواطن و”بمكوم – مخططون من أجل حقوق التخطيط”) الى كافة الجهات الحكومية ذات الصلة، بقيت دون جواب ذي مضمون. انّ الدولة تتجاهل واجبها الأخلاقيّ والقانونيّ والقرارات التي اتُّخذت في مؤسّسات التخطيط والتي تلزم الحكومة بتوفير حلّ سكني لائق لسكان القرية، وتمتنع عن اقتراح بدائل لائقة لبلدتهم. في الوقت نفسه، كثّفت جهات التطبيق المختلفة من وتيرة اصدار وتنفيذ أوامر هدم البيوت، دون تمييز بين البيوت القائمة منذ عشرات السنين وتلك التي تم بناؤها في السنوات الأخيرة.في تشرين الثاني 2005 ردت محكمة العدل العليا التماسًا قُدّم بطلب ربط بيت ناديا ويوسف الأطرش من بلدة سعوة/ الأطرش بشبكة الكهرباء أو توفير الكهرباء بواسطة مولّد. ايناس، ابنتهما التي تبلغ الثالثة من عمرها، تعاني من مرض السرطان، وتحتاج للحماية من البرد والحر بفعل ضعف جهاز المناعة لديها، ويجب حفظ الدواء في الثلاجة. كان تسويغ رد الالتماس هو أن أهلها اختاروا العيش في بلدة غير معترف بها، ويعرفون انه لهذا السبب لن يتمكّنوا من الارتباط بالبنى التحتية الأساسية. لقد اختار القضاة تجاهُل ادعاء التنظيمين الملتمسين بأنّ حق الطفلة في الحياة يجب أن يفوق أي اعتبار تخطيطي وبيروقراطي. واختار القضاة أيضًا تجاهل حقيقة أنه ليس الملتمسون هم من قرّروا العيش في بلدة غير معترف بها، بل ان الدولة هي من قرّر رفض الاعتراف بقريتهم. ان ردّ الالتماس بهذا التسويغ مثير للغضب بشكل خاص، على خلفية حقيقة أن المواطنين الإسرائيليين الذين اختاروا عن دراية العيش في المناطق المحتلة، في ما تطلق عليه الحكومة نفسها اسم “بؤر غير مرخّصة”، يحظون بالكهرباء والماء والخدمات الأخرى بشكل منتظم.

Share and Enjoy:
  • LinkedIn
  • Twitter
  • Facebook
  • Print
  • email

קטגוריות: حقوق اجتماعيّة, حقوق الأقلية العربية, حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة, حقوق سكان القدس الشرقيّة, حقوق مدنيّة

مفتاح :.

Comments are closed.